اليوم الأربعاء 15 يناير/كانون الثاني يبدأ ضخ الغاز من إسرائيل إلى مصر، بحسب بيان رسمي صادر عن وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية. هذا الخبر يطرح تساؤلات: أولها، لماذا تستورد مصر الغاز بعد الإعلان عن الاكتفاء الذاتي عقب الاكتشافات الكبرى في هذا المجال؟ ولماذا إسرائيل تحديداً، خصوصاً أن مصر كانت تصدر الغاز لإسرائيل؟ أسئلة أخرى كثيرة إجابتها هنا.
ماذا حدث؟
قالت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية في بيان لها إن ضخ الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر بدأ اليوم الأربعاء، مضيفة أن هذا "يمثل تطوراً مهماً يخدم المصالح الاقتصادية لكلا البلدين، حيث سيمكن هذا التطور إسرائيل من نقل كميات من الغاز الطبيعي لديها إلى أوروبا عبر مصانع الغاز الطبيعي المسال المصرية".
لماذا يعتبر هذا خبراً غريباً؟
في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني عام 2011 التي أجبرت الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، كانت قضية الغاز الطبيعي أحد الملفات التي شغلت الرأي العام وتم رفع قضايا أمام المحاكم المصرية تطالب بإلغاء اتفاق تصدير الغاز إلى إسرائيل، وتم بالفعل وقف تصدير الغاز تحت وطأة الضغط الشعبي العارم وتعرض خط الأنابيب الأرضية في سيناء والذي كان ينقل الغاز إلى إسرائيل للتخريب أكثر من مرة.
مصر إذن كانت تصدر الغاز الطبيعي لإسرائيل في وقت كانت تستورد نفس السلعة، بل كانت إسرائيل تستورد الغاز المصري بأسعار أقل من الأسعار العالمية، وكانت كل تلك الأمور سبباً وراء القضايا التي تم رفعها مطالبة بمحاكمة المسؤولين المصريين الذين أبرموا الاتفاق بتهمة الفساد.
وبالفعل توقفت مصر عن تصدير الغاز لإسرائيل، فقامت الأخيرة برفع قضايا تعويض أمام محاكم دولية، وصدرت بالفعل أحكام لصالحها بالحصول على تعويض قدره 1.76 مليار دولار.
متى أعلنت مصر الاكتفاء الذاتي؟
في سبتمبر/أيلول 2018 أعلنت مصر أنها أصبحت مكتفية ذاتياً من الغاز الطبيعي وأنها توقفت تماماً عن استيراده من الخارج بعد أن شهد ذلك الشهر وصول آخر صفقة من الغاز المسال من الخارج.
وأرجعت مصر في بيانات رسمية الفضل في وصولها إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي إلى حقل ظهر العملاق (في البحر المتوسط) والذي ارتفع إنتاجه بشكل سريع، من 350 مليون قدم مكعبة يومياً منتصف ديسمبر/كانون الأول 2018 إلى 2.7 مليار قدم يومياً بنهاية العام الماضي، وقفز إنتاج مصر من الغاز من 3.6 مليار قدم مكعبة، قبل أربع سنوات، إلى نحو 6.6 مليار العام الحالي.
لماذا إذن الاستيراد من إسرائيل؟
تقول مصر إنها تسعى إلى أن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة، وإنها تمتلك البنية الأساسية لنقل وتداول الغاز الطبيعي بشبكة رئيسية تبلغ 7 آلاف كم، وشبكة توزيع بإجمالي 31 ألف كم، إضافة لـ29 محطة معالجة غاز ومجمعي إسالة الغاز الطبيعي بدمياط وإدكو، ووحدتين عائمتين لاستقبال الغاز المسال بطاقة نحو 1300 مليون قدم مكعبة يومياً.
كما أن ميناء الغاز الطبيعي بالعين السخنة ورصيفه البحري يمثل البداية لإنشاء مركز إقليمي للطاقة بمصر بتكلفة 400 مليون دولار بشراكة عربية، كما تشمل الاستراتيجية إنشاء مستودعات بترولية لإعادة التصدير، وتطوير معامل التكرير مثل معمل مستطرد في القاهرة، و"المصرية للتكرير"، ومعامل ميدور وأسيوط باستثمارات 8 مليارات دولار.
