هل يحاكَم ترامب بتهمة ارتكاب جرائم حرب إذا ما نفذ تهديد مهاجمة مواقع ثقافية إيرانية؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/01/07 الساعة 09:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/07 الساعة 09:02 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستهداف مواقع ثقافية في إيران يرقى إلى جرائم حرب في حال تنفيذه، لهذا سارع المسؤولون الأمريكيون في وزارتي الخارجية والدفاع إلى نفي الأمر، والتأكيد أن ذلك غير وارد، فلماذا يعتبر استهداف مواقع تراثية جريمة حرب؟

شبكة سي إن إن الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "الهجمات التي هدد ترامب بشنِّها على مواقع ثقافية إيرانية قد ترقى إلى جرائم الحرب في حال تنفيذها"، ناقشت فيه القصة وأجابت عن السؤال.

قضية جنائية فريدة من نوعها

في أعقاب هجمات شنتها مجموعة تابعة لتنظيم القاعدة، وعمدت فيها إلى تدمير معالم دينية قديمة في تمبكتو، الواقعة شمال مالي، في عام 2012، أطلقت المحكمة الجنائية الدولية قضية جنائية فريدة من نوعها: محاكمة بتهمة تدمير التراث الثقافي.

إذ مع أن المحكمة الجنائية الدولية عادةً ما تركّز على القضايا المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، فإنها في هذه القضية اتهمت زعيم المجموعة المتطرفة، أحمد الفقي المهدي، بارتكاب جريمة حرب لتعمّده تدمير معالم أثرية ثقافية في تمبكتو.

شهدت تلك المحاكمة أول اتهام جنائي من هذا النوع، وقالت الأمينة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، آنذاك: "إن تلك المحاكمة تتيح أرضية جديدة لحماية التراث والقيم الثقافية المشتركة للإنسانية". وقد أقر المهدي في النهاية بأنه مذنب، وحُكم عليه بالسجن لمدة تسع سنوات.

لماذا برزت القضية ثانية الآن؟


برزت تلك القضية وأهميتها إلى الساحة مرة أخرى، في خضم التوتر بين الولايات المتحدة وإيران بعد أيام من اغتيال الولايات المتحدة للقائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية شنّتها طائرة بدون طيار في بغداد بالعراق يوم الجمعة الماضي.

إذ كتب ترامب في تغريدة نشرها على موقع تويتر يوم السبت، قائلاً إنه إذا أقدمت إيران على توجيه ضربات إلى أي أفراد أمريكيين أو أصول أمريكية، فإن الولايات المتحدة حددت 52 موقعاً إيرانياً –في إشارة إلى عدد الأمريكيين الذين أُخذوا رهائن في أعقاب ثورة 1979- لاستهدافها، و "بعضها على مستوى عالٍ جداً، وشديد الأهمية لإيران وللثقافة الإيرانية".

"هاجمونا، ورددنا. إذا هاجموا مرة أخرى، وهو ما أنصحهم بشدة ألا يفعلوه، فسنوجه إليهم ضربات أقوى مما تعرضوا لها في أي وقت مضى!"، ويوم الأحد، كرّر هذا التهديد في محادثة مع صحفيين على متن الطائرة الرئاسية.

وأورد تقرير مجمع لتصريحاته أن ترامب قال معلقاً: "يُسمح لهم بقتل شعبنا، ويُسمح لهم بتعذيب أبنائنا وتشويههم، ويُسمح لهم باستخدام القنابل التي تُزرع على جوانب الطرق وتفجير أبنائنا، ولا يُسمح لنا بلمس مواقعهم الثقافية؟!"، ليضيف مستنكراً: "لا، الأمور لا تجري بتلك الطريقة".

بومبيو يحاول النفي دون تكذيب ترامب

وزير الخارجية بومبيو / رويترز


أمَّا وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الذي أجرى مقابلة مع مذيع شبكة CNN، جيك تابر، حول خطاب "حالة الاتحاد" السنوي للرئيس، فقد تجنب أي إجابة مباشرة عما إذا كانت الولايات المتحدة عيًنت من بين أهدافها مواقع ثقافية بالفعل أم لا، ودافع عن التهديدات التي أطلقها ترامب على موقع تويتر.

وقال بومبيو: "سنتحلى بالجرأة في حمايتنا للمصالح الأمريكية، وسنفعل ذلك بطريقة تتسق مع سيادة القانون. لقد فعلنا ذلك دائماً، وتغريدة الرئيس ترامب لا تنحرف عن ذلك قيد أنملة".

وعندما سأله تابر: "إذن المراكز الثقافية هي أهداف مشروعة نظرياً، من وجهة نظرك؟"، أجاب بومبيو: "سنفعل الأشياء الصحيحة، والأشياء التي تتوافق مع القانون الأمريكي".



تدمير المواقع الثقافية بوصفه جريمة حرب

قصر جلستان في طهران

على الرغم من تلك التصريحات، فإن الاعتداء على أي موقع ثقافي يمثل انتهاكاً لعديد من المعاهدات الدولية، وقد يُعتبر في كثير من الأحيان جريمة حرب.

