القليل من المسؤولين الأمريكيين يركزون على إيران مثلما يركز وزير الخارجية مايك بومبيو، فبالنسبة له الصراع شخصي، كما تقول شبكة BBC البريطانية.
قصة تأشيرة بومبيو إلى إيران!
في أوائل عام 2016، قدَّم مايك بومبيو، الذي كان آنذاك يشغل أول فترة له نائباً في الكونغرس عن ولاية كنساس، طلباً للحصول على تأشيرة سفر لإيران، وجَّهها للمرشد الأعلى آية الله خامنئي.
ووصل هو واثنان من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين في سيارات سوداء إلى السفارة الباكستانية في واشنطن، التي تضم قسماً للمصالح الدبلوماسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ نظراً لعدم وجود علاقات رسمية مع الولايات المتحدة.
وكانت أهداف أعضاء الكونغرس طموحة، إذ رغب النواب الثلاثة في الذهاب إلى طهران لمراقبة الانتخابات البرلمانية، وزيارة المواقع النووية، وعقد اجتماعات مع كبار المسؤولين الإيرانيين، ومقابلة السجناء الأمريكيين، والاطلاع على موجز عن برنامج الصواريخ الباليستية للدولة، من بين خطط أخرى.
وبعدها بعام، كان نائب الكونغرس قد لعب أوراقه السياسية ببراعة وارتقى في المناصب سريعاً، واستطاع تأمين وظيفة رائعة في إدارة ترامب بتولّي رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
ومزح مسؤول إيراني قائلاً إنهم تمنّوا بعدها لو أنَّ السفارة منحت بومبيو تأشيرة السفر إلى إيران. وأضاف: "كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية سيأتي إلى طهران!".
خلال السنوات الست التي قضاها في الكونغرس، كان لدى بومبيو مشروع مُحدَّد مُفضَّل، هو الوصول إلى المذنب وراء الغارة التي شنتها فصائل مسلحة في عام 2012 على المجمع الأمريكي في مدينة بنغازي الليبية، التي قتلت السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز.
وكان بومبيو من بين الجمهوريين الذين قادوا حملة هجوم ضد المرشح الديمقراطي للرئاسة آنذاك ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، اللذين انتقدوهما لعدم بذل المزيد من الجهد لإنقاذ السفير المنكوب وثلاثة من المسؤولين الأمريكيين الذين قُتلوا أيضاً.
عداؤه مع قاسم سليماني
لكنه كان يضع نصب عينيه أيضاً قوات الحرس الثوري الإيراني.
وباعتباره عضواً في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي، طالب بومبيو مراراً عملاء المخابرات الأمريكيين بمناقشة مسألة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وقائده الجنرال قاسم سليماني.
وكان بومبيو يركز على سليماني شخصياً لسنوات.
لذلك عندما سنحت الفرصة لقتل سليماني نفسه، كان بومبيو من بين الذين نصحوا ترامب بقنص الفرصة، على الرغم من علمهم بأنَّ هذه الخطوة قد تؤدي إلى إشعال الحرب وتفعيل الخلايا الإرهابية الإيرانية في جميع أنحاء العالم.
وكان الخوف من الميليشيات التابعة لإيران هو ما منع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ومن قبله جورج دبليو بوش من قتل سليماني.
ومن ثم، فإنَّ قرار استهداف الجنرال الإيراني كانت له منفعة مزدوجة لبومبيو.
وبعد اختراق السفارة الأمريكية في العاصمة العراقية بغداد في أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، لاح في الأفق تهديد خطير باحتمال حدوث هجوم مماثل لغارة بنغازي. لكن الرغبة في الانتقام من الحرس الثوري الإيراني تعود إلى الوقت الذي كان بومبيو فيه متدرباً في الأكاديمية العسكرية الأمريكية في مدينة ويست بوينت.
وحين كان بومبيو مجنداً في الجيش الأمريكي في الفترة من 1982 إلى 1986، كانت التوترات مع إيران ووكلائها في لبنان، ميليشيات حزب الله، قد وصلت لذروتها.
وفي الوقت نفسه، كانت الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة مستمرة، وأُوفِد بومبيو إلى ألمانيا باعتباره ضابطاً من الجيش الأمريكي.
وبعدها بـ35 عاماً، سددت الولايات المتحدة أبرز ضربة لهذا التهديد حتى تاريخه.
سليماني الصيد الثمين
يقول مايكل بريجنت، ضابط مخابرات سابق بالجيش الأمريكي خدم في العراق وأدلى بشهادته مؤخراً أمام الكونغرس حول حجم النفوذ الذي تمتع به سليماني في العراق: "هذا أمر جلل بالنسبة لبومبيو؛ لأنه هو من أقنع الرئيس بأهمية قاسم سليماني".
