جولة جديدة من مفاوضات تشكيل الحكومة تشهدها تونس، وسط توقعات مفتوحة على فرضيات النجاح والإخفاق، وفق محللين. وبموجب الدستور التونسي، يكلف الرئيس قيس سعيد شخصية بتشكيل الحكومة الجديدة، بعد التشاور مع الكتل البرلمانية.
والثلاثاء الماضي، وجّه سعيد كتاباً إلى الكتل البرلمانية يدعوها فيه إلى تقديم مرشحيها لتشكيل الحكومة الجديدة. وتأتي دعوة سعيد بعد رفض البرلمان التونسي، الجمعة الماضي، منح الثقة لحكومة الحبيب الجملي للكفاءات المستقلة، بتصويت 134 نائباً ضدها، مقابل موافقة 72، فيما تحفّظ 3 نواب عن التصويت.
حظوظ وافرة للنجاح
الباحث في الفلسفة السياسية المعاصرة، رياض الشعيبي، رأى أن هناك فرصة هامة لنجاح تشكيل الحكومة هذه المرة. وفي حديث للأناضول، قال الشعيبي إن "عملية تكليف رئيس الحكومة من طرف رئيس الدولة ستنجح لسببين: الأول هو أن الرئيس يستطيع أن يحتوي التجاذبات السياسية بين الأحزاب المعنية بشخصية رئيس الحكومة وتشكيلتها، أما السبب الثاني فهو أن مختلف الكتل السياسية ليس من مصلحتها الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها، وبالتالي ستقبل في النهاية، وستعمل على إنجاح تشكيلها بغض النظر عن الأسماء التي ستكون فيها".
وتابع الشعيبي أن الأحزاب "ستنتظر كيف سيتعاطى الرئيس مع حقه في تكليف رئيس حكومة جديدة؛ فإما أنه سيتعامل معه بشكل آلي ويختار شخصية ثم يترك لها حرية الخيارات السياسية للحكومة، أو أن رسالة تكليف رئيس الحكومة ستتضمن توجيهات ستحدد هوية هذه الحكومة وتوجهاتها"، مضيفاً أن "طبيعة الشخصية التي سيختارها رئيس الجمهورية ستترجم إلى حد بعيد الهوية السياسية للحكومة الجديدة".
فشل محتمل
التفاؤل الذي أبداه الشعيبي تجاه تشكيل الحكومة شكّل طرحاً أبدى الباحث الاجتماعي التونسي هشام الحاجي تحفظاً تجاهه، معتبراً أن المسار الحالي لتشكيل الحكومة قد يفشل.
وأوضح الحاجي أن "بداية المسار من خلال الرسالة الجافة، التي توجّه بها رئيس الجمهورية إلى الأحزاب المعنية بتشكيل الحكومة، قد تطرح بعض التخوفات حول إمكانية نجاح هذا المسار".
وجاء في كتاب الرئاسة للأحزاب، الثلاثاء: "هذا كتاب إليكم لدعوتكم لتقديم مقترحاتكم مكتوبة حول الشخصية أو الشخصيات التي ترون أنها الأقدر من أجل تكوين حكومة، مع بيان دواعي هذا الاختيار والمعايير التي تم اعتمادها في ذلك". وأضاف البيان: "على أن يكون هذا (تقديم المقترحات) في أجل قريب لا يتجاوز يوم الخميس، 16 يناير/كانون الثاني الجاري".
ووفق الحاجي، فإن "ما يمكن ملاحظته أنه بمنطق حسابات الربح والخسارة قصيرة المدى، فإن بعض الأطراف ربما لا تجد مصلحة في الاتفاق حول حكومة تبدو البلاد في حاجة إليها، بدءاً من محيط الرئيس في حد ذاته".
وذهب الحاجي إلى أنه "يبدو أن المحيط حول الرئيس متجه إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، خاصة في ظل الحديث عن وجود مبادرات لتشكيل تيار أو حزب يتبنى مقولة (الشعب يريد..)".
وتشير تقارير إعلامية إلى أن مقرّبين من الرئيس التونسي قيس سعيّد بصدد تشكيل تنسيقيات استعداداً لأي انتخابات تشريعية تتم الدعوة إليها، وهو ما لم يتسنّ للأناضول التأكد من صحته من أي مصدر معني.
