قبل أن يتم توقيع البيان الختامي لمؤتمر برلين بشأن الحرب في ليبيا، أفادت الأخبار باختراق الهدنة في جنوب العاصمة طرابلس، وسط اتهامات متبادلة من الطرفين.
وإلى جانب الأنباء القادمة من طرابلس التي أفادت بخرق قوات خليفة حفتر اتفاق وقف إطلاق النار، قال رئيس الحكومة فايز السراج إن ليبيا ستواجه وضعاً كارثياً إذا لم تضغط القوى الأجنبية على خليفة حفتر قائد قوات شرقي ليبيا (الجيش الوطني الليبي)، لإنهاء حصاره لحقول النفط والذي أدى إلى وقف إنتاج الخام تقريباً.
وأغلقت قوات حفتر موانئ النفط الرئيسية بليبيا منذ يوم الجمعة، في استعراض للقوة تزامناً مع لقاء قوى أجنبية مع حلفائه ببرلين؛ للضغط عليه لوقف حملته العسكرية الرامية إلى السيطرة على العاصمة طرابلس حيث مقر حكومة الوفاق.
السراج قال لـ "رويترز"، إنه يرفض مطالب حفتر بربط إعادة فتح الموانئ بإعادة توزيع إيرادات النفط على الليبيين، مشيراً إلى أن الدخل في النهاية يعود بالفائدة على البلد بأكمله.
أضاف خلال المقابلة التي جرت ببرلين، أن هذا الوضع سيكون كارثياً في حالة استمراره.
وردّاً على سؤال عما إذا كان يرغب في أن تضغط الدول الأجنبية على حفتر حتى يُنهي حصاره للموانئ النفطية، قال: "آمل أن تعرف الأطراف الدولية الخارجية عمق المشكلة… بعض الأطراف الخارجية وعدوا بأن يتابعوا الملف".
رفض عقد أي لقاءات مع خليفة حفتر
السراج خلال مقابلته مع رويترز، قال إنه سيحترم قرار القمة الحفاظ على الهدنة في طرابلس، وبدء محادثات بين طرفي النزاع الليبي، في إطار خطة تقودها الأمم المتحدة.
لكنه استبعد عقد أي لقاء مع حفتر. وفي برلين اجتمع السراج وحفتر مع زعماء العالم دون أن يلتقيا.
قال السراج: "بالنسبة لي فإن الأمر واضح. الجلوس مع الطرف المعتدي أعتقد أنه عملية تجاوزها الزمن. وأعلنا عن موقفنا بوضوح، وهو أننا لن نجلس مرة أخرى"، مضيفاً أن مسألة الحوار حول صنع السلام يتعين ألا يتم قصرها على لقائه مع حفتر.
علامَ اتفقوا في مؤتمر برلين؟
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قالت للصحفيين، أمس الأحد 19 يناير/كانون الثاني، إن اجتماع القمة الذي حضره الداعمون الرئيسيون لطرفَي الصراع في ليبيا توصَّل لاتفاق على ضرورة تحويل هدنة تم التوصل إليها في طرابلس خلال الأسبوع المنصرم إلى وقف دائم لإطلاق النار، لإتاحة الفرصة أمام بدء عملية سياسية، وأضافت أن لجنة خاصة مشكّلة من خمسة عسكريين من الطرفين ستراقب الهدنة. وتعهدت القوى الخارجية النشطة في ليبيا بتعزيز حظر تفرضه الأمم المتحدة للسلاح ووقف إرسال أسلحة إلى هناك.
مؤتمر برلين شهد حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والرئيس الجزائري، ورؤساء وزراء بريطانيا وإيطاليا، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، إضافة لمسؤولي الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، ووزير خارجية الإمارات، وممثل للحكومة الصينية، وآخرين.
كما حضر المؤتمر رئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا المعترف بها دولياً، فايز السراج، وخليفة حفتر قائد ما يعرف باسم الجيش الوطني الليبي، الذي تسيطر ميليشياته على شرق وجنوب ليبيا، لكنهما لم يحضرا اجتماع القمة، ولم يلتقيا وجهاً لوجه، في إشارة إلى اتساع هوّة الخلاف بين الطرفين.
ماذا أراد كل طرف من مؤتمر برلين؟
حتى يمكن قياس نجاح أو فشل مؤتمر برلين، من المهم رصد هدف كل طرف من المؤتمر، وهل حققه أم لا؟ ونبدأ من الحكومة الشرعية في طرابلس برئاسة السراج: الحكومة تريد وقف العمليات العسكرية التي يقوم بها حفتر، وأن يكون ذلك برعاية ومراقبة قوات أممية أو دولية، لإفساح المجال أمام المسار السياسي وحماية المدنيين الذين تسيل دماؤهم بسبب هجوم قوات حفتر على طرابلس منذ أبريل/نيسان الماضي.
خليفة حفتر: يقول إنه يريد نزع سلاح مَن يسميهم الميليشيات (القوات التي تدافع عن العاصمة)، وإسقاط حكومة السراج، والسيطرة على ليبيا بالكامل، بداعي مكافحة الإرهاب وإنهاء النفوذ التركي في ليبيا.
مَن يدعمون حفتر ولماذا؟ الإمارات والسعودية ومصر وفرنسا تدعم حفتر منذ بداية تمرده على الحكومة المعترف بها دولياً قبل أربع سنوات تقريباً، ومؤخراً انضمت إليها إيطاليا وروسيا كذلك، على الرغم من عدم اعتراف موسكو رسمياً بذلك الدعم، ويظل الدعم الإيطالي المتأخر لحفتر سياسياً بالأساس وسببه هو الضغط بورقة الهجرة من إفريقيا التي تمثل قضية حيوية للحكومة الإيطالية اليمينية.
