تزايَد القلق الإسرائيلي من الدعم التركي للقدس وعرب 48، في ظل الأزمة المتنامية بين تل أبيب وأنقرة.
فبالإضافة إلى الغضب الإسرائيلي من تزايُد نفوذ تركيا بالضفة الغربية وقطاع غزة، كشفت الصحافة الإسرائيلية عن زيادة النفوذ التركي داخل المدن العربية في إسرائيل أيضاً.
سر القلق الإسرائيلي من الدعم التركي للقدس وعرب 48
تتهم إسرائيل تركيا بتوسيع تأثيرها بين فلسطينيي 48، من خلال شبكة "الدعوة" التي تضم العشرات من المؤسسات الخيرية العاملة في مجال الصدقات والتعليم والدعم الاجتماعي، الحاصلة على تمويل تركي، مثل "المركز الثقافي التركي، اللقلق، وقت القراءة، البستان، تيكا، من يد إلى يد، اقرأ"، وتتراوح أنشطتها بين ترميم المساجد، وإقامة المدارس، ودعم الطلاب الجامعيين مالياً، ودعم البنى التحتية للمياه والكهرباء.
صحيفة يسرائيل هايوم، الناطقة باسم بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، كشفت أن تركيا تضخ مزيداً من الدعم إلى مناطق عربية داخل إسرائيل، مثل مدن النقب ويافا وحيفا واللد والرملة، ما يجعل إسرائيل تواجه صعوبات في التصدي للنفوذ التركي المتزايد بين الفلسطينيين في إسرائيل، وتزعم تل أبيب أن تركيا شريكة للإخوان المسلمين، وتسعى لاستعادة الخلافة العثمانية ودورها، ولذلك قرّرت توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي.
مؤسسات تركية تدعم فلسطينيي 48 الذين تُهمشهم إسرائيل.. المساجد أولاً
أحد الأجسام الناشطة هو المركز الثقافي التركي، وهو ذراع متقدمة للقنصلية التركية في القدس، وقد وقّع على اتفاق مع الوقف الإسلامي بالقدس لدعم دورات تعلم اللغة التركية.
كما قدَّم الأتراك تمويلاً مالياً مجزياً لاستبدال غطاء قبة الصخرة، وترميم البوابات الإسلامية بالحرم القدسي، وجزء من الجدار الشرقي للبلدة القديمة، في محاولة للتجاوب مع نداء "الأقصى في خطر".
وهناك منظمات تركية أخرى تسعى لترميم مساجد داخل إسرائيل، مثل حسن بك في يافا، والجرينة في حيفا، وتسعى للحفاظ على المسجد الأقصى والإرث العثماني في القدس، والسيطرة على الوقف الإسلامي بباب الرحمة.
وفي الرملة حاول الأتراك إيجاد موطئ قدم بترميم المسجد الأبيض، وفي اللد رمّموا المسجد العمري الكبير بتكلفة 170 ألف دولار، ووفّروا رواتب لعشرات الأئمة في أنحاء إسرائيل، ودعموا الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية، وموّلوا الرحلات إلى الأقصى.
هاني الأغا، مدير مؤسسة "ياردم إلي" التي تعزّز دورها في الأراضي الفلسطينية، قال لموقع "عربي بوست" إن أنقرة "بدأت تقديم مساعداتها التركية للفلسطينيين بعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم، من خلال إنشاء مكتب التعاون التركي، حيث بلغت قيمة المساعدات التركية بين 2006-2012 ما قيمته 195 مليون دولار".
وأضاف أن "هناك زيادة في حجم الدعم التركي السنوي على الأراضي الفلسطينية مقارنة مع الدول الأخرى المانحة، وتمثلت المساعدات في دعم القطاع التعليمي بإنشاء وتجهيز المدارس، وتعزيز برامج البحث العلمي، وتقديم منح دراسية للطلاب، ووصل عدد المشروعات في هذا المجال إلى 38 مشروعاً في فلسطين، إضافة إلى دعم القطاع الصحي، حيث نُفذ 29 مشروعاً، ودعمنا قطاع المياه والصرف الصحي، وتم إنشاء مشاريع ثقافية تمثلت في دورات تدريبية ومعارض وندوات".
وقال: "تهدف جميع هذه المشاريع لتوطيد العلاقات الأخوية بين تركيا والفلسطينيين".
وتمدُّ يدها لبدو النقب غير المعترف بهم
تركزت جهود المؤسسات الخيرية التركية في السنوات الأخيرة باتجاه النقب، حيث أقامت الاتصالات مع سكانها البدو، وهي تقيم تعاوناً مكثفاً مع الحركة الإسلامية، وتقوم بمساعدة القرى غير المعترف بها من الحكومة الإسرائيلية بإمدادهم باحتياجاتهم من المياه والاتصالات والكهرباء.
