بدأت الرسائل المختلطة في الظهور على الفور بعد تحطُّم طائرة ركاب أوكرانية بالقرب من العاصمة الإيرانية طهران في وقتٍ مبكر من يوم الأربعاء الماضي 8 يناير/كانون الثاني، ما أسفر عن مقتل جميع الأشخاص الذين كانوا على متنها البالغ عددهم 176 شخصاً.
إذ ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية أن الحادث وقع نتيجةٍ لخللٍ ما. فيما نشرت السفارة الأوكرانية في طهران تأكيداً مشابهاً، ثم حذفته فوراً. والآن، يقول مسؤولون أمريكيون وكنديون إن لديهم سبباً يدفعهم إلى الاعتقاد بأن الطائرة أسقِطَت بنظام دفاع جوي إيراني، ربما عن طريق الصدفة.
ويوم الخميس الماضي 9 يناير/كانون الثاني، قال بعض مسؤولي الدفاع الأمريكيين -الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة الموضوع علناً- لصحيفة The Washington Post الأمريكية إن السلطات الأمريكية تعتقد أن الطائرة أصيبت بصاروخ أطلِق من قاذفةٍ من نظام الدفاع الجوي SA-15.
ونستعرض هنا بعض الإجابات الرئيسية عن أسئلة متعلقة بذلك النظام الصاروخي وحادث التحطُّم، الذي وقع بعد عدة ساعات من استهداف إيران لقاعدتين عراقيتين تضمان قواتٍ أمريكية، رداً على اغتيال الولايات المتحدة للقائد العسكري الإيراني اللواء قاسم سليماني في 3 يناير/كانون الثاني الجاري في العاصمة العراقية بغداد.
ما هو نظام الدفاع الجوي SA-15؟
هو نظام دفاع جوي روسي الصُّنع يستطيع إسقاط الطائرات من مسافةٍ قريبة نسبياً، وهو معروفٌ كذلك باسم نظام Tor.
ويُمكِن للنظام إسقاط الطائرات والأسلحة الدقيقة والذخائر الموجَّهة، فضلاً عن قدرته على تتبُّع الأهداف الموجودة على بُعدٍ يصل إلى حوالي 25 كيلومتراً، ويمكنه كذلك اعتراض الأهداف التي تُحلِّق على ارتفاعاتٍ تصل إلى 10 آلاف كيلومتر، وفقاً لوثائق عسكرية.
وتجدر الإشارة إلى أن النظام مُصمِّمٌ لاعتراض الأجسام التي تطير على ارتفاعاتٍ تتراوح من متوسطةٍ إلى منخفضة للغاية، ويستطيع تتبُّع ما يصل إلى 48 هدفاً في وقتٍ واحد، مع تمتُّعه بإمكانية إطلاق صاروخين في وقتٍ واحد تقريباً إذا لزم الأمر، حسب ما تُظهِر الوثائق.
وفي هذا الصدد، قال ويل ماكنزي، وهو باحثٌ مشارك في برنامج الدفاع في مركز Center for New American Security، إن نظام SA-15 يُعَد "منصة أقدم مُصمَّمة أساساً للدفاع الجوي قصير المدى، وهو نظام محمول، لذا يُمكن تحريكه في أي مكان".
فيما قال مايكل دويتسمان، وهو باحث مشارك في مركز Center for Non-Proliferation Studies بمعهد ميدلبري للدراسات الدولية، إن النظام يمكنه إصابة الأهداف التي تقع على بُعدٍ يصل إلى حوالي 12 كيلومتراً.
كيف يمكن اكتشافه؟
إذا أطلق هذا النظام صاروخاً، فربما يكتشفه نظام الأشعة تحت الحمراء الفضائي، وهو شبكةٌ من الأقمار الصناعية التابعة للجيش الأمريكي مُصمَّمةً لتُرسِل إنذارات مبكرة عند إطلاق الصواريخ الباليستية والصواريخ التكتيكية. ويستطيع هذا النظام الأمريكي اكتشاف أنشطة الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من حوادث أخرى أخفّ، مثل الحرائق وتحطُّم الطائرات، باستخدام توقيع الأشعة تحت الحمراء.
هذا وصُمِّمت الصواريخ التي تُطلَق من نظام SA-15 لتُمطِر الأهداف بشظايا حين تنفجر، وهو ما ينشر شظايا من المعادن في جسم الطائرات العادية والطائرات بدون طيار.
