"200 ألف نازح سوري هربوا من قصف النظام السوري والروسي لمناطقهم بمحافظة إدلب، أصبحوا مهدَّدين بكارثة إنسانية، في ظل الصعوبات التي تواجه المنظمات الإنسانية في تلبية احتياجاتهم مع استمرار تدفق الهاربين".
وعمدت الجمعيات والمؤسسات الإنسانية في الداخل السوري فوراً، إلى تجهيز مطابخ ميدانية متنقلة تعمل على تقديم الوجبات الغذائية الجاهزة للنازحين من ريف إدلب، والمقدَّر عددهم بما يقارب مئتي ألف نسمة، ممن فروا من العمليات العسكرية للنظام والروس والقصف الجوي على مناطق معرة النعمان ومحيطها بريف إدلب الجنوبي الشرقي، نحو الحدود السورية-التركية، ولجأوا إلى مخيمات عشوائية تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة.
هربوا في هذا البرد القارس بعد أن تركوا كل شيء
"بعد تدفُّق مئات الأسر من مناطق مدينة معرة النعمان ومحيطها وقرى أخرى واقعة بريف إدلب الجنوبي والشرقي، بادرت جمعية عطاء وجمعيات أخرى إلى تجهيز سيارات تحتوي على مطابخ ميدانية جوالة، لتقديم ما يقارب 1000 وجبة غذائية يومياً للأسر، حسبما قال إياد الحسين، مسؤول في جمعية عطاء الإنسانية ومشرف على تخديم النازحين.
وأضاف يتم إعداد هذه الوجبات وتحضيرها ضمن المطابخ الميدانية من عدة أصناف من الطعام، منها الفرُّوج واللحمة مع الأرز والخضر".
ولكن الحسين ينبه إلى أن "الإمكانات المتوافرة لا تكفي العدد الكلي من النازحين الذين وصلوا مؤخراً إلى المناطق الحدودية، لا سيما أن معظمهم لم يتمكنوا من إخراج أي شيء من مستلزماتهم الحياتية بسبب كثافة القصف، وأنهم بحاجة إلى مساعدات كبيرة من غذاء وخيام وأغطية ومدافئ" خاصة أننا في ذروة الشتاء.
الهروب من الموت قصفاً إلى الاحتضار جوعاً لولا هؤلاء القوم
"بالكاد تمكنتُ من الفرار أنا وأسرتي المؤلفة من 7 أفراد بينهم أطفال، بسبب الغارات الجوية الروسية على بلدتي".. بهذه الكلمات يروي مصطفى القاسم، المدني النازح من منطقة معرة النعمان، المأساة التي عاشها.
وبعد هروبه حصل القاسم، على خيمة من إحدى المنظمات الإنسانية، إضافة إلى وجبات غذائية يومية من المنظمات الإنسانية.
ورغم لاستجابة السريعة من قِبل المنظمات والجمعيات الإنسانية فإن الأزمة مرشحة للتفاقم.
إذ يقول أحمد الخليل، مشرف على عملية الاستجابة : "إن الإمكانات الحالية المتوافرة والتي قاربت على النفاد لدى المنظمات من (سلال غذائية وبطانيات وخيام) لا تكفي عدد النازحين الذين وصلوا إلى مناطق الدانا وسرمدا ومناطق حارم وعقربات وأطمة ومناطق واقعة شمالي مدينة إدلب".
ألف أُسرة محاصَرة لأنها لا تجد ما يقلُّها إلى منطقة آمنة
الخليل كشف أن عدداً كبيراً من الأسر ما زالت عالقة في المناطق التي تتعرض للقصف والحملة العسكرية من قِبل قوات النظام بالقرب من مدينة معرة النعمان كمنطقة تلمنس وسراقب وجبل الزاوية وكنفصفرة وكفرنبل ومعرة حرمة وسجنة وكفروما.
وأوضح أن السبب يعود إلى عدم قدرة هذه الأسر، التي يقدَّر عددها بنحو 1000 أسرة، على الفرار بسبب عدم توافر آليات تقلُّهم إلى مناطق أكثر أمناً.
ويخشى المشرف على عملية الاستجابة من تزايد أعداد القتلى في صفوف المدنيين من جراء مواصلة القصف والغارات الجوية من قِبل النظام والروس على هذه المناطق.
وما تزال الحملة العسكرية لقوات النظام، بدعم روسي كامل، متواصلة منذ قرابة شهر، على مناطق وبلدات منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب، مخلِّفة مقتل 260 مدنياً، وفق أرقام حقوقية، في حين نزح قرابة ربع مليون، بينهم 140 ألف طفل، وفق تقديرات أممية.
