يبدو أن تهديدات قادة إيران واضحة حول وجود رد قوي من طهران، عبر تصريحات العديد من المسؤولين الإيرانيين، رداً على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني وعدد من مسؤولي الحشد الشعبي العراقي في غارة أمريكية نفّذتها طائرة بدون طيار على مطار بغداد الدولي.
وهدد المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، الولايات المتحدة بـ "انتقام عنيف" رداً على قتلها لقائد فيلق "القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في العاصمة العراقية بغداد، في حين سيعقد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني اجتماعاً طارئاً لبحث مقتل سليماني.
ويبدو أن العراق هو المسرح الأكثر ترجيحاً لهذا الرد المتوقّع، خصوصاً أن الحكومة هناك مقربة من إيران دون منازع تقريباً، مع تواجد ميليشيات كبيرة تدين بالولاء لإيران. لكن السؤال هنا: ما الذي يمكن أن تستهدفه إيران في العراق إذا اتخذت فعلاً قرار الرد؟
يأتي هذا في وقت دعت فيه السفارة الأمريكية في بغداد، الجمعة 3 يناير/كانون الثاني 2020، كافة رعاياها لمغادرة العراق على الفور، بعد ساعات من مقتل سليماني، موضحة أنه يتعين على المواطنين الأمريكيين المغادرة جواً إذا أمكن ذلك، وإن لم يتسن ذلك فعليهم السفر إلى بلدان أخرى براً.
الحشد الشعبي وجيش المهدي على أهبة الاستعداد
يبدو أن الفصائل المسلحة العراقية تستعد لمواجهة القواعد العسكرية الأمريكية في العراق، خصوصاً أنها من بين أبرز المتضررين المباشرين في عملية الاغتيال، بعد مقتل نائب رئيس هيئة الحشد أبومهدي المهندس، ومدير تشريفات الحشد محمد رضا الجابري، وحسن عبدالهادي ومحمد الشيباني وحيدر علي مرافقي المهندس.
ودعا قادة فصائل الحشد الشعبي إلى الجاهزية والاستعداد لشنّ هجمات على السفارة الأمريكية والقواعد العسكرية في العراق ثأراً لدماء الشهداء، بحسب مسؤول بالحشد الشعبي.
وقال المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، لـ "عربي بوست"، إن قادة الحشد والفصائل المسلحة أكدوا في اجتماع لهم، صباح الجمعة، استعداد وجاهزية كافة فصائل الحشد، واتخاذ موقف عسكري لردع الأمريكان بعد تشييع جثامين الضحايا صباح يوم السبت.
وأضاف أن الفصائل المسلحة على أتم الاستعداد لإطلاق عمليات "ثأر الشهداء" عبر استهداف القواعد الأمريكية وتحرير الأراضي العراقية من المحتلين، إلا أن موعد انطلاق العمليات سيتم تحديده لاحقاً.
من جانبه قال الزعيم العراقي الشيعي مقتدى الصدر إن أتباعه على استعداد للدفاع عن العراق، فيما توعد الحرس الثوري أمريكا برد عنيف.
الصدر قال في بيان "إنني كمسؤول عن المقاومة العراقية الوطنية، أعطي أمراً بجهوزية المجاهدين، لاسيما جيش الإمام المهدي، ولواء اليوم الموعود، ومن يأتمر بأمرنا من الفصائل الوطنية المنضبطة لنكون على استعداد تام لحماية العراق".
تشير تصريحات الصدر إلى إعادة إحيائه لجيش المهدي، الذي كان من أبرز القوى الشيعية التي قاتلت القوات الأمريكية في العراق بعد اجتياحه.
القواعد العسكرية الأمريكية بالعراق
ويتواجد الجيش الامريكي في 5 قواعد عسكرية، بالإضافة إلى معسكرات البيشمركة الكردية في إقليم كردستان، التي يتخذها قواعد للتدريب والتأهيل العسكري للجيش والشرطة العراقية والحشد العشائري في محافظة الأنبار غربي العراق.
ويصل عدد عناصر الجيش الأمريكي في العراق، بالإضافة إلى المدربين والمستشارين حوالي 5 آلاف عنصر.
وتتخذ هذه القوات من قاعدة "فكتوري" أو "النصر" مقراً لقيادة عملياتها في العراق والمنطقة، وهي القاعدة التي تقع داخل مطار بغداد الدولي، وتتكون من عدة معسكرات مختلفة من بينها قصر الفاو، وهو قصر رئاسي عراقي بناه الرئيس السابق صدام حسين وسط بحيرة على بعد 5 كيلومترات من مطار بغداد الدولي.
بينما يتواجد العدد الأكبر من الجنود الأمريكيين في قاعدة عين الأسد، التي تعتبر مركزاً لانطلاق العمليات الخاصة للجيش الأمريكي في العراق، ضد تنظيم داعش والميليشيات المسلحة.
كما تتواجد عناصر أمريكية في قاعدة التاجي شمالي بغداد، وقاعدة رينج الواقعة في كركوك، وقاعدة عين الأسد في غرب الأنبار، وقاعدة الحبانية غرب الفلوجة.
هذا بالإضافة إلى معسكر السلام ومعسكر فيشخابور، اللذين يتوجدان في إقليم كردستان، ويضمان المئات من الجنود الأمريكيين الذين انسحبوا من سوريا باتجاه العراق.
