هل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مصلح أم رجعي؟ الجواب، والذي يبعث على الجنون لمن يحبونه وأيضاً لأولئك الذين يكرهونه، هو أن حاكم المملكة العربية السعودية الفعلي قد يكون الاثنين معاً. كما يقول بوبي غوش، عضو في هيئة تحرير موقع Bloomberg الأمريكي.
أمير الرسائل المتضاربة
يقول غوش المختص بشؤون الشرق الأوسط، إن ولي العهد السعودي كان يخضع فيه لتفحص دولي دقيق خلال عام 2019، إثر جريمة الاغتيال البشعة للصحفي السعودي جمال خاشقجي أواخر عام 2018. في حين أطلق الأمير العنانَ لوجهي شخصيته العامة، فقد ترأس كلاً من الإصلاح والقمع. ولم يشهد هذا العام أو تعمد فعل ما يغير الانطباع السائد عن محمد بن سلمان، فقد ظل رجلاً يريد تحقيق الأمرين معاً في آن واحد.
وبدت تلك الازدواجية في أوضح صورها خلال مقابلته مع برنامج Frontline على شبكة التلفزيون الأمريكية PBS، عندما اعترف بالمسؤولية، وتجنبها في آن واحد، عن مقتل خاشقجي، قائلاً: لقد حدثت الجريمة "خلال قيادتي للبلاد"، لكنه بعد ذلك عمد إلى التملص من المسؤولية عنها، من خلال قوله إنه لا يمكنه أن يعرف ما يفعله الثلاثة ملايين مسؤول حكومي الذين يعملون تحت إمرته طيلة الوقت.
وأفضى تحقيق سعودي متكتم عليه، أعقبته إجراءات غامضة للمحكمة التي عرضت القضية أمامها، إلى صدور أحكام في القضية هذا الأسبوع، لكن تلك الأحكام لم تُقنع أحداً بأن العدالة قد تحققت. وربما يتعين علينا أن نتذكر أن مقررة الأمم المتحدة المعنية بالتحقيق في جريمة القتل قالت إن "هناك ما يشير إلى مسؤوليةٍ وصلات تربط محمد بن سلمان بعملية القتل"، كما تعتقد وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أنه من أصدر الأمر.
المراوغة في الإصلاحات
على النحو نفسه، كان هناك نوع من المراوغة في برنامج محمد بن سلمان الخاص بالإصلاحات الاجتماعية، فقد ترافقت خطوتان للأمام في بعض المجالات –مثل تخفيف قوانين الوصاية على النساء واللوائح المتعلقة بمداخل خاصة للنساء في المطاعم- بخطوةٍ إلى الوراء في مجالات أخرى. إذ أعاد اعتقال المفكرين في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، إلى الأذهان ذكرى الاعتقال الصادم خلال العام الماضي لنشطاء مدافعين عن حقوق المرأة، قبل أسابيع فقط من رفع الأمير حظراً كان مفروضاً على قيادة المرأة للسيارات في السعودية.
ومن ثم فإن السعوديين بإمكانهم الاستمتاع بهذه المتع التي كانت محظورة عليهم سابقاً، مثل حفلات موسيقى الروك، لكن الحقيقة أن السعي وراء الحريات والدفاع عنها يظل أمراً محفوفاً بالمخاطر.
اكتتاب أرامكو
في القصة الرئيسة الأخرى في البلاد خلال هذا العام، كان الأمير على الطرف الآخر من الرسائل المتناقضة. فالاكتتاب العام الأوّلي لأسهم شركة أرامكو السعودية كان العنوان والمشروع الأبرز في خطة محمد بن سلمان الخاصة بـ "رؤية السعودية 2030″، وقد استثمر الكثير من نفوذه ومكانته الشخصية للوصول إلى تقييم بقيمة 2 تريليون دولار للشركة التي تمثل بقرة حلب النقود للمملكة.
