بلغ القلق الأمريكي من تصاعد نشاط الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل الإفريقي مستوى غير مسبوق.
إذ تستعد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاستحداث منصب مبعوث خاص جديد وفرقة عمل جديدة للتعامل مع التهديدات الأمنية في منطقة الساحل بإفريقيا، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
أسباب القلق الأمريكي من تصاعد نشاط الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل الإفريقي
ويعكس هذا الإجراء قلقاً متزايداً في واشنطن حيال صعود الجماعات المتطرفة في غرب إفريقيا، بما في ذلك جماعات مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
ويأتي ذلك في الوقت الذي تنفذ فيه الجماعات المتطرفة هجماتٍ قاتلة متزايدة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وتوسِّع نطاق وجودها نحو الجنوب.
ويحذر مسؤولون وخبراء من أنَّ الجماعات المتطرفة تكتسب قوة بالرغم من مداهمات قوات العمليات الخاصة وغارات الطائرات بدون طيار التي تقودها الولايات المتحدة، والجهود التي تبذلها البلدان الغربية وحكومات غرب إفريقيا منذ سنوات للقضاء على هذه الجماعات.
ونتيجة لهذه التطورات، تستعد الإدارة الأمريكية لتعيين مبعوث خاص يرأس فرقة عمل مشتركة بين عدة مؤسسات ومؤلَّفة من مسؤولين من وزارة الخارجية ومجتمع الاستخبارات ووزارة الدفاع والوكالات الأخرى لتحسين تنسيق تعامل الولايات المتحدة مع الجماعات المتطرفة في المنطقة، حسبما ذكر مسؤولون حاليون وسابقون وبعض المساعدين في الكونغرس على درايةٍ بالمسألة لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
لكنَّ أحد المسؤولين أشار إلى أن تفاصيل الخطة ما زالت قيد المناقشة، وأنَّ هذه الخطوة لم تصبح رسمية حتى الآن.
فيما قال العديد من المسؤولين إنَّ الإدارة تعمل كذلك على صياغة استراتيجية جديدة لمنطقة الساحل من أجل توجيه العمل في الخطة الجديدة.
الإرهابيون الفارون من العراق وسوريا يتوجهون إلى الصحراء الكبرى
وتأتي هذه الخطوة المتوقعة في الوقت الذي يحذِّر فيه بعض مسؤولي الولايات المتحدة والأمم المتحدة من تصاعد العنف بوتيرةٍ سريعة في منطقة الساحل، وهي مساحة شاسعة جنوب الصحراء الكبرى ذات كثافة سكانية ضئيلة.
وفي هذا الصدد، قال محمد صالح أناديف كبير مبعوثي الأمم المتحدة إلى المنطقة، في لقاءٍ مع شبكة الجزيرة في وقتٍ سابق من العام الجاري 2019: "نقول إننا طردنا مقاتلي تنظيم داعش في العراق، وسوريا. فهل يسأل أحدٌ إلى أين يذهب أولئك الأشخاص؟ هناك عاصفةٌ منهم تهُبُّ نحو منطقة الساحل".
تجدر الإشارة إلى أنَّ موجات العنف التي تتضمَّن جماعات متطرفة تتضاعف في المنطقة سنوياً منذ عام 2015، وفقاً لمركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية الذي يقع مقره في العاصمة الأمريكية واشنطن.
وقد شهد العام الجاري وحده 700 حادثة عنف، من بينها هجومٌ كبير مميت على قاعدة عسكرية في غرب النيجر في الشهر الجاري ديسمبر/كانون الأول، أسفر عن مقتل أكثر من 70 جندياً من الجيش النيجيري.
ومن جانبه قال تيبور ناجي، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون إفريقيا، لصحفيين في الشهر الماضي نوفمبر/تشرين الثاني: "أعتقد أن منطقة (الساحل) هي أصعب وضع يواجهنا الآن في القارة. فتهديد الإرهاب والتطرف العنيف يتزايد.
ولم يعد ذلك يقتصر على شمال مالي. بل يتجه نحو الجنوب إلى بوركينا فاسو، وهناك بلدان مثل غانا وتوغو وبنين في حالة تأهُّب".
وحين سُئِل عمَّا إذا كانت الجهود الدولية المبذولة لمواجهة تلك التهديدات ناجحة، رد قائلاً: "لا، إنها ليست كذلك. نحن بحاجةٍ إلى مشاركة أقوى بكثير. يجب أن يكون هناك تنسيقٌ أفضل بكثير".
لماذا تفضل الجماعات المتطرفة العمل في منطقة الساحل الإفريقي؟
تجدر الإشارة إلى أنَّ الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، وجماعة أنصار الإسلام، وجبهة تحرير ماسينا، تستغل المظالم الاقتصادية والعِرقية لكسب موطئ قدم في المجتمعات المحلية وتجنيد الأفراد في صفوفها، مما يؤدي إلى استمرار الأزمة التي أسفرت عن فرار مليون شخص من ديارهم في مالي وغرب النيجر وبوركينا فاسو.
