مأساة الثمانينات ستكرر.. ماذا سيحدث إذا تنازلت مصر بالفعل لإثيوبيا عن شرط الحصول على 40 مليار متر من مياه النيل الأزرق؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/12/24 الساعة 19:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/25 الساعة 06:39 بتوقيت غرينتش
أعمال بناء سد النهضة أوشكت على الانتهاء/ رويترز

"لن نقبل بأقل من 40 مليار متر مكعب من المياه"، تقول مصر إن هذا بمثابة خط أحمر في مفاوضاتها الصعبة مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، ولكن أديس أبابا تقول إن القاهرة تخلت بالفعل عن هذا الشرط، فماذا سيحدث لمصر لو انخفضت مياه النيل الأزرق عن 40 مليار متر مكعب سنوياً؟  

وأعلنت أديس أبابا عن أملها في الوصول لاتفاق بشأن ملء "سد النهضة"، الذي يتوقع الانتهاء منه بشكل كامل عام 2023، فيما كشف مسؤول إثيوبي عن سحب مصر مقترحاً سابقاً بشأن إطلاق إثيوبيا ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من المياه سنوياً.

بينما نفت مصر أن تكون قد عرضت على إثيوبيا التنازل عن حصة 40 مليار متر مكعب سنوياً، وذكرت صحيفة الأهرام المصرية أنّ القاهرة "متمسكة بمقترحها وتسعى لتفاهم واتفاق".

اجتماع واشنطن بين الجانبين المصري والإثيوبي/ وزارة الخارجية المصرية

وتتفاوض مصر وإثيوبيا والسودان حالياً، بوساطة أمريكية يقودها وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشن، بعدما أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منذ عدة أشهر فشل المفاوضات المباشرة مع إثيوبيا، وطلب تدخل وساطة دولية مقابل تلويح رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد بحشد ملايين، لمواجهة ما وصفه بأي اعتداء مصري.

وفي إطار هذه المفاوضات عقد وزراء الخارجية والري من مصر والسودان وإثيوبيا ووزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشن ورئيس البنك الدولي ديفيد مالباس "اجتماعاً تقييمياً" الإثنين، 9 ديسمبر/كانون الأول 2019، للمفاوضات.

ومن المفترض أن تنتهي الجولة الحالية من المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان بوساطة أمريكية، منتصف يناير/كانون الثاني المقبل.

نقطة الخلاف الرئيسية.. الجفاف ثم الجفاف 

أبرز نقاط الخلاف وفقاً للبيان الصادر عن المفاوضات هي المدة الزمنية اللازمة لملء خزان السد، وطريقة توزيع المياه في تلك المدة، وكيفية توزيع حصص المياه في سنوات الجفاف، وكل تلك النقاط تتعلق بكيفية تشغيل السد.

وتبلغ إجمالي إجمالي مياه النيل التي تصل مصر والسودان من روافده المختلفة نحو 84 مليار متر مكعب.

وتمثِّل الأنهار الثلاثة القادمة من إثيوبيا (النيل الأزرق وعطبرة والسوباط) وروافدها نحو 85% على الأقل من إجمالي مياه نهر النيل، وبالتالي فهذه الكمية التي تُقدَّر بنحو 72-73 مليار متر مكعب.

ويمثل النيل الأزرق -الذي أقيم عليه سد النهضة- الشريان الأكبر لنهر النيل، ويسهم بنحو 59-64% من مياه النهر، بمتوسط تدفق سنوي يُقدَّر بنحو 49 أو 50  مليار متر مكعب.

 اقتراح مصر الذي ترفضه إثيوبيا

وتقترح مصر ألّا يزيد خفض إثيوبيا لمياه النيل الأزرق عن 10 مليارات متر مكعب، أي تصبح كمية المياه الخارجة من سد النهضة 40 مليار متر مكعب بدلاً من 50 ملياراً، على أن تتحمل مصر والسودان هذا العجز في المياه مناصفة (10 مليارات متر مكعب)، أي 5 مليارات متر لكل طرف.

فلماذا تصرُّ القاهرة على ألا تقل مياه النيل الأزرق عن 40 مليار متر مكعب بأي من الأحوال، وماذا سيحدث لمصر لو انخفضت مياه النيل الأزرق عن 40 مليار متر مكعب سنوياً.

ماذا سيحدث لمصر لو انخفضت مياه النيل الأزرق عن 40 مليار متر مكعب سنوياً؟

كشف الدكتور محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية المصري الأسبق، سببَ طلب مصر من إثيوبيا الحصول على 40 مليار متر مكعب من المياه، وألّا يقل منسوب المياه أمام السد العالي عن 165 متراً، وذلك خلال مفاوضات سد النهضة.

