في خضمّ التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، واحتمالات تفجُّر الوضع إلى حرب مفتوحة بين الجانبين هناك معركة قانونية تدور في أروقة السياسة في واشنطن، طرفاها إدارة الرئيس دونالد ترامب والكونغرس، بشأن "قانون قوى الحرب"، فما هي القصة؟
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "إيران و"قرار قوى الحرب" لتحجيم نزعات الرئاسة الأمريكية للحرب"، ألقت فيه الضوء على القضية وتبعاتها.
تحركات ديمقراطية ضد ترامب
يتحرك قادة الحزب الديمقراطي في الكونغرس الأمريكي سريعاً تجاه استخدام قانون "قرار قوى الحرب"، في محاولة لمنع الرئيس دونالد ترامب من جرّ الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران، بالرغم من تعهّد إيران بالانتقام لمقتل اللواء قاسم سليماني، وتهديدات ترامب بضربات مضاعفة في الداخل الإيراني إذا سعت طهران للانتقام.
لكن سيطرة الكونغرس على القرارات المتعلقة بالحرب تآكلت على مدار الأجيال المتعاقبة، ورسّخت إدارات سابقة تنتمي لكلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري سوابق تُضعف القرار الذي هو بمثابة تحقق مهم من سلطة الرئاسة في صناعة الحرب، وفيما يلي شرح للمشكلات القانونية التي أثارتها الأزمة سريعة التطوّر.
ما هو قرار قوى الحرب؟
"قرار قوى الحرب" هو قانون سَنَّه الكونغرس عام 1973، لتجاوز حق النقض الذي استخدمه الرئيس السابق ريتشارد نيكسون، في محاولة ليستعيد الكونغرس السيطرة على قرارات الحرب، بعدما تضاءلت تلك السيطرة خلال فترة الحرب الباردة.
وبالرغم من أن الدستور يمنح الكونغرس سلطة إعلان الحرب، يحتفظ الجيش الأمريكي بعدد كبير من القوات المنتشرة في أنحاء العالم، منذ مهدت الحرب العالمية الثانية الطريق للحرب الباردة. ويوجّه الرؤساء، بموجب منصب "القائد الأعلى" للقوات المسلحة الذي يتولونه، تلك القوات بشنّ الحروب أو تصعيد القتال، مثلما حدث في كوريا وفيتنام.
ينص أحد بنود القانون على أن الرؤساء لهم الحق في إشراك القوات في أعمال القتال، بعد موافقة الكونغرس على استخدام القوة، أو إذا تعرّضت الأمة للهجوم. لكن لم يحترم أي رئيس لاحق هذه الظروف المحددة التي يجري في ضوئها اتخاذ قرار إرسال القوات إلى القتال.
وهناك جزء آخر يُلزم الرئيس باستشارة الكونغرس قبل نشر القوات في "مناطق قتال" فعلية أو وشيكة. ومعظم الرؤساء التزموا بذلك البند، لكن ترامب لم يلتزم بذلك عندما أمر بشن الغارة الجوية التي أسفرت عن مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني.
وهناك بند آخر مهم ينصّ على أن أي نشر للقوات القتالية بأوامر الرئيس من دون تفويض من الكونغرس ينتهي بعد 60 يوماً، ما لم يوافق المشرعون في غضون تلك الفترة على عملية النشر. ويمنح هذا البند أيضاً الكونغرس سلطة توجيه الرئيس لإنهاء المهمة قبل ذلك الموعد.
ما الذي يحاول الديمقراطيون فعله؟
يحاول الديمقراطيون استخدام "قرار قوى الحرب" لمنع حرب مع إيران، واقترح عضو مجلس الشيوخ تيم كين، الديمقراطي النائب عن ولاية فيرجينيا، بالفعل، مشروع قانون مشترك لمنع تلك الحرب، وقالت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، يوم الأحد، 5 يناير/كانون الثاني 2020، إن المجلس سيعمل هذا الأسبوع على إجراء مماثل. وسوف تكون إليسا سلوتكين، النائبة الديمقراطية عن ولاية ميتشيغان، هي راعية هذا المقترح في مجلس النواب، وهي محللة سابقة متخصصة في الميليشيات الشيعية لدى وكالة الاستخبارات الأمريكية ووزارة الدفاع.
ويعلن مشروع قرار كين أن ترامب أقحم قوات الجيش الأمريكي بالفعل في أعمال قتالية مع إيران دون موافقة الكونغرس، ويطلب إنهاء القتال خلال 30 يوماً.