ومن جانبه يتوجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المنطقة في نهاية الأسبوع الجاري لزيارة بعض الجنود الفرنسيين البالغ عددهم 4500 جندي الذين نُشِروا هناك، والتمهيد لعقد قمة متعددة الجنسيات في منطقة الساحل في الشهر المقبل يناير/كانون الأول بعد الهجمات المميتة الأخيرة.
جديرٌ بالذكر أنَّ هناك مجموعة متنوعة من القوات الدولية -تضم قوات فرنسية وبعض قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وقوة عسكرية إقليمية ومجموعة من القوات الأمريكية في النيجر- لم تتمكن من إضعاف الجماعات الإرهابية أو كبح جماح العنف.
واحد من أكبر مجموعات التحالفات المتطرفة
وفي هذا الصدد قال جود ديفيرمونت، وهو محلل بارز سابق في وكالة الاستخبارات المركزية ويدير الآن برنامج إفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية البحثي: "هذا واحد من أكبر مجموعات (التحالفات) المتطرفة التي رأيتها في حياتي المهنية. إنهم يجيدون إيجاد طرق لدمج أنفسهم في المجتمعات، وإيجاد مجندين جدد باستغلال التوترات العرقية أو الدينية أو الاقتصادية".
وأضاف ديفيرمونت أنَّ الحكومات في المنطقة، لا سيما حكومة مالي، يجب أن تعالج المظالم السياسية والاقتصادية بشكلٍ أفضل في المجتمعات التي تعمل الجماعات المتطرفة على تجنيد أفرادها.
تجدر الإشارة إلى أنَّ الولايات المتحدة تُنسِّق سياستها في منطقة الساحل مع الاتحاد الإفريقي والحكومات الإقليمية والحلفاء الأوروبيين.
وقال بعض المسؤولين والخبراء إنَّ الحلفاء الأوروبيين يضغطون على إدارة ترامب لتعيين مبعوث أمريكي إلى منطقة الساحل في العام الجاري حتى يكون لديهم مسؤولٌ كبير واحد يستطيعون التنسيق معه مباشرة.
ويُذكَر أنَّ ويتني بيرد، نائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون غرب إفريقيا والشؤون الأمنية، قالت للمشرِّعين الأمريكيين في جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب في الشهر الماضي إنَّ الإدارة الأمريكي تدرس فكرة تعيين مبعوثٍ خاص لكنها لم تتعهَّد بتنفيذ هذه الخطوة.
وأضافت: "أعرف أن العديد من شركائنا الأوروبيين لديهم مبعوث رسمي واحد.. هذه الخطوة قيد الدراسة بالتأكيد. ندرس جميع الطرق الممكنة للمساعدة في إحداث تأثير إيجابي في الموقف هناك".
ويقال إنَّ الولايات المتحدة لديها حوالي 800 جندي في النيجر، وإنها أنشأت مؤخراً قاعدة عسكرية للطائرات المسلحة بدون طيار والمركبات الجوية المسلحة في وسط النيجر.
ومنذ عام 2013، هناك 4500 جندي فرنسي يتمركزون في منطقة الساحل لدحر تمرُّد متطرف كان يُهدِّد حكومة مالي. وبمساعدة الدعم الفرنسي والدولي، أنشأت خمس دول في المنطقة -وهي بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر- ما يُسمَّى بقوة الساحل الخماسية المشتركة، التي تضم 5 آلاف جندي. بالإضافة إلى أنَّ الأمم المتحدة تنشر قوة حفظ سلام في مالي مكوَّنة من 16 ألف فرد، فيما ينشر الاتحاد الأوروبي كذلك بعثاتٍ أصغر في منطقة الساحل للتدريب وتطوير القدرات.
ورفض متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية التعليق لمجلة Foreign Policy الأمريكية على خطط تعيين مبعوث جديد وفرقة عمل في منطقة الساحل، وأحالها إلى مجلس الأمن القومي، الذي رفض التعليق بدوره.
ومن جانبه تحدَّث المتحدث باسم وزارة الخارجية عن مشاركة الولايات المتحدة في منطقة الساحل، قائلاً إنَّ الولايات المتحدة "تنسق عن كثب المساعدات" في المنطقة مع الاتحاد الأوروبي وفرنسا والداعمين الآخرين والدول الأعضاء في مجموعة الخمس.
وأضاف: "الولايات المتحدة تدعم قوة الساحل المشتركة الخماسية بتقديم مساعدة مباشرة إلى الأجهزة الأمنية التابعة للدول الأعضاء في مجموعة الخمس. ونهجنا يركز على الملكية المحلية والاستدامة والتنسيق مع الأطراف الداعمة الأخرى".