في عام 2016، كانت السعودية تنوي لأول مرة اكتتاب أرامكو، عملاق النفط السعودي، فقد كانت المملكة، ذات الطابع الأكثر محافظة في العالم، قد وعدت بفعل ما لم تجرؤ أي دولة خليجية أخرى على فعله، أي فتح دفاتر شركة أرامكو للبترول المملوكة للدولة السعودية، والسماح لنظرائها في أرجاء العالم بالنظر فيها وفي النهاية منحهم نصيباً في درة تاج المملكة.
في ذلك الحين، كان رجال المصارف يحاولون الحصول على نصيب مما عرف بأنه "أكبر طرح أولي للاكتتاب العام"، وكانت الرياض تسعى لتثمين الشركة بتريليوني دولار، وتنظر في إمكانية طرح 5% من أسهمها في الأسواق العالمية لجمع 100 مليار دولار أمريكي.
تقول صحيفة Financial Times البريطانية إن السعوديين أعلنوا حينها أنهم أصبحوا مستعدين أخيراً للإقدام على إدخال إصلاحات اجتماعية واقتصادية إلى المملكة".
أقل من التوقعات
وبعد ثلاث سنوات مضطربات، بات بوسع الرياض الآن الإعلان رسمياً عن أكبر طرح للاكتتاب العام في العالم. غير أنه يأتي على نطاق أصغر بكثير مما كانت قد خططت له في الأساس. ذلك أن أرامكو لم تطرح سوى 1.5% من أسهمها في سوق المال المحلية الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول 2019، لتجمع على الأقل 25.6 مليار دولار أمريكي مع مشاركة متواضعة من المؤسسات الأجنبية التي لم تلكأت في المشاركة حتى بعد مراجعة التقييم ليصبح 1.7 تريليون دولار أمريكي.
تقول فاينانشال تايمز، بينما يجري التهليل للاكتتاب العام داخل المملكة لمسألة الطرح للاكتتاب العام، باعتبارها علامة فارقة لأكبر مصدر للنفط الخام في العالم؛ وباعتباره دليلاً على أنَّ الأمير محمد، الذي تولى منصب ولي العهد عام 2017، يمضي قدماً في الوفاء بعهد بإجراء إصلاحات في اقتصاد المملكة القائم بالأساس على النفط، وتحويل المملكة إلى دولة عصرية. غير أنَّ الأمر بالنسبة للعديد من الممولين المنهكين، الذين استهلكوا الكثير من وقتهم منذ عام 2017 في هذه العملية المتسمة بالتخبط، مثير للحيرة، بسبب التخفيض الشديد في النسب وبسبب إدراكهم أنهم ربما لن يحصلوا أبداً على الأموال التي حلموا بها.
وفي هذا الصدد يقول مصرفي بارز رفض الكشف عن اسمه كغيره ممن أجرت معهم الصحيفة الأمريكية مقابلات: "الأمر يسير على عكس ما كانوا يسعون إليه، أي جلب رأس المال الأجنبي"، وأضاف: "المسألة برمتها مسألة سياسية؛ وليست صفقة حقيقية".
حالة من التخبط
وتعد قصة طرح أسهم أرامكو للاكتتاب العام خير مثالٍ على حالة التخبط التي تعيشها السعودية منذ تعزيز الأمير محمد لسلطاته والهزة العنيفة التي أحدثها في المملكة منذ أنشأها جده الملك عبدالعزيز قبل 87. وهي قصة بدأت بالإعلانات الجريئة والطموحات العالية التي نتجت عنها توقعات كبيرة وتشكك عميق في آن واحد. الآن، وبعد أن أوشكت المرحلة الأولى لرؤية "السعودية 2030" التي وضعها الأمير محمد بن سلمان من الانتهاء، أصبحت هذه المرحلة إحدى الأهداف الاقتصادية التي لم تتحقق وشاهداً على تغيير المعايير الموضوعة للإصلاح مقارنة بمفارقة الإصلاحات الاجتماعية غير المسبوقة وتزايد الاستبداد في البلاد.
وهذه التوليفة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ولدت مشاعر متعارضة بين متفائلين يؤيدون ولي العهد تأييداً مطلقاً، ومتشائمين يخشون من أن يكون ضرر أسلوب قيادته "العنيف والأرعن"، أكبر من نفعه.
وقد صرح أحد رجال الأعمال المطلعين على شؤون الأسرة الملكية في السعودية أنَّ ما يحدث في المملكة "تطلعات مناسبة وصحيحة، غير أن المقاربات المتخذة في سبيل تحقيقها خاطئة". ويضيف: "حين تحاول أن تحقق الكثير من الأشياء في نفس الوقت، ينتهي بك الحال بأنك لا تنجز سوى القليل جداً من الأمور. هناك المئات من الأشياء التي يريد ولي العهد إصلاحها؛ وهذا يخلق بيئة من الإنهاك وانسداد الأفق".
غياب التقدم الاقتصادي
تقول الصحيفة الأمريكية إن غياب التقدم الاقتصادي يساعد في تفسير حرص الأمير محمد على استكمال طرح أسهم أرامكو خلال العام الجاري؛ ذلك لأنه يحتاج إلى تحقيق أي مكسب في هذا الجانب.
ويقول أحد أصحاب الشركات الأجنبية التي لديها عملاء سعوديون: "قبل طرح الأسهم للاكتتاب العام، تكشَّف للبعض أن جميع المشروعات الضخمة التي طرحت لم تؤد إلى أي عوائد تذكر وأن أداء الاقتصاد السعودي سيئ للغاية. وبات الناس يتساءلون "ماذا جرى لرؤية 2030؟". أما مع الطرح للاكتتاب العام، بات بوسعنا القول إن السعوديين لم يحققوا أياً مما قالوا إنهم سيفعلونه".
