أعلن الرئيس دونالد ترامب يوم الأربعاء، 8 يناير/كانون الثاني 2020، أن الولايات المتحدة لم تعد بحاجة إلى الاعتماد على الشرق الأوسط من أجل الحصول على النفط. وقال ترامب في التصريحات التي ساعدت على خفض أسعار النفط بسبب الإشارة إلى تخفيف حدة التوترات مع إيران: "إننا مستقلون، ولا نحتاج إلى نفط الشرق الأوسط".
لا شك في أن الطفرة التاريخية في إنتاج النفط في الولايات المتحدة أعادت كتابة قواعد صناعة الطاقة العالمية، لكن القصة الحقيقية تظل أكثر تعقيداً كما تقول شبكة CNN الأمريكية. فكيف ذلك؟
الأمر ليس بهذه البساطة
الولايات المتحدة الآن هي أكبر منتج للنفط في العالم، متفوقة على السعودية وروسيا. وتضاعف إنتاج النفط الأمريكي منذ 2011 لما يقرب من 13 مليون برميل يومياً، وتضخ أمريكا الكثير من النفط في السوق، ويصل معدّل تصديرها الآن إلى حوالي 3 ملايين برميل يومياً.
طفرة النفط الصخري الأمريكي، التي بدأت أوائل العقد الماضي، قلّلت بوضوح من اعتمادها على النفط الأجنبي، خاصةً عند التفكير في حظر النفط العربي في سبعينات القرن الماضي، الذي أدّى إلى شلل الاقتصاد الأمريكي. وهذا هو السبب الرئيسي لعدم حدوث أي اضطرابات مؤخراً في الإمداد أو أي تأثير كبير أو هائل على أسعار النفط.
لكن مع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تعتمد على الشرق الأوسط، والسعودية بشكل خاص.
إذ تقول حليمة كروفت، الرئيسة العالمية لاستراتيجية السلع في شركة RBC Capital Markets: "لسنا بمعزل عن الأحداث، والنفط الصخري ليس البطل الخارق (الذي يمكننا الاعتماد عليه للأبد)".
انقطاع الإمدادات مهم أينما يحدث
علينا تذكُّر أن النفط هو سلعة يجري الاتجار بها في كل أنحاء العالم. هذا يعني أن انقطاع الإمدادات في مكان في العالم قد يرفع الأسعار في الجانب الآخر في العالم.
اليوم، على سبيل المثال، يخشى المستثمرون كثيراً من أي اضطرابات في مضيق هرمز، الممر الذي يمر منه النفط الخليجي إلى بقية أنحاء العالم.
وقال بوب ماكنالي، رئيس شركة Rapidan Energy Group للاستشارات: "الحقيقة هي أن أي اضطرابات في أي مكان تسبب ارتفاع حاد في الأسعار في كل مكان، بما في ذلك الولايات المتحدة".
ونتذكر جميعاً ارتفاع سعر النفط الخام بـ15% في شهر سبتمبر/أيلول، وهو الارتفاع الأكبر في العقد الماضي، بعد هجوم مدمّر أعاق إنتاج النفط السعودي لفترة قصيرة. وردّ ترامب على ذلك بوعود استخدام النفط من احتياطي النفط الاستراتيجي، وهو مخزون الطوارئ الأمريكي من النفط الخام، من أجل "الحفاظ على استقرار الأسواق".
وقال ماكنالي، مستشار الطاقة الأسبق للرئيس السابق جورج بوش الابن: "إذا لم نكن نحتاج إلى النفط من الشرق الأوسط، لماذا شعر الرئيس إذاً بضرورة طمأنة العالم، قبل فتح الأسواق مباشرة للتداول، قائلاً إننا مستعدون لاستخدام احتياطي النفط الاستراتيجي؟".