في هذا السياق، وقعت مصر اتفاقية لاستيراد الغاز من إسرائيل مدتها 10 سنوات بقيمة 15 مليار دولار تم رفع قيمتها مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى 19.5 مليار دولار، وشملت تلك الاتفاقية بنوداً أخرى منها تخفيض قيمة التعويض لصالح إسرائيل عن توقف تصدير الغاز المصري من 1.76 مليار دولار إلى 470 مليوناً يتم سدادها على 10 سنوات.
إضافة إلى ذلك قامت إسرائيل بشراء جزء من خط أنابيب مصري لنقل الغاز البحري، وهو خط أنابيب شرق المتوسط – خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي المصري من العريش بمصر إلى عسقلان بإسرائيل داخل المياه الإقليمية المصرية ثم الإسرائيلية في البحر المتوسط بطول 100 كم، وهذا البند يقوي موقف تل أبيب التي تسعى هي الأخرى لأن تكون لاعباً إقليمياً أساسياً في مجال الطاقة.
للاستهلاك المحلي أم للتصدير؟
لكن الشركة المصرية المستوردة للغاز من إسرائيل – دولفينوس القابضة – في بيانها قبل أسبوعين أشارت إلى أنها ستقوم بتوريد الغاز الإسرائيلي إلى مستهلكين صناعيين وتجاريين كبار في مصر، وهو ما يناقض الرواية الرسمية الخاصة بإعادة تصدير الغاز الإسرائيلي إلى الخارج.
هذا التناقض يمكن تفسيره في إطار أن الرؤية التي يروج لها النظام المصري محليا لا تزال في طور التخطيط، حيث أن خط الأنابيب البحري المزمع إنشائه لتصدير الغاز إلى أوروبا لم يبدأ العمل فيه بعد، بينما بدأت إسرائيل بالفعل في تصدير الغاز إلى مصر وهو ما يعني أن الغاز الإسرائيلي من أجل الاستهلاك المحلي في مصر. هذا بالطبع يطرح سؤالا يتعلق بقضية الاكتفاء الذاتي ومدى الحاجة لاستيراد الغاز من إسرائيل، لماذا إذن تم توقيع الاتفاق والبدء في تنفيذه بل ورفع قيمته من 15 إلى 19.5 مليار دولار طالما لن تتم إعادة التصدير؟ كلها أسئلة تنتظر الإجابة من الجانب المصري.
هل لقصة الغاز أبعاد غير اقتصادية؟
الإجابة عن هذا السؤال جاءت على لسان المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم، الذين اعتبروا اتفاقية تصدير الغاز إلى مصر حدثاً أكثر أهمية من توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين البلدين قبل أكثر من أربعة عقود.
وزير الطاقة الإسرائيلي شتاينتز كان قد قال قبل أسبوعين إن "تصدير الغاز إلى مصر من حقول لفيتيان وتمار يمثل أهم تعاون اقتصادي بين إسرائيل ومصر منذ توقيع معاهدة السلام بين البلدين".
فالحجم الكبير للصفقة مع مصر، بحسب الوزير، سيجعل إسرائيل "شريكاً مهماً في الاقتصاد الإقليمي للطاقة"، مضيفاً: "ثروة الغاز الطبيعي ستدر دخلاً كبيراً على الدولة وستخفض من تلوث الهواء".
لكن الجانب الاقتصادي ليس كل القصة بالنسبة لتل أبيب التي تسعى إلى أن تساعدها احتياطاتها من الغاز على تقوية الروابط الاستراتيجية في المنطقة وإقامة علاقات جديدة.
كما أن الصفقة تصبّ في إطار رؤية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للعلاقات مع تل أبيب ومحاولة دمجها في المنطقة، وهو ما سمّاه السيسي في مايو/أيار عام 2016 "السلام الدافئ"، داعياً إسرائيل لاستغلال الفرصة التاريخية وحل الصراع مع الفلسطينيين.