أي هوية سياسية لـ "حكومة الرئيس"؟
وحول الهوية السياسية للحكومة الجديدة، قال الشعيبي إن هناك خيارين: "الأول أن رئيس الجمهورية سيعتبر أن الأطراف التي دعاها للاجتماع يوم 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي، خلال فترة محاولة الحبيب الجملي تشكيل حكومته، من خط الثورة، هي وحدها المعنية بتشكيل الحكومة الجديدة".
وهذه الأطراف، بحسب الشعيبي، هي حركة النهضة (إسلامية 54 نائباً من أصل 2017)، والتيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي/ 22 نائباً)، و حركة الشعب ( قومية ناصرية/ 15 نائباً)، وائتلاف الكرامة ( ثوري /19 نائبا) وربما حتى "تحيا تونس" (ليبرالي/ 14 نائباً).
ويتابع الخبير: "أما الخيار الثاني، فهو الانفتاح على كل القوى السياسية والنظر إلى تمثيليتها بالمجلس دون تقييم توجهها السياسي، وبالتالي ستتسع المشاورات إلى قلب تونس (ليبرالي/ 38 نائباً)، وكتلة "الإصلاح الوطني" (أحزاب محسوبة على النظام السابق، مثل مشروع تونس، ونداء تونس/ 15 نائباً) وكتلة المستقبل (مستقلون/ 9 نواب).
ويرى الشعيبي أن "طبيعة الشخصية التي سيختارها رئيس الجمهورية ستترجم إلى حد بعيد الهوية السياسية للحكومة الجديدة".
النهضة.. في الحكم أم في المعارضة؟
وحول التساؤلات المطروحة في الساحة السياسية حول إمكانية انضمام النهضة إلى المعارضة، وذلك لأول مرة منذ انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2011، لفت الشعيبي إلى أن الحركة ستكون في الحكومة القادمة في كل الأحوال.
وقال إن "حركة النهضة دعت إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، ومن الواضح من العنوان الذي أعطته لها أنها، من ناحية، حريصة على المشاركة في الحكومة على الأقل بحجم تمثيليتها في مجلس النواب، وتدعو، من ناحية أخرى، للانفتاح على القوى المحسوبة على المنظومة القديمة، كي تشارك هي بدورها في هذه الحكومة".
ويشدّد الشعيبي على أنه "من غير الوارد بتاتاً إقصاء حركة النهضة من التمثيلية الحكومية، لأن تموقعها السياسي في الوسط بين طرفين متناقضين يجعل من المستحيل على أي طرف من هذين الطرفين المتناقضين أن يشكل حكومة دون الحركة".
إلا أن الباحث الاجتماعي هشام الحاجي يُبقي فرضية أن تكون حركة النهضة خارج الحكومة القادمة. ويرى الحاجي أن "الأحزاب التي تحركت لإسقاط حكومة الحبيب الجملي في البرلمان تحركت لتكون النهضة في المعارضة".
وأكد أن "النهضة غير قادرة على تغيير هذه المعادلة"، معتبراً أن "الأحزاب التي تحالفت ضدها (النهضة) ستمنحها هذا المجال، والشروط المخففة للتيار الديمقراطي للمشاركة في الحكومة التي سيكلفها الرئيس الآن هي دليل على ذلك".
وفي تصريحات إعلامية، الإثنين الماضي، أشار القيادي في التيار الديمقراطي غازي الشواشي إلى تنازل التيار عن شرط الحصول على الوزارات التي طلبها من رئيس الحكومة المكلف السابق الحبيب الجملي بالنسبة للحكومة التي سيكلفها الرئيس.
إلا أن الحاجي يُبقي على احتمال "استعادة النهضة واستبعاد قلب تونس، الأمر الذي يميل إليه بعض الأحزاب، خاصة أن التحالف واضح من التيار، والشعب أثبت قدرته في التحكم في مجرى الأحداث".
واعتبر الحاجي أن هذا "يستجيب لرغبة من رغبات الرئيس الذي لا يحبذ وجود قلب تونس في الحكم"، مبقياً على احتمال إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.