وأدّى نجاح السعودية في استعادة إنتاج النفط سريعاً عقب الهجوم إلى تراجع حاد في أسعار النفط. وربما هذه الفترة الوجيزة من انقطاع الإمدادات غيّرت من تصوّر أمريكا فيما يتعلق بالاعتماد على منظمة الأوبك.
وقالت كروفت، المحللة السابقة لدى وكالة الاستخبارات المركزية: "إذا ظلت الأسواق حينها خالية من النفط السعودي، لكان اختلف تقديرنا لاعتمادنا المشترك على الشرق الأوسط".
السعوديون لديهم القدرة على الردّ على نقص الإمدادات
ثانياً، لا يمكن للولايات المتحدة زيادة إنتاجها من النفط فوراً، رداً على نقص الإمدادات. يستغرق الأمر شهوراً ليتمكن منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة من تسريع عملياتهم، خاصة مع ضغط ارتفاع الأسعار.
وقالت كروفت: "إذا كان سيحدث انقطاع في الإمدادات فلن يتمكن منتجو النفط الصخري من تعويض الفارق بالسرعة المطلوبة".
السعودية فقط هي من تمتلك القدرات اللازمة للاستجابة السريعة لأي نقص في الإمدادات. ولهذا السبب ناشد ترامب السعودية في 2018 أن تضخّ المزيد من النفط لتعويض البراميل المستبعدة بسبب العقوبات المفروضة على إيران.
وقالت كروفت: "إذا كنتَ منعزلاً ومستقلاً فلن تحتاج إلى طلب براميل النفط من السعودية".
بلغ صافي واردات الولايات المتحدة من النفط (الواردات ناقص الصادرات) حوالي 2.9 مليون برميل يومياً، في أكتوبر/تشرين الأول، وفقاً لأحدث إحصائيات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. ويُعتبر هذا انخفاضاً هائلاً عن العقد الأسبق، الذي بلغ فيه صافي الواردات 8.7 مليون برميل يومياً.
وأصبحت الولايات المتحدة مؤخراً مصدّراً للنفط الخام ومشتقاته، التي تتضمن بنزين السيارات والديزل.
ليست كل براميل النفط متساوية الجودة
يعمل نظام التكرير في الولايات المتحدة، الذي أُنشئ القرن الماضي، بكفاءة أفضل عند الاعتماد على الزيت الثقيل في إنتاج البنزين، ووقود الطائرات والديزل.
بينما النفط الصخري الأمريكي، على النقيض، خفيف للغاية. وهذ يعني أن براميل النفط الصخري من مدينة ويست في تكساس لا يمكنها تعويض براميل النفط الخام من العراق أو فنزويلا.
من الناحية النظرية، بإمكان منشآت التكرير الأمريكية استخدام المزيد من النفط الصخري الخفيف في حالات الطوارئ. لكن سوف يتسبب ذلك في انهيار أسعار النفط الأمريكي مقارنة بأسعار النفط العالمية. وقال ماكنالي: "سوف تضطر إلى أن تهوي بسعر النفط الأمريكي. وقد يؤدي ذلك إلى خروج بعض منتجي النفط من السوق". ولهذا السبب تستورد الولايات المتحدة النفط الثقيل من الخارج.
يأتي معظم النفط الأجنبي من كندا والمكسيك، ولكن السعودية والعراق هما المصدران الثالث والرابع في ترتيب مصادر النفط الأجنبي للولايات المتحدة.
وتستورد الولايات المتحدة حوالي 906 آلاف برميل يومياً في المتوسط من الخليج العربي، خلال الشهور العشرة الأولى من العام الماضي، مقارنة بمتوسط 1.5 مليون برميل يومياً في 2018.
وقالت كروفت: "الإنتاج الأمريكي للنفط غيّر قواعد اللعبة، يجب ألا نغفل ذلك. لكن فكرة أننا لن نشعر بأي تأثيرات اقتصادية هائلة إذا حدث انقطاع كبير ولفترة طويلة في إمدادات النفط من الشرق الأوسط غير دقيقة أبداً".