في عام 2017، على سبيل المثال، قرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة "إدانة التدمير غير المشروع للتراث الثقافي، والذي يشمل تدمير المواقع والرموز الدينية". جاء هذا القرار للرد على تدمير تنظيم الدولة الإسلامية لعدد من المواقع التاريخية والثقافية الكبرى في سوريا والعراق في عامي 2014 و2015.

كانت الأمم المتحدة واضحة حينها بأن أي استهداف لمواقع ثقافية يشكّل جريمة حرب، وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة في عام 2015: "إن التدمير المتعمد لتراثنا الثقافي المشترك يعدُّ جريمة حرب، ويمثل هجوماً على الإنسانية بكاملها".

أشار نيكولاس بيرنز، وكيل وزارة الخارجية السابق للشؤون السياسية والسفير لدى الناتو، إلى أن إدارة ترامب سبق أن أيّدت قرار الأمم المتحدة لعام 2017 الذي يدين تدمير المواقع الثقافية، وكتب بيرنز على تويتر: "تهديده غير أخلاقي، وغير أمريكي".

وصف حسين دهقان، المستشار العسكري الرئيسي للمرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، تغريدات ترامب بأنها "تافهة وسخيفة". وقال لشبكة CNN إن رد إيران "سيكون عسكرياً وسيوجه ضد مواقع عسكرية".

وقال دهقان: "إذا نفّذت الولايات المتحدة تهديد ترامب بضرب أي من المواقع الثقافية الإيرانية، فعندئذ بالتأكيد لن يكون عسكري أمريكي ولا مركز سياسي أمريكي ولا قاعدة عسكرية أمريكية ولا سفينة أمريكية، آمناً على نفسه. وإذا قال 52، فنحن نقول 300، ونحن يمكننا الوصول إليها كلها".

أما وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، فقال في تغريدة، إن الهجوم على أي موقع ثقافي يُعدُّ جريمة حرب، وقال في إشارة إلى قواعد القانون الدولي، "بعد ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون (الدولي) في الاغتيالات الجبانة التي وقعت يوم الجمعة، يهدد (ترامب) الآن بارتكاب انتهاكات جديدة مرة أخرى للمبادئ الأساسية للقانون الدولي. إن استهدافَ المواقع الثقافية جريمةُ حرب".

وأضاف: "أولئك الذين تلبسوا لباس الدبلوماسيين ومن جلسوا بمنتهى الوقاحة يعيّنون مواقع ثقافية ومدنية في إيران أهدافاً للهجوم، ألم يكلفوا أنفسهم حتى بالنظر في نصوص قوانين الأمم المتحدة. القواعد الآمرة (Jus cogens) تشير إلى المبادئ الأساسية القطعية للقانون الدولي، أي الخطوط الحمراء الدولية. ومن ثم فأي استهداف لها (مرفوض) على نحو قاطع".



معارضة واسعة النطاق لاستهداف أي موقع ثقافي

أوضح اثنان من كبار المسؤولين الأمريكيين يوم الأحد لمذيع شبكة CNN، جيم سكيتو، أن هناك معارضة على نطاق واسع داخل إدارة ترامب لاستهداف المواقع الثقافية في إيران.

وقال أحد المسؤولين: "لا شيء يحشد الناس مثل التدمير المتعمد للمواقع الثقافية التي تحظى بالتقدير والإعجاب. سواء أكان تدمير داعش للآثار الدينية، أو حرق مكتبة لوفين في الحرب العالمية الأولى، فإن التاريخ لطالما بيّن أن من يستهدف مواقع تعكس معنى حضارياً لا يفعل فقط أمراً غير أخلاقي، وإنما كمن يهزم نفسه بنفسه".

وقال مسؤول آخر، سبق له العمل في إدارتي ترامب وأوباما، لشبكة  CNN: "من حيث المبدأ، نحن دولة وجيشاً لا نهاجم المواقع الثقافية لأي خصم".

بالإضافة إلى ذلك، قالت عدة مصادر للشبكة إنه ليس ثمة مؤشرات –ربما، بصرف النظر عن تغريدة ترامب- على أن الولايات المتحدة ستهاجم بالفعل مواقع ثقافية في إيران.

وأبدى كولن كال، نائب مساعد الرئيس السابق باراك أوباما ومستشار الأمن القومي لنائب الرئيس جو بايدن، شكوكه فيما يتعلق بوجود مواقع ثقافية في قائمة المواقع الانتقامية المحتملة التي وضعتها إدارة ترامب.

وكتب في تغريدة على تويتر: "بحسب رأيي، يصعب عليّ تصديق أن البنتاغون قد يعرض على ترامب خيارات استهدافٍ تتضمن مواقع ثقافية إيرانية. قد لا يعبأ ترامب بقوانين الحرب، لكن مستشاري (وزارة الدفاع) والمحامين يعبأون… واستهداف المواقع الثقافية (هو) جريمة حرب".

إيران لديها 22 موقعاً ثقافياً يُصنّف من مواقع التراث العالمي لليونسكو، تشمل "مواقع تخت جشميد"، ومسجد الجامع التاريخي في أصفهان، وقصر جولستان الباذخ في طهران.

تحميل المزيد