أحد الثوابت الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية في عهدها الحالي هو دفاع ترامب عن السياسة السعودية واحتضانه لها مهما فعلت أو فعل المنسوبون لها.
تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية رصد الأسباب التي تقف وراء دفاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن السياسة السعودية، وحاول معرفة هل التزمت الرياض بتعهداتها لترامب في مقابل هذا الدفاع المستميت.
حلقة من مسلسل الفوضى
كان سجل السياسة الخارجية لترامب فوضوياً، حسب تعبير الصحيفة الأمريكية.
فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدخل السنة الأخيرة من ولايته بسجلٍ فوضوي في السياسة الخارجية. إذ شنَّ حروباً تجارية على بعض حلفاء الولايات المتحدة، وتعامل بلُطفٍ مع زعماء مستبدين. وتحدث بنبرةٍ صارمة عن تفوق القوة الأمريكية لكنه وقف متفرجاً على القوى الأخرى وهي تُعيد تشكيل المشهد الاستراتيجي. واستخدم اتصالاته وعلاقاته ونفوذه ليحقق بعض الاستفادة بطرقٍ عدوانية وغير نزيهة. باختصار، كان سجله فوضوياً.
غير أنَّ أحداث الأسابيع الأخيرة تُذكِّرنا بأحد أشد الجوانب ثباتاً واتساقاً في سياسته الخارجية: احتضان راسخ ودائم للمملكة العربية السعودية.
وكان تداعيات دفاع ترامب عن السعودية واضحة تماماً في تجنيده للفيتو الرئاسي في مواجهة العديد من القرارات التي تمسها.
ترامب ينجح بإبعاد رقابة الكونغرس عن الرقابة عن صادرات الأسلحة للسعودية
في إطار جهود لحماية الرياض، حقق ترامب مراده في منع رقابة الكونغرس على صادرات الأسلحة للسعودية.
إذ أقر مجلس الشيوخ، يوم الثلاثاء 17 ديسمبر/كانون الأول، مشروع قانون سنوي للإنفاق الدفاعي بعدما مرَّره مجلس النواب الأسبوع الماضي. ومن بين بنوده، يوافق مشروع قانون السياسة الدفاعية، الذي تبلغ قيمته 738 مليار دولار، على إنشاء "القوة الفضائية" التي يريدها ترامب بشدة.
لكنَّه جُرِّد من عدة بنود كان المشرعون الأمريكيون يأملون في أنَّها ستقيد الدعم الأمريكي للحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن.
فوفقاً لتقارير مختلفة، كانت هذه البنود المحذوفة "ستُجهِض" رغبة البيت الأبيض في منع رقابة الكونغرس على مبيعات الأسلحة والمساعدة العسكرية للسعوديين.
الفيتو مجند من أجل المملكة
وهذا ليس حدثاً فريداً من نوعه. فمعظم التشريعات التي اعترض عليها ترامب خلال رئاسته كانت تتضمن محاولاتٍ من الكونغرس لإدانة المملكة العربية السعودية.
ففي أبريل/نيسان الماضي، استخدم ترامب حق النقض (الفيتو) ضد قرار حظي بموافقة كلا الحزبين في الكونغرس كان يستند إلى صلاحياته في تقييد سلطات الحرب ويطالب بإنهاء التدخل الأمريكي في الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن.
وفي يوليو/تموز، استخدم ترامب حق النقض ضد ثلاثة من قرارات الكونغرس حاولت منعه من تجاوز الرقابة التشريعية وبيع أسلحةٍ بمليارات الدولارات إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وقبل عام، منع مبعوثو ترامب قراراً من مجلس الأمن الدولي صاغته بريطانيا لأنَّه كان يُطالب بمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب في اليمن.
الملك محطم بعد الهجوم
وحين لا يتصدى ترامب للتشريعات التي يعتبرها معادية للمصالح السعودية، فهو يدافع عن المملكة. وقد ظهر ذلك في الشهر الجاري بعدما قتل طيار سعودي متدرب ثلاثة أشخاص في قاعدةٍ بحرية في فلوريدا. إذ هبَّ ترامب -الذي سرعان ما يلقي بالاتهامات والانتقادات في الغالب على مرتكبي الهجمات المسلمين ومخاطر البلدان التي يأتون منها هُم أو آباؤهم- بوضوحٍ للدفاع عن الرياض.