هل يحظى القرار بالدعم السياسي الكافي؟
هناك أسباب تدفع للشك في ذلك، فحتى إذا صدر القرار عن كلا المجلسين يظل بإمكان ترامب استخدام حق النقض. وتجاوز حق النقض يتطلب أغلبية الثلثين في كلا المجلسين، الأمر الذي يتطلب تصويت عدد كبير من الأعضاء الجمهوريين لصالح تجاوز حق النقض.
وفي العام السابق، حاولت الأغلبية في كلا المجلسين استخدام "قرار قوى الحرب" لإجبار ترامب على إنهاء الدعم الأمريكي للتدخل السعودي في الحرب الأهلية باليمن. ولكن ترامب استخدم حق النقض لإبطال القرار، ولم يحصل قرار تجاوز حق النقض على الأصوات الكافية في مجلس الشيوخ، بالرغم من انضمام سبعة جمهوريين إلى الديمقراطيين في التصويت ضد الرئيس.
هل سيكون ذلك دستورياً؟
هناك خلاف كبير حول ذلك، فقد يحق لترامب المطالبة بحقه الدستوري في رفض هذا القرار حتى إذا صدر عن الكونغرس. وتُظهر المحاكم تردداً في الفصل في النزاعات بين الرؤساء والكونغرس فيما يتعلق بقرارات الحرب، مما يجعل الأمور غير قابلة للحل.
وقد تبنّى النائب العام ويليام بي بر منذ وقت طويل التفسير المتشدد للسلطة التنفيذية، وأخبر الرئيس جورج بوش الأب ذات مرة أن بإمكانه شنّ حرب الخليج 1991 من دون إذن الكونغرس، حتى إذا صوّت المشرعون ضد الحرب. ويتخذ العديد من محامي السلطة التنفيذية في الإدارات الجمهورية موقفاً معادياً من "قرار قوى الحرب".
ينظر العديد من الخبراء الدستوريين إلى القانون على أنه تقييد مشروع للسلطة التنفيذية، ولم تبدِ الإدارات الديمقراطية أي اعتراضات دستورية عليه. لكن لا توجد سابقة لتسوية مثل هذا الأمر، وذلك لأن هذه المواجهة بين الرئيس والكونغرس لم تصل إلى ذروتها من قبل.
ربما أقرب سابقة سياسية ترجع إلى عام 1983. عندما أصدر الكونغرس قراراً يعلن أن مهمة حفظ السلام في لبنان، بعد تورطها في معركة بالأسلحة النارية في بيروت قُتل في إثرها العديد من جنود مشاة البحرية، تحوّلت إلى "أعمال قتالية" تخضع لقاعدة الـ60 يوماً. وفي الوقت نفسه وافق المشرّعون على استمرار المهمة لمدة 18 شهراً.
وقّع الرئيس رونالد ريغان على القرار، لكنه قال في بيان التوقيع إن موافقته يجب ألّا تُفسّر على أنها تنازل لـ "قرار قوى الحرب" وقدرته على تقييد سلطتي بصفتي القائد الأعلى، ولكنه لم يصل إلى حد وصفه بـ "عدم الدستوري".
هل ينطبق قرار قوى الحرب على هذا الموقف؟
قد يكون هناك جدل قانوني شرس حول هذا السؤال أيضاً، خاصة إذا اقتصر تصعيد الصراع مع إيران على الغارات الجوية والهجمات الإلكترونية من دون الغزو البري.
هناك رؤساء من كلا الحزبين، رأوا سابقاً أن "قرار قوى الحرب" لا ينطق على نشر القوات لأسباب معينة. في نزاع عام 1993 حول مهمة حفظ السلام في الصومال، على سبيل المثال، قالت إدارة كلينتون الديمقراطية إن ظروف القتال كانت متقطعة للغاية، حيث لا يمكن للقرار أن يغطي تلك المهمة.
وخلال الحرب الجوية لحلف الناتو في ليبيا 2011، قالت إدارة أوباما، رغم الاعتراضات الداخلية فإن المشاركة الأمريكية قد تستمر لأكثر من 60 يوماً، دون موافقة الكونغرس، لأن العملية محدودة للغاية، ولا تعتبر نوعاً من "الأعمال القتالية" التي تخضع لـ "قرار قوى الحرب".
هل صرَّح الكونغرس بالفعل بهذه الحرب؟
زعم مستشار الأمن القومي، روبرت أوبريان، أن توجيه ترامب بقتل سليماني "مشروع كلياً"، بموجب قانون 2002، الذي وافق فيه الكونغرس على استخدام القوة العسكرية في العراق، بالإضافة إلى سلطة ترامب الدستورية لتنفيذ الأعمال العسكرية اللازمة للدفاع عن النفس.