إذ على الرغم من أن مجموعة من المصرفيين الدوليين أقنعوه بأن هذا الهدف كان ممكناً، فإن المستثمرين الأجانب لم يحشدوا للأمر سوى بعض الحماس الفاتر. في النهاية، اضطرت أرامكو إلى تقليص حجم الأسهم المعروضة، حتى وهي تعتمد على أغنى مواطني المملكة، للاقتراب بتقييم الشركة إلى الرقم الذي استهدفه الأمير.
السياسة الخارجية
يعد أبرز مجالٍ أظهر فيه محمد بن سلمان تغييراً في سلوكه في عام 2019 هو مجال السياسة الخارجية، وحتى هنالك، كان الأمر يتعلق بما لم يفعله على نفس قدر ما فعله، فضيلة الامتناع عن ارتكاب أخطاء جديدة أكثر منها فضيلة الفعل. إذ لم تعمد السعودية، على سبيل المثال، إلى الانتقام من كندا لصدامِها الدبلوماسي معها في عام 2018، أو من ألمانيا إثر الأزمة التي تفجّرت معها (في إثر احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الدين الحريري في السعودية) في 2017.
وقد كان السبب وراء المشاحنتين كلتيهما ردّ فعل سعودي مبالغ فيه على انتقادات معتدلة من البلدين. أما هذا العام، فكان رد فعل محمد بن سلمان سُكوناً حذراً على استفزاز أكبر بكثير، ألا وهو هجوم إيران على منشآت النفط السعودية، والذي أفضى إلى تقليص الإنتاج النفطي للمملكة بمقدار النصف. وقد يكون الأمر أن محمد بن سلمان امتنع عن الانتقام من جرّاء عدم يقينه مما إذا كانت الولايات المتحدة، حليفه الرئيسي، ستقدم على التورط في حرب أخرى في الشرق الأوسط، أو يقينه بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستُشعل حرباً إذا هوجمت.
حرب اليمن وحصار قطر
قد تفسر الحقائق السياسية الصريحة أيضاً المساعي المبذولة لإنهاء محمد بن سلمان واحدة من حماقاته السابقة، أي تلك المتعلقة بالحرب التي تقودها السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، إذ ها هو في عامه الخامس لم يُسفر الهجوم الذي شنته السعودية عن أي شيء سوى الإحراج والانتقادات للأمير. وفي نهاية هذا العام كان هناك أمل في تراجع الأمير عن حصاره المفروض على قطر، الذي كان خطأً آخر من أخطاء الأمير وعثراته. وربما يكون الأمير أدرك أخيراً أن المملكة الأصغر من مملكته لا يمكن تخويفها وإجبارها على الاستسلام.
عداء إيران
الواقعية علامةٌ على النضج، وستستفيد المنطقة ككل إذا كان ثمة مزيد منها في عام 2020. في حين سيكون أكبر تحدٍّ يواجه السياسة الخارجية لمحمد بن سلمان في العام الجديد هو تصفية خلافاته مع إيران المولع بالحرب معها. إذ على الرغم من أن ظهره قد يكون تقوّى وازدادت جرأته بعد نشر الولايات المتحدة لمزيد من عسكرييها في المملكة "لضمان وتعزيز الدفاع عن المملكة العربية السعودية"، فإن محمد بن سلمان عليه أن يدرك أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يكون لديه استعداد أو رغبة كبيرة في شنِّ حرب جديدة في عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
ويصعب تصور حدوث انفراجة دبلوماسية مع طهران، لكن الرياض قد تقنع بالاستقرار على استراحة متوترة بين الطرفين، ما دامت الهجمات على منشآتها النفطية وشحناتها متوقفة.
عام متناقض
أما على المستوى الداخلي، فقد حان الوقت أن يعود الأمير إلى الأساسيات الاقتصادية لخطته المتعلقة بـ "رؤية السعودية 2020″، أي جعل المملكة أقل اعتماداً على عائدات النفط، وفطم شعبها عن الوظائف الحكومية المضمونة، والإعانات السخية. وقد جاءت ميزانية العام المقبل نموذجاً معبراً عن السنة المتناقضة التي أمضاها الأمير: قيود على الإنفاق، ورغم ذلك زيادة في العجز. فأي وجهَي محمد بن سلمان سنحصل عليه في عام 2020؟ الاحتمالات متساوية.