وقال للصحافيين في أعقاب الهجوم: "إنهم متألمون للغاية في المملكة العربية السعودية. والملك سوف يشارك في رعاية عائلات الضحايا وأحبائهم. إنه يشعر بما حدث بعُمقٍ شديد. فهو مُحطَّم للغاية بسبب ما حدث. وكذلك ولي العهد. إنهما متألمان بشدة مما حدث في بينساكولا".
ورغم ظهور المزيد من الأدلة حول الهجوم، الذي يحقق فيه مكتب التحقيقات الفيدرالي باعتباره عملاً إرهابياً، ومع أنَّ بعض المسؤولين الجمهوريين الآخرين أصبحوا أكثر تأييداً لاتخاذ رد فعل عنيف، لم يوجِّه ترامب انتقاداتٍ تُذكَر إلى السعوديين، الذين أرسلوا المسلح المشتبه به إلى القاعدة البحرية الأمريكية في مهمةٍ تدريبية.
سر دفاع ترامب عن السياسة السعودية
ترامب يمنح العلاقات الأمريكية السعودية أولوية قصوى.
فهو يعتبر المملكة عميلاً متحمساً لشراء الأسلحة الأمريكية ووكيلاً مفيداً في مواجهة واشنطن مع إيران.
لذا جعل الرياض وجهةً لأولى زياراته الخارجية الرسمية بعد توليه الرئاسة، حيث شارك في افتتاح مركزٍ سعودي لـ "مكافحة الإرهاب". فيما أقام صهره جاريد كوشنر مجموعةً من العلاقات الشخصية والسياسية مع أبرز أفراد العائلة المالكة السعودية، لا سيما الأمير السعودي محمد بن سلمان.
وفي هذا الصدد، قال جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، لبعض زملائي في الشهر الجاري، متحدثاً عن علاقة ترامب بالسعوديين: "لقد قرر ترامب منذ فترة طويلة تقديم الدعم الكامل لهم. ولا أعتقد أن هناك أي ظرف سيدفعه إلى إعادة التفكير في ذلك".
ترامب يشكك في دور بن سلمان في اغتيال خاشقجي ولكن إدارته ملزمة بالكشف عن المتورطين
ويشمل دعم ترامب للسعوديين موقفه من رد فعل الحزبين الحاد على الدور الواضح لمحمد بن سلمان في اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في العام الماضي 2018.
فعلى عكس التقييمات التي توصَّلت إليها أجهزة الاستخبارات الأمريكية وآراء بعض المشرعين الجمهوريين الموالين له في القضايا الأخرى، أعرب ترامب عن شكوكه في مسؤولية محمد بن سلمان عن خطف خاشقجي وقتله.
وفي الشهر الجاري، واصل البيت الأبيض حماية محمد من سلمان من التعرُّض لغضبٍ أشد، إذ أزال من مشروع قانون الإنفاق الدفاعي بنداً يقتضي سحب التأشيرة الأمريكية فوراً من أي مسؤول سعودي يُعتبر مسؤولاً عن قتل خاشقجي.
لكنَّ مدير الاستخبارات الوطنية في إدارة ترامب سيتعيَّن عليه تقديم قائمة رسمية بالأشخاص المتورطين في مؤامرة قتل خاشقجي في غضون 30 يوماً من تصديق ترامب على مشروع القانون.
وقد قال مصدرٌ في الكونغرس لشبكة CNN الأمريكية: "هذه مجرد قائمة، لكنَّها بدون عواقب واضحة. كنا بحاجةٍ إلى أكثر من ذلك".
وأين ذهبت مئات المليارات التي تعهدت السعودية بدفعها؟
ورغم كل الحماية التي يقدمها ترامب إلى الرياض، لا يحصل إلا على قدر متواضع من المنافع الملموسة. إذ بدأ الفتور يصيب دعم السعوديين لمحاولة كوشنر الخيالية الرامية إلى تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وهذه ليست القضية الوحيدة التي لا تعد الشراكة فيها ورديةً كما يتباهى ترامب. إذ أشارت صحيفة The New York Times الأمريكية إلى أنَّ "الوعود الجيدة من بين الوعود السعودية لا تتجاوز بضعة وعود. فما زالت فعالية مركز مكافحة الإرهاب في الرياض موضع شك.
وبعد اقتراح إبرام صفقات أسلحة جديدة بقيمة 50 مليار دولار، لم يوقع السعوديون سوى خطابات اهتمام أو خطابات نوايا دون إبرام أي صفقات أكيدة. وكذلك فبعد اقتراح ضخ حوالي 100 مليار دولار من الاستثمارات في البنية التحتية الأمريكية، أعلن السعوديون استثماراً بقيمة 20 مليار دولار فقط".