التلاعب بالمنصّة مستمر.. جيش “الذباب الإلكتروني” السعودي يزداد قوةً وانتشاراً مع فشل تويتر بترويضه

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/01/21 الساعة 16:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/21 الساعة 16:49 بتوقيت غرينتش

ما زالت واحدةٌ من أقدم شبكات التضليل وأكبرها في الشرق الأوسط تزداد قوةً على تويتر، ويبدو أنَّ لا أحد يعرف السبب. وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذه الشبكة -التي تُدعى ديافولو، والتي تروِّج في الغالب لمحتوى مرتبط بقناة 24 الإخبارية السعودية المُحافِظة والقنوات الشقيقة لها- مسؤولةٌ عن نشر عدة أشياء مُضلِّلة من بينها خطاب كراهية طائفية ومعاداة السامية ونظريات مؤامرة حول الصحفي السعودي المقتول جمال خاشقجي. 

جهد مُنسَّق للغاية

يقول مارك أوين جونز أستاذ العلوم الإنسانية الرقمية بجامعة حمد بن خليفة: ما عليك سوى البحث في تويتر عن هاشتاغ مرتبط بإحدى دول الشرق الأوسط كي تعثر على أحد هذه الحسابات الآلية المُبرمَجة. إذ عادة ما تُجري هذه الحسابات عمليات نسخ ولصق للمحتوى نفسه، وتتميز بمقطع فيديو يُظهِر شعار قناة 24 المميز في الركن الأيمن السفلي.

فضلاً عن أنَّ الملفات الشخصية لهذه الحسابات مُصمَّمة لتبدو جديرة بالتصديق نسبياً، إذ غالباً ما تتضمن صور الملفات الشخصية أشخاصاً حقيقيين. وبالرغم من صعوبة التوصُّل إلى أرقام دقيقة، تشير التحليلات التي أجريتها إلى أنَّ الشبكة تتكون على الأرجح من حوالي 3700 حساب آلي أو نصف آلي. يضيف جونز بمقالة منشورة له في موقع Middle East Eye البريطاني.

وقد شهدت هذه الدراسة استخدام عيِّنتين من الحسابات: تكوَّنت كلتاهما بتنزيل حوالي 20 ألف تغريدة تحتوي على عبارة Saudi 24 Analyst أو "محلل في قناة 24″، وهي عبارة شائعة الاستخدام في شبكة الحسابات المبرمجة الآلية. 

كيف يتم كشف هذه الحسابات؟

يقول جونز، هناك عدة عوامل تُحدِّد إمكانية تمييز الحساب على أنَّه مشبوه أم لا، من بينها عوامل التشابه في تاريخ إنشاء الحساب، والمنصة التي يستخدمها الحساب، وعدد المتابعين، وأوجه التشابه في المحتوى الذي تشاركه تلك الحسابات. ومن المرجح أن يكون الحجم الفعلي للشبكة أكبر من ذلك، لكنَّ أخذ العينات بهذه الطريقة يُعطي أقل عددٍ من النتائج الإيجابية الخاطئة. 

ويشير تحليلٌ آخر للحسابات، أجري بناءً على الكلمات المتكررة الشائعة بين حسابات الشبكة، إلى وجود جهدٍ مُنسَّق للغاية. ففي المتوسط، يُنشأ 34 حساباً جديداً على تويتر في كل شهر منذ عام 2009، ولكن في بعض الأحيان، كانت هناك زيادة كبيرة. ففي مايو/أيار من عام 2016، أنشئ 335 حساباً، فيما شهد نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إنشاء 382 حساباً. ولو كانت هذه الحسابات أصلية، لكانت تواريخ إنشائها موزَّعة بشكل أكثر تساوياً.  

وصحيحٌ أنَّ بعض حسابات الشبكة لا تنشط إلا بصورةٍ متقطعة، لكنَّ الشبكة نفسها نشطة باستمرار، إذ تُنتج أكثر من 2500 تغريدة يومياً.

ما هي الموضوعات الأكثر تداولاً؟

من حيث الموضوعات، تركز الشبكة باستمرار على القضايا المتعلقة بإيران وتركيا وقطر. فوفقاً للتحليل الذي أجريته، كان ثلث إجمالي التغريدات المنشورة في الأسبوع الماضي يحتوي على هاشتاغ #إيران، بينما وصلت نسبة كلٍّ من هاشتاغات #تركيا و#قطر و#السعودية إلى حوالي 17%. 