ما الذي تهدف إليه موسكو من هذا الهجوم المدمر؟
عسكرياً، قال القيادي مصطفى الحسين، في إحدى الفصائل المعارضة، إن قوات النظام وبإسناد روسي، تسعى إلى قضم مزيد من القرى والبلدات في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، عقب السيطرة على بلدة جرجناز الاستراتيجية، في حين تحاول تلك القوات التقدم أكثر باتجاه مدينة معرة النعمان، التي نزح منها فقط نحو 80 ألف مدني خلال شهر واحد.
وأضاف الحسين أن نية النظام والروس باتت واضحة والتي تتمثل في السيطرة على الطريق الدولي M5 الذي يربط مدينة حلب بالعاصمة دمشق والذي يمر عبر مدينتي سراقب ومعرة النعمان الخاضعتين لسيطرة المعارضة، وطريق M4 الواصل بين مدينة حلب والساحل السوري في اللاذقية غربي البلاد والذي يمر أيضاً بمدينتي أريحا وجسر الشغور.
وحذَّر القيادي الحسين من أنه في حال استمرت قوات النظام في محاولات تقدمها نحو هذه الطرق، سيدفع ذلك مئات الآلاف من المدنيين القاطنيين في هذه المدن إلى النزوح أيضاً، مشيراً إلى أن ذلك سيفاقم الوضع الإنساني، وستكون المنظمات الإنسانية عاجزة عن سد حاجة هذا العدد ما لم يتحرك المجتمع الدولي لإيقاف الحملة العسكرية على إدلب.
وهذه هي نقاط الخلاف في مفاوضات الأتراك والروس لإرساء وقف إطلاق النار
وذكر الحسين أنه مؤخراً جرت سلسلة من المباحثات والمفاوضات بين الجانبين التركي والروسي على مستوى مندوبين من وزارتي دفاع البلدين حول إمكانية وقف العمليات العسكرية التي تستهدف محافظة إدلب، وتحديداً مناطق خفض التصعيد التي أقرها الجانبان في اجتماعات أستانا وسوتشي الروسية مطلع عام 2019، ونشر بموجبها 12 نقطة مراقبة تركية في مناطق واقعةٍ جنوبي حلب وريفي إدلب الشرقي والجنوبي ومدينة مورك ومنطقة جبل شحشبو شمال غربي حماة ومناطق ريف اللاذقية الشرقي.
وعن أهم النقاط الخلافية التي منعت الجانبان من التوصل إلى اتفاق نهائي يقضي بوقف إطلاق النار، قال إن الخلاف حول "القوة العسكرية التي ستشرف على حماية الطرق الدولية".
إذ تريد روسيا أن تكون تابعة لقوات النظام بمشاركة قوات من الشرطة العسكرية الروسية، في حين كان الموقف التركي متمسكاً بأن القوة يجب أن تكون تركية بمشاركة قوات عسكرية شيشانية، ولا مانع من إجراء دوريات تركية-روسية مشتركة تشرف على مراقبة الأوضاع الأمنية الخاصة بالطرق الدولية.
وأضاف أن قوات النظام والروس أطلقوا، مطلع ديسمبر/كانون الأول، عملية عسكرية تمكنوا خلالها من السيطرة على عدة مناطق واقعة شرقي الطريق الدولي ومعرة النعمان، ومنها "قرى سحال وسرجة والغدفة وجرجناز"، وسط معارك عنيفة شهدتها تلك المناطق مع قوات المعارضة السورية، في حين ما تزال المعارك متواصلة بين الطرفين في المناطق ذاتها أمام محاولات تقدم قوات النظام.
يأتي ذلك عقب عملية عسكرية لقوات النظام والروس منتصف العام الماضي، تمكنت خلالها من السيطرة على ريف حماة الشمالي والغربي بالكامل وأهم المدن فيه "كفرزيتا واللطامنة وكفرنبودة وقلعة المضيق وقرى الحويز والشريعة وباب الطاقة والحمرا"، ومناطق واقعة بريف إدلب الجنوبي، وأهمها مدينتا خان شيخون ومورك الواقعتان على الطريق الدولي M5، ومناطق أخرى كالتمانعة ومعيصرونة؛ وهو ما أدى حينها إلى نزوح ما يقارب 400 ألف مدني نحو المناطق الحدودية مع تركيا.