وأضاف: "سواء استهداف موقع نووي أو بحري لإيران؛ فإنَّ أياً من هذا لا يرقى لاستهداف قاسم سليماني".
وتابع بريجنت، الذي أطلع وزير الخارجية بومبيو مرات عديدة على معلومات تخص فيلق القدس: "هذا أهم رجل تغتاله، بعد آية الله".
القضاء على سليماني يعطي بغداد فرصة للتخلص من النفوذ الإيراني، وربما يمنح وزير الخارجية الأمريكي أيضاً نصراً دبلوماسياً وانتصاراً عسكرياً.
لكن، قال أحد المساعدين السابقين في الإدارة الأمريكية إنَّ بومبيو كان أكثر من مجرد وزير خارجية.
يقول ستيف بانون، العقل المُدبِّر وراء فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 والمستشار السابق للبيت الأبيض، إنَّ بومبيو يضطلع أيضاً بالدور الفعلي لوزير الدفاع ومستشار الأمن القومي ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية.
فلا يتمتع ترامب بنفس درجة الوفاق مع المسؤولين الشاغلين لهذه المناصب مثل ذلك الذي يربطه بوزير خارجيته.
ويرجع الفضل في هذه العلاقة الوثيقة بين بومبيو وترامب إلى بانون، الذي يقول إنَّ بومبيو اختير لشغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية مباشرة عقب "يوم الثلاثاء الكبير" في انتخابات 2016؛ بسبب أفكاره المدروسة حول الأمن القومي، خاصة فيما يتعلق بإيران.
وفي أول عطلة نهاية الأسبوع تمر على ترامب بعد تولّي الرئاسة، أجرى كل من بانون وبومبيو محادثة خاصة، بينما كانا يشاهدان ترامب يلقي خطاباً في مقر وكالة الاستخبارات المركزية في ولاية فرجينيا، تزامناً مع معركة تدور رحاها في مدينة تدمُر القديمة في سوريا.
مذهبه الديني وراء كُرهه لإيران
ففي ذلك الوقت، كانت القوات الخاصة الأمريكية تدعم مقاتلين سوريين في محاولتهم لاستعادة المدينة القديمة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". وكان فيلق القدس الإيراني منتشراً أيضاً في تدمُر، التي كانت قبل 3000 عام بمثابة محطة على الطريق بين الرومان وإمبراطورية فرثيا (التي كانت إيرانية).
وفي وقت لاحق، دخلت الإمبراطوريتان الرومانية والفارسية في حرب.
وهنا، قال بانون مازحاً: "لم يتغير الوضع، فنحن أحفاد الرومان". وفي تلك المحادثة الخاصة تحديداً، طلب بانون من بومبيو أن يوصل للرئيس شخصياً موجز المعلومات الاستخباراتية اليومي بالغ السرية.
وقال بانون لكبير دبلوماسيي الولايات المتحدة المستقبلي: "هو بحاجة لشخص يمكنه التفاهم معه".
ويقول بانون إنَّ انتماء بومبيو للطائفة الإنجيلية ساهم بدور كبير في تكوين آرائه حول إيران؛ فهو داعم لإسرائيل، عدو إيران.
من ناحية أخرى، يبدو أنَّ المسؤولين الإيرانيين يركزون على بومبيو، ويقرون بأنَّ من بين السهام التي تصوبها إدارة ترامب للنظام الحاكم الإيراني، فإنَّ بومبيو هو من بين أكثرها حدة.
وأوشك بومبيو على الترشح لعضوية مجلس الشيوخ مؤخراً، لكنه قرر التراجع عن الفكرة وأن يبقى وزيراً للخارجية في وقتٍ يشهد توترات عالمية محتدمة قد تصل للحرب.
ويتوقع الأشخاص المطلعون على المسألة أن يروا البيت الأبيض يضاعف عقوباته على إيران ويعزز جهود تفعيلها.
والهدف الأساسي من ذلك هو إعادة إيران لطاولة المفاوضات.
من جانبه، يقول يوسف العتيبة، سفير الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة: "يجب أن تكون هناك خطة عمل مشتركة [اتفاق نووي] فعالة وشاملة تغطي جميع أنشطة إيران في المنطقة، ووكلائها، وبرامج الصواريخ، وتتضمن صوتاً إقليمياً على الطاولة هذه المرة".
ليس هناك شك في أنَّ بومبيو سيترشح للرئاسة يوماً ما. لكن إلى أن يحدث ذلك، سيظل يمثل شوكة في حلق إيران، في ضوء مواصلة الإدارة الأمريكية حملة الضغط القصوى التي تمارسها لتركيع طهران.