وقال علام لـ "العربية.نت" إنَّ سبب الطلب المصري بألّا يقل منسوب المياه أمام السد العالي عن 165 متراً، لأن هذا هو الحد الأدنى من التخزين، الذي يحمي مصر مائياً خلال أي فترة من فترات الجفاف، ولكي تتجنب القاهرة تخفيضات كبيرة في كهرباء السد العالي.

وأضاف أن مصر طلبت من إثيوبيا ألا يزيد الحجز السنوي وراء سد النهضة عن 10 مليارات متر مكعب في السنة في المتوسط، مضيفاً أن هذا العجز سيقسم مناصفة بين مصر والسودان تبعاً لاتفاقية 1959، ليتحمل كل منهما 5 مليارات متر مكعب عجزاً سنوياً في أثناء سنوات الملء الأول لسد النهضة.

ليس هناك قلق كبير من الفترة الأولى لملء السد

قال وزير الري والموارد المائية الأسبق إنّ مخزون المياه أمام السد العالي سيغطي معظم هذا العجز الأوّلي.

وأشار إلى أن سد النهضة ستكون له تداعيات مائية صعبة، ولكن المفاوض المصري يحاول ألا تتجاوز هذه التداعيات قدرة الدولة على احتوائها.

مصر لا تمانع في بناء سد النهضة/رويترز

وكشف أن المفاوض المصري أبدى عدم الممانعة في تشييد وملء وتشغيل سد النهضة، لتحقيق الرفاهية والتنمية للشعب الإثيوبي، لكن بشرط عدم الإخلال بحصة مصر المائية، ولذلك أعدّ الخبراء المصريون نماذجَ حديثة ومتطورة لملء وتشغيل سد النهضة، تحقق التوازن بين متطلبات التنمية في إثيوبيا وقدرة مصر على استيعاب الآثار والتجاوزات المحتملة للسد على كافة مناحي الحياة لديها.

لكن ما تخشاه مصر هو موجات الجفاف 

ويبدو أن مصر لا تخشى كثيراً من تراجع مياه النيل جراء عملية ملء السد في الأوقات العادية ، ولكن ما تخشاه هو موجات الجفاف.

ففي فترة الثمانينات حمى المخزون المائي الذي كوّنته مصر خلف السد العالي البلادَ من تأثيرات الجفاف المدمِّرة التي عانت منها المنطقة، وتحديداً إثيوبيا.

وأودت المجاعة التي أصابت إثيوبيا نتيجة الجفاف بين عامي 1984 و1985 بحياة نحو مليون شخص.

لكن التقديرات أشارت إلى أن المساعدات الغربية التي تدفّقت على البلد أنقذت أرواح ملايين آخرين. وبفضل الجهد الدولي الذي شارك فيه أيضاً بعض نجوم الغناء تم جمع حجم غير مسبوق من التبرعات.

ولا تريد مصر تخفيض المخزون خلف السد العالي لاستمرار توليد الكهرباء بمعدل مقبول، والأهم تحسباً لأي جفاف يخفض من مياه النيل الواردة من المنابع.

وفي هذا الإطار، يقول الوزير المصري الأسبق، إن المقترح المصري في مفاوضات سد النهضة يضع في الاعتبار نواحي فنية، تتمثل في الدورات الهيدرولوجية للنيل الأزرق، وتغيّراتها ما بين فيضانات عالية ومنخفضة ومتوسطة، وبما لا يخفض كهرباء سد النهضة إلا في أضيق الحدود، والسماح بنقص مقبول في كهرباء السد العالي، وتحمّل بعض الخفض في موارد مصر المائية في السنوات العجاف، بالقدر الذي تستطيع مصر احتماله.

السد العالي في خطر 

قال علام إن إثيوبيا تُصر على النظر لأمر آخر، بعيداً عن النواحي الفنية، وهو سيادتها الوطنية، حيث ترى أن سياسة تشغيل السد حق سيادي لها، وهو ما تراه مصر مخالفة صريحة للقانون الدولي للأنهار.

وأكد الدكتور محمد نصر علام أن المفاوض المصري يخشى من أن تشغيل سد النهضة ووفق الحسابات الإثيوبية سيؤدي لإلغاء دور السد العالي.

وأضاف قائلاً "كما أن ما تريده إثيوبيا سيؤدي لأن يكون مصير محابس المياه بيدها وحدها".

وجاءت تصريحات الوزير المصري السابق قبل إعلان إثيوبيا عن تخلي مصر عن شرطها، فيما جاء النفي المصري عبر وسائل الإعلام، ولم يتسن التأكد من مصدر مسؤول عنه.

تحميل المزيد