الدعم الإماراتي المصري السعودي لحفتر أسبابه سياسية بالأساس، وتتمثل في عدم رغبة الدول الثلاث في وجود حكومة إسلامية (من وجهة نظرهم) في ليبيا، ومن المهم هنا أن نذكر أن مصر والإمارات لم تكونا من ضمن الدول التي قالت ألمانيا إنها ستحضر مؤتمر برلين، لكن ذلك تغيّر الأسبوع الماضي عندما رفض حفتر توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في موسكو، وقيل إن ذلك الموقف جاء بعد مكالمة مع مصر والإمارات.
مَن يدعمون حكومة السراج ولماذا؟ تعد تركيا الداعم الأبرز لحكومة طرابلس، ويقول الرئيس أردوغان إن بلاده تدعم الحكومة الشرعية المعترف بها من جانب المجتمع الدولي، ويتهم حفتر بأنه "انقلابي" يريد فرض سيطرته على ليبيا بالقوة وبمساعدة داعميه، كما تحظى الحكومة أيضاً بدعم الجزائر، إضافة بالطبع للاعتراف بها من جانب جميع دول العالم، بما فيها داعمو حفتر الإقليميون والدوليون أنفسهم.
أين يقف بوتين من الصراع في ليبيا؟ ولماذا؟
ربما تفسّر الإجابة عن هذا السؤال كثيراً من غموض الموقف وتحل بعضاً من ألغازه، حيث إن روسيا دخلت على خط الصراع في وقت متأخر ربما قبل بضعة أسابيع، عندما وصل المئات من مرتزقة مجموعة "واغنر" شبه العسكرية التي يشرف عليها الكرملين، وانضموا إلى قوات حفتر، وهو ما ساعده على تحقيق بعض التقدم على الأرض في محاور القتال حول طرابلس.
أما لماذا قرر بوتين أن يدعم حفتر؟ ولماذا ينفق المال والجهد والطاقة بل وسمعته كلاعب دولي مؤثر في حرب أهلية معقدة بهذا الشكل؟ فالإجابة رصدها كونسطنطين إيغيرت، الصحفي الروسي والخبير المحنك، في مقال له نُشر اليوم الإثنين على موقع دويتش فيله بعنوان "هل نفد حظ بوتين في ليبيا؟"، رصد فيه ثلاثة أسباب، أولها أن بوتين يريد إصلاح خطأ ديمتري ميدفيديف الرئيس الروسي أثناء الثورة الليبية عندما قرر ترك الناتو يطيح بالقذافي، مما أدى لاندلاع الحرب الأهلية هناك وخسارة روسيا لأحد معاقل تأثيرها في الشرق الأوسط، إضافة لاعتقاد الكرملين في إمكانية تحقيق نفس ما حققوه في سوريا بدعم بشار الأسد.
السبب الثاني هو أن بوتين يريد الحصول في النهاية على الثمن في صورة قاعدة أو قواعد جوية وبحرية في ليبيا، ستمثل بلا شك شوكة في خاصرة الولايات المتحدة، وهو الهدف الأسمى وراء سياسة بوتين الخارجية، والسبب الثالث يتمثل في رغبة شركات البترول الروسية التي كانت تعمل بقوة في قطاع النفط الليبي أيام القذافي في العودة مرة أخرى واستعادة ما فقدته.
لماذا خسر بوتين هذه المرة؟
هناك عوامل كثيرة أدت لما تعرَّض له بوتين من إحراج، عندما رفض حفتر التوقيع على وقف إطلاق النار في موسكو، أبرزها بحسب رصد إيغيرت، التدخل المصري والسعودي والإماراتي في اللحظة الأخيرة لأسباب متنوعة؛ وجدت الرياض وأبوظبي ذلك فرصة لإرسال رسالة مبطنة لبوتين بأن ما حدث في سوريا لن يتكرر في ليبيا، وفي القاهرة خشي السيسي فقدان أي نفوذ متبقٍّ له في ليبيا.
العامل الآخر ربما يكون له علاقة بالوضع الداخلي لبوتين وتركيزه بشكل كامل على التغييرات الكبرى التي أعلنها بشأن التعديلات الدستورية وتغيير الحكومة، ومن ثَم أعاد دراسة الوضع في ليبيا بشكل أكثر عمقاً، مما عرَّضه للإحراج في موسكو، واضطره إلى أن يحضر مؤتمر برلين كمتفرج أكثر منه كلاعب فاعل كما اعتاد.
هل يعني ذلك أن وساطة ميركل فشلت؟
من المبكر جداً الحكم على وساطة ميركل في الأزمة الليبية، صحيح أن البيان الختامي لمؤتمر برلين جاء محبطاً لليبيين الذين كانوا يأملون في أن يؤدي لوقف الحرب، لكن اتفاق جميع الأطراف على أنه لا يوجد حل عسكري للصراع في ليبيا يمثل بداية جيدة تمثل ضغطاً على حفتر كي يوقف هجومه على طرابلس.
كما أن الاتفاق على السعي لتثبيت وقف إطلاق النار وإعلان بريطانيا وإيطاليا استعدادهما للمشاركة في قوة دولية لمراقبة الهدنة ما أن يتم التوافق عليها يعد أيضاً خطوة على الطريق الصحيح، ويظل الحكم على مخرجات مؤتمر برلين رهناً بما تشهده الأوضاع على الأرض في ليبيا في الأيام القادمة، سواء في مجال المواجهات العسكرية أو في مجال قضية النفط التي يبدو أن حفتر قرر أن يستخدمها بعد أن أوقفت ميليشياته العمل في الحقول التي يسيطر عليها.