وذكر مسؤول عراقي مقرب من القوات الأمريكية، رفض ذكر اسمه، لـ "عربي بوست"، أن طائرات حربية ومروحيات أمريكية حلّقت بكثافة منذ صباح الجمعة فوق القواعد العسكرية، خصوصاً قاعدتي النصر في بغداد وعين الأسد في الأنبار، تحسباً لأي هجوم طارئ قد تشنّه الميليشيات المسلحة، رداً على مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.
مبنى السفارة هدف محتمل
ذكر المصدر ذاته أن قوات إضافية من المارينز وصلت بالفعل إلى مبنى السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء المحصنة أمنياً، وأن عدد العسكريين داخل مبنى السفارة والمباني المجاورة تجاوز ألف جندي.
وأوضح أن غالبية هؤلاء يحملون أسلحة خفيفة وأسلحة قنص، وأن وجودهم لحماية السفارة ورعاية الأمريكيين من الميليشيات والمجاميع الإرهابية، على حد تعبيره.
يأتي هذا بعد أيام من حصار مقاتلين وموالين لكتائب "حزب الله" العراقي وميليشيات أخرى من الحشد الشعبي للسفارة، وإضرامهم النيران في منشآتها الخارجية، رداً على استهداف طائرات أمريكية لمعسكرات كتائب حزب الله.
يأتي هذا وسط تقليص عدد موظفي السفارة الأمريكية في بغداد بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الماضية، نتيجة التهديدات المتزايدة بالعنف من جانب الميليشيات التي تدعمها إيران مثل كتائب حزب الله.
وتعد السفارة الأمريكية في العراق واحدة من أكبر السفارات في العالم، إذ تفوق الفاتيكان في المساحة، وتعتبر قلعة حصينة تَسَع لآلاف البشر، ويقوم على حمايتها عناصر المارينز. وبُنيت هذه السفارة بعد الغزو الأمريكي للعراق، وكانت رمزاً للهيبة الأمريكية في البلد الذي احتلته واشنطن، وظنت أنها ستجعله تابعاً أبدياً لها.
لكن السفارة الآن قد تكون في أضعف وضع أمني لها بعد محاصرة المتظاهرين لها، وسط تربص الفصائل المسلحة المحسوبة على إيران، للانتقام لمقتل قاسم سليماني وأبومهدي المهندس.
ورغم حصانة السفارة فإن مشهد حصارها وإحراق النيران في سورها أعاد للأمريكيين مشاهد مذلة في تاريخهم، أشهرها أزمة الرهائن الأمريكيين الذين عرَضهم خاطفوهم الطلاب في طهران الذين اقتحموا سفارة أمريكا في عام 1979.
الشركات الأمريكية في العراق
وتتواجد في العراق العديد من المصالح الاقتصادية والشركات العاملة الأمريكية التي يمكن أن تكون أهدافاً محتملة.
أبرز الشركات الأمريكية هناك هي إكسون موبيل وشل للنفط، بالإضافة إلى شركات الخدمات الأمنية والإدارة للمخاطر، أبرزها "دين كورب" و "إس أو سي إس إم جي"، وخمس شركات أمنية أخرى.
كما تتواجد شركات مقاولات وخدمات تجارية أمريكية في العراق، والتي تتخذ من العاصمة بغداد وأربيل مقراً لها.
استعدادات للرد
تستعد الفصائل المسلحة العراقية إلى الرد بقوة على عملية اغتيال قاسم سليماني وقادة الحشد الشعبي.
وأوضح مسؤول بالحشد، غير مخول له بالتصريح، لـ "عربي بوست"، إن الفصائل المسلحة والمقاومة العراقية ستردّ بقوة لضرب القواعد العسكرية والمصالح الأمريكية في العراق.
وأضاف أن الوقت غير محدد، فإن يوم غد السبت سيكون هناك تشييع رسمي لجثامين القتلى، وبعدها سيكون لكل حادث حديث، على حد تعبيره.
وأوضح أن "القواعد العسكرية في مرمى أسلحتنا، خصوصاً قاعدة النصر في مطار بغداد وعين الأسد في الأنبار غربي العراق، بالإضافة إلى مبنى السفارة الأمريكية داخل المنطقة الخضراء والقنصلية الأمريكية في البصرة، كل قاعدة أو مبنى هي تحت أسلحة نيران المقاومة ثأراً للشهداء"، على حد وصفه.
وأكد المسؤول أن رجال الفصائل المسلحة لن تكون لهم علاقة بالمدنيين الذين يحملون الجنسية الأمريكية والشركات النفطية والخدمية، إنما "القنصليات والقواعد العسكرية هي تحت أسلحتنا، هذا لا يستثني المصالح الأمريكية في إقليم كردستان العراق".
وأوضح الخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي، أن الفصائل المسلحة الشيعية لديها القدرة والخبرة لمواجهة ما سمّاه "السيناريوهات المجهولة والعنيفة غير القابلة للتوقع من قبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب".
وأضاف لـ "عربي بوست"، أن "إرث أبومهدي المهندس يبدو أشبه بمدرسة تنظيمية، لها تجربتها العراقية الخالصة، لكن من الذي سيكمل تلك المسيرة في دمج تلك الفصائل داخل جسد الدولة العراقية لحمايتها من التهديدات المتعددة".
وذكر أن قيادات الفصائل المسلحة سوف تتنافس على الزعامة وحقها في إرثه، وأن تكون هي بعد المهندس في العراق، وتغيير سلم الأولويات في جسد المؤسسات الأمنية العراقية، وأن اغتيال المهندس سيعقد الأمور كثيراً في العراق على المدى القريب، على اعتباره أنه كان نقطة التواصل والتهدئة بين جماعات اللادولة والدولة.