كيف حصلت إيران على هذا النظام؟
أعلن مسؤولون روس في عام 2007 أنهم سلَّموا نظام Tor M-1، المعروف كذلك باسم SA-15، إلى طهران. وذكرت صحيفة The Guardian البريطانية آنذاك أنَّ إيران حصلت على 29 وحدةً من النظام بموجب شروط عقدٍ بقيمة 700 مليون دولار.
وفي هذا الصدد، قال دويتسمان إنَّ المسؤولين الأمريكيين كانوا قلقين على الأرجح حين حصلت إيران على نظام SA-15 لأنه "كان تحسيناً كبيراً للغاية مُقارنةً ببعض الأنظمة الأخرى التي كانت إيران تمتلكها آنذاك".
خطأ بشري أم آلي؟
أشار بعض المراقبين إلى أن القوات الإيرانية ربما كانت في حالة تأهُّب قصوى تحسُّباً للرد الأمريكي على الهجمات الصاروخية الإيرانية على قاعدتين عسكريتين في العراق في نفس الوقت تقريباً الذي شهد وقوع حادث الطائرة.
إذ قال مايكل سبيرتس، المدير المساعد لمركز Rand، وأحد المسؤولين السابقين في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) الذي كان معنياً بالسياسة الدفاعية وسياسة الدفاع الجوي الأمريكية: "إذا كانت هناك بطارية دفاع جوي، وكان مُشغِّلوها قلقين بشأن التعرُّض لطائرةٍ قادمة أو صاروخ قادم، فإنهم يكونوا متأهبين للغاية للضغط على زر الإطلاق. فمن الناحية الظاهرية، يعتقدون أنهم يدافعون عن شيءٍ مهم لقيادتهم، لذا يكون رد فعلهم سريعاً للغاية. ومن الصعب حينئذ اتخاذ قرارٍ بعدم الإطلاق".
فلا يتتبع نظام SA-15 التهديدات ويُطلق الصواريخ من تلقاء نفسه. بل يجب على الشخص المُشغِّل تحديد الهدف على الشاشة ثم إطلاق الصاروخ، حسب ما ذكرت وكالة Reuters.
وذكر دويتسمان أنه لو كانت إيران قد أطلقت صاروخاً أصاب الطائرة، فإنه يعتقد أن ذلك كان "حادثاً تاماً".
وقال: "الحادث برمته غريب تماماً". وأضاف أنه من الصعب تخيُّل أن "طاقم إطلاق الصواريخ الإيراني لم يكن على درايةٍ بما كان يحدث، وأنه ترك طائرات الرُكاب تُقلِع في الوقت الذي كان فيه في حالة تأهُّب ويتوقع التعرُّض لردٍّ انتقامي أمريكي".
ماذا يقول المسؤولون؟
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال يوم الخميس الماضي إنه من الممكن أن "شخصاً ما على الجانب الآخر قد ارتكب خطأ". وأضاف: "بعض الناس يقولون إنَّ الإطلاق كان آلياً. من وجهة نظري الشخصية، لا أظن حتى أنَّ ذلك موضع شك من الأساس".
وفي وقتٍ لاحق من اليوم نفسه، قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو: "ثمة دليلٌ يشير إلى أنَّ الطائرة أسقِطت بصاروخ أرض-جو إيراني". وأضاف: "ربما كان هذا غير مقصود". تجدر الإشارة إلى أنَّ أكثر من 60 شخصاً من ضحايا الحادث كانوا مواطنين كنديين.
ومن جانبه طلب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي من بعض القادة إطلاعه على المعلومات الاستخباراتية الموجودة لديهم، لكنَّه حث على توخِّي الحذر بشأن استخلاص الاستنتاجات في الوقت الذي ما زال فيه التحقيق جارياً.
فيما قال علي عابد زاده، رئيس هيئة الطيران المدني الإيراني، في مؤتمرٍ صحفي إنَّه "متيقنٌ من عدم تعرُّض الطائرة لأي صاروخ".
هذا وقرَّرت أوكرانيا إرسال فريقٍ مكوَّن من 45 فرداً إلى إيران، من بينهم خبراء ساعدوا في التحقيق الذي أجرِيَ في حادث تحطُّم طائرة الرحلة رقم 17 التابعة للخطوط الجوية الماليزية في يوليو/تموز من عام 2014، ومتخصصون مُكلَّفون بإعادة جثامين الأفراد الأوكرانيين الـ11 الذين كانوا على متن الطائرة إلى أوكرانيا.
ومع أن الطائرة كانت من طراز بوينغ الأمريكي، فإن المسؤولين الأمريكيين قد يواجهون تعقيداتٍ تمنعهم من المشاركة في التحقيقات بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.