كما أن منظمة "تيكا" تموّل مشاريعها في الأراضي الفلسطينية المحتلة داخل إسرائيل، بما يعادل 1.3 مليون دولار، شملت ترميم أكثر من 130 مبنى بأموال تركية، وهناك 4300 منزل، و70 مسجداً، ومواقع مرشحة للترميم بأموال الجمعيات التركية، بمشاركة رجال الحركة الإسلامية داخل إسرائيل.
المساعدات لا تقتصر على الحركة الإسلامية
"إسرائيل تمارس تحريضاً مكشوفاً على ما تعتبره زيادة في النفوذ التركي المتزايد بين الفلسطينيين العرب داخلها"، حسبما قال محمد وتد، صحفي فلسطيني من مناطق المثلث العربي داخل إسرائيل لـ "عربي بوست".
وأضاف قائلاً: "مع العلم أن المؤسسات التركية لا تقدم مساعدات ودعماً للجمعيات والمرافق التابعة للحركة الإسلامية فقط، بل لكل الفلسطينيين العرب هناك، بينها مبادرات فردية تقوم بها تكتلات عربية وجمعيات محلية تحظى بدعم تركي، بهدف تعزيز التواصل بين الجانبين".
وأضاف أن زيادة عمل المؤسسات التركية بين الفلسطينيين العرب داخل إسرائيل تتزامن مع إغلاق جمعيات الحركة الإسلامية التي باتت محاصرة ومغلقة، عقب الإعلان الإسرائيلي أنها خارجة عن القانون منذ 2015.
رئة جديدة للفلسطينيين
لا شك أن هناك حالة انسجام بين حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، والحركة الإسلامية داخل إسرائيل، حسب الصحفي محمد وتد.
يضيف قائلاً: "بدليل أن تركيا تحولت إلى رئة جديدة للفلسطينيين العرب داخل إسرائيل، لاسيما على صعيد الرحلات السياحية، بعد أن كانت قبلتهم في السابق منتجع شرم الشيخ المصري".
ولكن أصبحت تركيا اليوم هي البديل للفلسطينيين داخل إسرائيل، حيث يزورها سنوياً قرابة نصف مليون شخص، وعشرات الطلاب المنخرطين في الجامعات التركية، والمئات من رجال الأعمال الذين يُبرمون صفقات تجارية، ويحصلون على إقامة دائمة في تركيا.
من إسطنبول إلى القدس.. مصرّون على شد الرحال رغم الصعوبات
في المقابل، يبلغ عدد الأتراك الذين يزورون القدس سنوياً قرابة 50 ألفاً، وهناك توجه تركي رسمي لضرورة زيادة أعدادهم، وأكدت شركات السياحة التركية وجود طلبات مرتفعة على الجولات المخصصة لزيارة القدس، لأن الأتراك يبدون اهتماماً بالمدينة المقدسة، ويرغبون في زيارتها، حتى إن نسبة زوار القدس من الأتراك ارتفعت بنسبة 300%، رغم الصعوبات التي تفرضها إسرائيل على السياح الأتراك على خلفية سياسية.
مع العلم أن إسرائيل تتعمد المماطلة في منح تأشيرات الدخول للأتراك، أو ترفض منحها، وتفرض 11 دولاراً على كل سائح تركي بحجة التأمين، كما تُفتش السلطات الإسرائيلية هواتف الأتراك في المطارات والمعابر الحدودية، وتُوقف بعضَهم لساعات طويلة، لكن كل هذه التعقيدات الإسرائيلية لم تُثن الأتراك عن التوجه للقدس المحتلة، وزيارة أماكنها المقدسة.
توصية من مجلس الأمن القومي الإسرائيلي بتقييد عمل المنظمات التركية
وفي مؤشر على القلق الإسرائيلي من الدعم التركي للقدس وعرب 48، حظرت تل أبيب منظمة "قناديل" التركية، بزعم أنها تدعم أنشطة حماس في القدس، فيما أوصى مجلس الأمن القومي الإسرائيلي بتقييد عمل المنظمات التركية العاملة داخل إسرائيل.
توفيق محمد، رئيس التحرير السابق لصحيفة صوت الحق والحرية، الناطقة باسم الحركة الإسلامية في إسرائيل، قبل حظرها، قال لـ "عربي بوست" إن "الدور التركي بين الفلسطينيين داخل إسرائيل مرحّب به، وهو يسد ثغرة كبيرة بسبب سياسة الإهمال الرسمية الإسرائيلية تجاههم، ما يجعل المؤسسات التركية تؤدي مهام وأدواراً على مختلف الأصعدة: المعيشية والاجتماعية والاقتصادية".
وأضاف أن "الحكومة الإسرائيلية اتخذت قرارات جديدة ضد بعض المؤسسات التركية، بإلزامها بتنسيق كل نشاطاتها معها، وحرمان رؤسائها من دخول إسرائيل بتأشيرة السياحة، فيما أعلن وزير الخارجية يسرائيل كاتس أنه لن يسمح للرئيس رجب طيب أردوغان بأن يزيد من نفوذه في القدس وداخل إسرائيل، لكن كل ذلك لن يمنع تركيا من تفعيل دورها الإيجابي بين الفلسطينيين العرب داخل إسرائيل".