كتبت رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، إلى الرئيس دونالد ترامب: "صاغ آباؤنا المؤسسون، بحكمتهم البالغة، دستوراً يقوم على نظامٍ للفصل بين السلطات: ثلاثة أفرع متكافئة تعمل كضوابط لبعضها البعض. وفي إطار احترام روح الدستور، أدعوك لإلقاء خطاب حالة الاتحاد في الرابع من فبراير/شباط المقبل".
ذكرت التقارير أنَّ توقيت الخطاب، والدعوة –التي قبلها الرئيس- كان مُتفقاً عليهما سلفاً. وهو ما يعني ضمناً أنَّ كلاً من الجمهوريين والديمقراطيين يعتقدون أنَّ المحاكمة التي سيجريها مجلس الشيوخ للرئيس ستكون انتهت بحلول هذه المرحلة، إلا إذا كان ترامب يعتزم إلقاء الخطاب على كلا المجلسين –الشيوخ والنواب- بينما تتواصل المحاكمة.
لماذا التأجيل إذاً؟
ما الذي يفسر إذن قرار تأجيل تسليم مادتيّ الاتهام اللتين وافق عليهما مجلس النواب إلى مجلس الشيوخ، وهو التأجيل الذي قد يحاول محامو ترامب استغلاله للادعاء بأنَّ الرئيس لم يخضع عملياً للمساءلة البرلمانية الهادِفة للعزل؟
يقول أندرو بانكومب، كبير مراسلي الشؤون الأمريكية بصحيفة The Independent البريطانية: بصياغة بسيطة، السبب هو النفوذ. فبالعودة إلى عام 1998، حين بدأت الإجراءات الرامية لعزل الرئيس بيل كلينتون برلمانياً فيما كان الديمقراطيون يسيطرون على مجلس الشيوخ، أراد الجمهوريون توجيه الدعوة لعدد من الشهود، تماماً مثلما طالب زعيم الأقلية الديمقراطية بمجلس الشيوخ، تشاك شومر، الآن.
على النقيض من ذلك، أراد كلينتون والديمقراطيون الحد من هذه الشهادات. إذ شعر كلينتون آنذاك أنَّه ربما يضطر للاستقالة من منصبه، تماماً مثلما اضطر نيوت غينغريتش، الرئيس الجمهوري السابق لمجلس النواب والذي ضغط لبدء إجراءات محاكمة كلينتون برلمانياً، بعدما خرجت الأنباء بشأن العلاقة التي أقامها هو نفسه خارج إطار الزواج. في الواقع، استقال غينغريتش قبل ستة أسابيع كاملة من موافقة مجلس النواب على مسودة اتهام كلينتون.
كان الحل للمواجهة بين زعيم الديمقراطيين بمجلس الشيوخ آنذاك، توم داشل، ونظيره زعيم الجمهوريين بالمجلس، ترينت لوت، هو إبرام اتفاق.
ففي النهاية، أفاد ثلاثة أشخاص فقط، هم مونيكا لوينسكي، وفيرنون جوردان صديق كلينتون، والمساعد بالبيت الأبيض سيدني بلومنتال، بشهاداتهم في مقاطع فيديو ومقتطفات أُذيعَت في مجلس الشيوخ، حيث كان يُشرِف على المحاكمة رئيس المحكمة العليا آنذاك ويليام رينكويست.
الجمهوريون يرفضون تقديم تنازلات
وفيما غادر المشرعون من كلا الحزبين هذا الأسبوع الكونغرس لقضاء موسم عطلات عيد الميلاد دون التوصل بعد إلى اتفاق على ما سيجري في مجلس الشيوخ، يبدو أنَّ بيلوسي تحاول التحرك لإجبار ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ، على تقديم بعض التنازلات.
رفض ماكونيل حتى الآن طلب شومر بدعوة أربعة مسؤولين سابقين أو حاليين بالبيت الأبيض للإدلاء بشهادتهم. وأشعل كذلك الجدل حين أقرَّ بأنَّه لن يكون "عضو هيئة مُحلَّفين محايداً" في محاكمة الرئيس. فقال: "لستُ عضو هيئة محلفين محايداً. هذه عملية سياسية. لا يوجد شيء يتعلَّق بالقضاء في هذا الأمر".
وفي نهاية المطاف، لا يفيد وجود عملية محاكمة مطولة بمجلس الشيوخ أي الحزبين. فالجمهوريون واثقون أنَّ لديهم الأغلبية اللازمة لتبرئة الرئيس، والرئيس نفسه طالب بجلسة استماع "فورية".
هل الديمقراطيون في مأزق؟
في الوقت نفسه، فإنَّ الديمقراطيين على بُعد أقل من شهر من أول عملية انتخابات تمهيدية لاختيار المرشح الرئاسي لانتخابات 2020. وهم لا يرغبون في أن تلفت المحاكمة البرلمانية الأنظار بعيداً عن هذا الحدث، خصوصاً في ظل أنَّ أربعة من المرشحين الكبار –إليزابيث وارن، وبيرني ساندرز، وكوري بوكر، وآمي كلوبتشر- هم أعضاء بمجلس الشيوخ وسيتعين عليهم حضور جلسات المحاكمة تلك.
إنَّ ما يجري في هذا الأمر، كما هو الحال بالنسبة لكثيرٍ مما يحدث في واشنطن العاصمة، هو ببساطة وبوضوح سياسة. وليس هناك مَن هو أفضل في السياسة من نانسي بيلوسي.