وفي عام 2016، كانت شبكة قناة 24 السعودية مشاركةً في نشر خطاب كراهية ضد الشيعة باللغة العربية. وربما لا يكون ذلك مفاجئاً، نظراً إلى أنَّ أحد الكيانات المرتبطة بها كان قناة "المخطط الصفوي"، وهي قناةٌ مُكرَّسة للترويج لنظريات مؤامرة وأخبار معادية لإيران. وبعدما تلقَّى موقع تويتر الشكاوى بخصوص ذلك، علَّق 1800 حساب، لكنَّ الشبكة كانت أكبر من ذلك بكثير آنذاك، وهذا لم يعرقل نشاطها. إذ كان حجم الشبكة آنذاك يبلغ عشرات الآلاف من الحسابات، وفقاً لتقديراتي، يقول جونز.

ومع أنَّ العديد من حسابات لشبكة تعرَّض للحذف والتعليق منذ ذلك الحين، فإنها ما زالت قوية، وتنشر دعاية ومعلومات مضللة مؤيدة للسعودية. وكذلك تركب الشبكة موجة الموضوعات الأكثر تداولاً وتستغلها، لا سيما حين تسعى إلى الدفاع عن المملكة العربية السعودية ضد الانتقادات.

كيف يستغل "الذباب" موجة الموضوعات المتصدرة؟

في عام 2018، كانت الشبكة نشطةً للغاية في نشر نظريات المؤامرة -التي فُضِح زيفها لاحقاً- حول تورط تركيا في مقتل خاشقجي. وفي الذكرى السنوية للجريمة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اجتاحت الشبكة هاشتاغ #جمال_خاشقجي بمقاطع فيديو تروِّج لشركاتٍ سعودية، في وقتٍ كان فيه الاكتتاب العام لأسهم شركة أرامكو يتصدر العناوين الرئيسية.

وبعدما أطلق متدربٌ سعودي النار في قاعدة عسكرية في فلوريدا وقتل ثلاثة من أفراد الجيش الأمريكي، اجتاحت شبكة قناة 24 السعودية هاشتاغ # floridashooting برسائل تُظهِر الدعم السعودي لمكافحة الإرهاب.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ الشبكة مخصصة في الغالب لنشر التغريدات، بينما تميل الحسابات إلى عدم التفاعل مع بعضها البعض. وقد اكتشفت ذلك أنا والباحث Bill بيل ماركزاك في عام 2016، بعدما تعقَّبنا مجموعةً من مسارات تنقل البيانات الوصفية.

يُذكَر أن كلمة ديافولو، التي تعني "الشيطان" باللغة الإيطالية، كانت اسم برنامج يُستخدَم لأتمتة التغريدات من خلال تطبيق TweetDeck.

لماذا تعتبر هذه الشبكة نقطة تويتر العمياء؟

إذا نظرنا إلى جهود تويتر، التي يروَّج لها بكثرة، في تعليق الحسابات العربية التي تنشر "سخاماً سياسياً" من الإمارات والسعودية على تويتر، سيبدو استمرار نشاط الشبكة حتى الآن أمراً لا يُصدَّق.  

وصحيحٌ أنَّ تحديد تأثير الشبكة صعب، لكنَّ بعض مقاطع الفيديو التي تشاركها تلك الحسابات على تويتر تحصل في كثيرٍ من الأحيان على آلاف المشاهدات. ومع ذلك، فمن شبه المؤكد أنَّ الشبكة مُدانة بالتلاعب بالمنصة، الذي تُعرِّفه إدارة تويتر على أنَّه "استخدام تويتر للاشتراك في نشاط مجمّع أو مكثّف أو خادع يضلل الآخرين و/أو يعطل تجربتهم" يمكن أن يشمل رسائل مزعجة أو استخدام حساباتٍ مبرجمة آلية أو مزيفة بطريقةٍ ضارة. 

هذا ويثير استمرار وجود الشبكة تساؤلات حول نقطة تويتر العمياء الواضحة في ما يتعلق بالجهود المرتبطة بالسعودية الرامية إلى استخدام تويتر كسلاح. إذ اتهمت الحكومة الأمريكية مؤخراً موظفين سعوديين سابقين في تويتر اخترقا بياناتٍ شخصية بالتجسس لصالح الحكومة السعودية.

ومع ذلك، فحتى بعدما علمت إدارة تويتر بذلك الاختراق، التقى جاك دورسي الرئيس التنفيذي لتويتر بالأمير السعودي محمد بن سلمان. وكذلك لم يُقدِّم تويتر شرحاً كافياً لسبب إخفائه سِجلات سعود القحطاني، وهو مستشار ملكي سعودي سابق جرى تعليق حسابه بسبب التلاعب بالمنصة.

وبالرغم من عمليات تعليق الحسابات التي يُجريها تويتر مؤخراً، بدون التحقق من الحساب تحقُّقاً مناسباً وبدون وجود شفافية حول العلاقات المحددة التي تربط الشركة ببلدان معينة، والظروف التي تضعها تلك البلدان على السماح لتويتر بالعمل فيها، فمن المرجح أن يظل التلاعب بالمنصة شكلاً مقبولاً ضمنياً من أشكال الرقابة في الشرق الأوسط. 

تحميل المزيد