إصرار النائب الهولندي خيرت فيلدرز على استفزاز المسلمين يطرح مرة أخرى السؤال حول مصطلح حرية التعبير ومدى حاجة الدول الغربية لمراجعة قوانين الكراهية والتمييز لديها لكي تتوائم مع تزايد موجة الإسلاموفوبيا مؤخراً، خصوصاً مع الانتشار السريع لليمين المتطرف.
ماذا فعل فيلدرز؟
اليوم الأحد 29 ديسمبر/كانون الأول، أعلن فيلدرز اليميني المتطرف والمعروف بعدائه المعلن للإسلام والمسلمين، عن تنظيم مسابقة للرسوم لنبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم)، ودعا متابعيه عبر حسابه الرسمي على تويتر، إلى "إرسال رسوم كاريكاتيرية" لنبي الإسلام.
فيلدرز يريد تنظيم المسابقة بمقر البرلمان الهولندي في لاهاي، متذرعاً بحرية التعبير، رغم أن زعيم حزب الحرية اليميني كان قد تراجع العام الماضي، عن تنظيم تلك المسابق بعد أن أثار الإعلان عنها موجة تنديد بين المسلمين حول العالم، خصوصاً في باكستان.
ما خلفية تلك القصة؟
النظر في خلفية القصة يستدعي أن نعرف من هو خيرت فيلدرز، وماذا يمثل. فيلدرز يتزعم حزب الحرية الشعبوي الذي ينتمي إلى اليمين المتطرف وتقوم أجندته السياسية على معاداة الإسلام والمسلمين، وبدأ نجمه يلمع مع تنامي اليمين المتطرف في أوروبا بصورة لافتة قبل عشر سنوات.
في يونيو/حزيران 2018، أعلن فيلدرز عن تنظيم مسابقة مشابهة لرسومات كاريكاتيرية عن النبي محمد، وأدى ذلك إلى انتقادات داخل هولندا وخارجها، ووصفها رئيس الوزراء الهولندي بأنها " تهدف إلى الاستفزاز وليس إلى خلق حالة من النقاش حول الإسلام". وفي أغسطس/آب من العام نفسه، قرر فيلدرز إلغاء المسابقة، معللاً ذلك بتلقيه تهديدات بالقتل وبخوفه على تعرُّض مصالح هولندا للخطر من "المتطرفين المسلمين".
هل هذه "حرية تعبير" أم "تحريض على الكراهية"؟
الواقع أن مبرر حرية التعبير لا يعني التحريض على ديانة أو أتباعها واستفزازهم، بحسب المعارضين لفيلدرز وتياره اليميني المتطرف داخل المجتمع الهولندي نفسه، والرجل يعلن دائماً أن هدفه هو "إنهاء وجود الإسلام في هولندا وحظر القرآن ومنع وجود المساجد".
وقد قامت شركة تويتر، في نهاية مايو/أيار الماضي، بحظر الحساب الرسمي لفيلدرز أربعاً وعشرين ساعة، مع التهديد بإغلاق الحساب بشكل دائم، بعد أن نشر تغريدات هاجم فيها حزب "دي66" اليساري الحاكم وشبههم "بالمسلمين".
ليس هذا فحسب، فقد أدانته محكمة هولندية عام 2016 بالتحريض على التمييز العنصري، بعد أن قال في تجمُّع انتخابي إنه يريد أن "يرى أعداداً أقل وأقل من المغاربة" في هولندا، وهو ما يؤكد أن ما يقوم به فيلدرز لا يندرج تحت حرية التعبير بقدر ما يندرج تحت التحريض وبث الكراهية والتمييز بسبب الدين.
ما انعكاسات استفزاز فيلدرز على الانتخابات؟
ربما يمكن تفسير ما قام به فيلدرز اليوم من الإعلان عن العودة لتلك "المسابقة الاستفزازية"، في إطار التراجع الكبير بشعبيته وشعبية حزبه، وهو ما ظهر واضحاً في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة التي جرت في مايو/أيار الماضي.
فقد خسر حزب "الحرية" المُعادي للإسلام جميع مقاعده الأربعة في البرلمان الأوروبي، ومن ضمنها مقعد فيلدرز نفسه، في ضربة موجعة لم يكن يتوقعها، ومن ثم يمكن أن "يكون ذلك الاستفزاز" محاولة منه للعودة إلى الأضواء مرة أخرى عن طريق "مسابقة" يدرك تماماً أنها ستثير موجة من الانتقادات والجدل.
السقوط الكبير في انتخابات البرلمان الأوروبي لحزب فيلدرز أرجعه كثير من المحللين إلى قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي والتي يرفضها غالبية الهولنديين، لكن مسألة معاداته للإسلام والمسلمين لا يمكن الجزم بمدى تأثيرها عليه وعلى الحزب داخلياً؛ ومن ثم ربما يسعى من خلال ذلك "الاستفزاز" إلى العودة لاكتساب أرضية أكبر بين القاعدة الانتخابية اليمينية المتطرفة التي ينافسه فيها حزب تييري بوديه، القائد الشعبوي الهولندي الجديد الذي فاز بـ3 مقاعد في البرلمان الأوروبي بالانتخابات الأخيرة.
الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن مدى خطورة ذلك الاستفزاز الجديد من فيلدرز للمسلمين حول العالم، وانعكاس ذلك على الوضع السياسي والاجتماعي في الداخل الهولندي، لكن المؤكد أن "مسابقة" من ذلك النوع تمثل استفزازاً كما وصفها رئيس الوزراء العام الماضي، فكيف سيكون رد فعل الحكومة الهولندية هذه المرة؟