ومضمون ذلك أنه يدافع عن وجود القوات الأمريكية في العراق، بسبب انتشارها هناك بموجب قانون 2002، حتى إذا كان التهديد إيرانياً. وإذا جاء الرد الإيراني من خلال الهجوم على القوات الأمريكية في العراق فقد يستخدم فريق ترامب القانوني الحجة نفسها، ويقول إن قانون 2002 يغطي تصعيد الأعمال القتالية على تلك الجبهة.
بينما يرفض مشروع قرار كين، الذي يقول إن مقتل سليماني لم يكن بموافقة الكونغرس، فكرة أن قانون 2002 يغطي تصعيد الصراع مع إيران.
هل مقتل سليماني يُعتبر "اغتيالاً"؟
هذا غير واضح، ويعتمد ذلك على تعريف كلمة "اغتيال"، وعلى قوة المعلومات الاستخباراتية السرية التي قال ترامب إنها تزعم تخطيط سليماني لمؤامرة وهجوم "وشيك" على القوات الأمريكية في العراق.
ومن الناحية القانونية، يحظر الأمر التنفيذي رقم 12333 على المسؤولين الحكوميين الاشتراك أو التآمر في عمليات الاغتيال، ولكن لا يضع هذا الأمر التنفيذي، ولا القانوني الفيدرالي تعريفاً واضحاً للاغتيال.
ويعود الأمر التنفيذي إلى قرار فرضه الرئيس السابق جيرالد فورد، بعد توجيه الاتهامات إلى وكالة الاستخبارات المركزية في سبعينات القرن الماضي، بالمشاركة في مؤامرات تستهدف قتل زعماء أجانب منتخبين لديهم ميول شيوعية. ولاحقاً، مع تحوّل انتباه الولايات المتحدة نحو الإرهاب الإسلامي، كتب محامو الإدارات التنفيذية من كلا الحزبين مذكرات ولوائح سرية، توضح أن القتل المستهدف للدفاع عن النفس لا يُعتبر اغتيالاً.
وطوّرت إدارة أوباما أيضاً فكرة ما يمكن اعتباره تهديداً "وشيكاً"، مما سمح بأن تمتد أعمال العنف التي تشنها الولايات المتحدة دفاعاً عن النفس لتشمل الإرهابيين الذي يخططون باستمرار لشن الهجمات من الظل، والسماح باستهداف القوات الأمريكية لهم في أي فرصة سانحة، حتى إذا لم يمثلوا تهديداً وشيكاً حرفياً في تلك اللحظة.
ولكن لم تُطرح أي سابقة على محكمة أمريكية للفصل في مدى شرعية تلك النظرية، فقد كان سليماني مسؤولاً رفيع المستوى في حكومة وطنية، وليس قائداً لجماعة إرهابية غير تابعة لأي دولة. ولكن ما يزيد الأمور تعقيداً أن ترامب أدرج خلال العام الماضي الجناحَ العسكري الإيراني، الذي يقوده سليماني، على قوائم المنظمات الإرهابية الأجنبية، وهي المرة الأولى التي تعتبر فيها الولايات المتحدة كياناً حكومياً تتحقق فيه تلك المعايير.
هل يهدد ترامب بارتكاب جرائم حرب؟
نعم، فقد قال ترامب على تويتر إنه إذا استهدفت إيران أي أمريكيين، أو أصول أمريكية للانتقام لمقتل سليماني، فسوف يأمر القوات العسكرية بالهجوم على المواقع التي تتضمن بعض "المواقع المهمة لإيران والثقافة الإيرانية"، وإن الرد الأمريكي سوف يكون "أضعافاً مضاعفة".
هناك بند في اتفاقية لاهاي يقضي بتجنيب "المباني المخصصة للدين والفنون والعلوم" و "الآثار التاريخية"، مادامت لا تُستخدم لأغراض عسكرية، وقانون جرائم الحرب يجعل ذلك الفعل جناية بموجب القوانين المحلية، وقد تصل عقوبته إلى السجن مدى الحياة أو الإعدام، إذا قُتل شخص ما جراء هذا الفعل.
ويتطلب قانون الحرب أيضاً التفرقة بين الأهداف العسكرية والمدنيين والمنشآت المدنية، التي يجب ألا تُستهدف عن عمد. وقد يكون هامش مسموح به من الأضرار الجانبية عند ضرب هدف مشروعاً، ولكن يجب أن يكون ذلك متناسباً مع الهدف العسكري.