حققت المملكة بعض التقدم. ذلك لأن الأمير محمد أدخل إصلاحات اجتماعية لم يكن أحدٌ ليصدق أننا سنشهدها في السعودية. فقد أنهى الحظر على قيادة المرأة للسيارة؛ وفتح دور السينما؛ وخفف القيود المفروضة على سفر النساء دون إذن ولي؛ وحجَّم سلطات الشرطة الدينية التي كانت لها مهابة في قلوب الناس.
ووضعت قوانين جديدة للملكية الأجنبية والرهون والإفلاس. واتخذت الرياض القرار الذي كان يحمل حساسية سياسية من قبل بخفض الدعم على الوقود والطاقة للتخفيف من العبء المالي. وحين قدمت أرامكو تفاصيل دقيقة للمستثمرين للتسويق لسنداتها الأولية خلال العام الجاري، نُظر إلى هذا الكشف باعتباره "لحظة عظيمة" في منطقة ينظر لمسألة الكشف عن الدفاتر فيها بأنه أحد المحظورات الكبرى، وفقاً لمصرفي خليجي مخضرم.
غير أن الكثيرين يرون أن سلبيات الوضع ابتلعت إيجابياته؛ وتشمل تلك السلبيات عملية الاغتيال الصادمة للصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي لم يعثر على جثمانه المقطع بعد عام من اغتياله. كما دخلت العديد من الشركات السعودية في دوامة إثر عملية مكافحة الفساد التي بدأتها السلطات السعودية قبل اغتيال خاشقجي في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018. وشهدت حملة التطهير هذه احتجاز 300 من الأمراء وأباطرة المال والأعمال في المملكة في فندق ريتز كارلتون؛ الفندق ذاته الذي أقام فيه المصرفيون مع محمد بن سلمان قبل 11 شهراً من العملية لمناقشة اكتتاب أرامكو؛ وقد أدى احتجازهم إلى كسر حاجز الثقة الهش الذي كان لدى مجتمع الأعمال الرازح تحت الإجراءات التقشفية وإخفاق الدولة في سداد الفواتير المستحقة عليها.
ورسخت حملات منفصلة مدونين وناشطات وصحفيين ورجال دين وأكاديميين الاعتقاد بأن الرياض أصبحت أكثر قمعاً تحت حكم الأمير محمد بن سلمان. وقد حسمت تصرفاته أي جدل دائر سواءً كان حول طرح أرامكو للاكتتاب العام أو حول وتيرة الإصلاح؛ وسلطت الضوء بدلاً من ذلك على مخاطر الاستثمار في المملكة.
ولم يكن تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر الذي كان الأمير محمد يراهن عليه لدعم خططه قد تحقق على أرض الواقع بالفعل. وبدلاً من أن ينال الأمير محمد مراده، انخفض الاستثمار الأجنبي إلى 1.4 مليار دولار عام 2017. ورغم أنه عاد ليرتفع ويصل إلى 3.2 مليار دولار العام الماضي، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، فإن هذا المبلغ لا يزال أقل من نصف الاستثمار الأجنبي المباشر المتحقق عام 2016. في غضون ذلك، زاد استثمار الأموال السعودية خارج المملكة ثلاثة أضعاف بين عامي 2017 و2018 ليصل إلى 21.2 مليار دولار، وهو ما يعكس إنفاق الهيئات الحكومية، وخصوصاً صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادي، بالإضافة إلى المستثمرين في القطاع الخاص الذي ينقلون أموالهم إلى الخارج.
"ما نحتاجه ليس رأس المال وإنما الثقة"
ويقول رجل أعمال مطلع على شؤون الأسرة الملكية لصحيفة فاينانشيال تايمز: "كان بوسعه أن ينشر في البلاد طاقة الأمل بدلاً من طاقة الخوف… وألا يحيط نفسه بحاشية توافقه كل ما يقول. وكان من الممكن للقطاع الخاص في السعودية أن يجمع ما بين 200 و300 مليار دولار أمريكي؛ وما يعوزه ليس رأس المال وإنما الثقة".
وأضاف، مؤكداً على مخاوف رجال الأعمال السعوديين: "رأينا أصدقاءنا يحبسون في فندق ريتز، وشهدنا عجز الحكومة عن تسديد الفواتير المستحقة لنا عليها؛ والآن تريد منا أن نذهب إليها ونستثمر فيها؟"
يقر المسؤولون السعوديون بارتكاب أخطاء. غير أن هناك حالة من خيبة الأمل في الأوساط الرسمية السعودية لأن الأمير محمد لم يحظى من وجهة نظرهم بالثناء الكافي على ما قدمه في التعامل مع منظومة اقتصادية قائمة على الدولار البترولي وتولي الدولة شؤون جميع مواطنيها".
ويقول مسؤول سعودي بارز: "لا شك أننا مررنا بأوقات عصيبة حتى نصل إلى ما وصلنا إليه؛ وكان الأمر أصعب مما كنا نأمل". ويضيف: "لا يمكن لأحد أن يقلل مما تمكنا من تحقيقه. نحن نمر بحالة تغيير تدريجي؛ وعيون الجميع مسلطة علينا وتحاكمنا أثناء حدوث هذا التغيير".
أهداف أكبر من حجمها
غير أنَّ وضع أهداف مفرطة في الضخامة لهذا الحد كان من فعل الأمير محمد؛ الذي أقدم على ذلك في وقت كانت منطقة الخليج الغني بالنفط تكابد آثار الانخفاض الطويل في أسعار النفط الخام الذي تسبب في تحويل فوائض الميزانيات إلى عجز صارخ فيها. وكان ولي العهد واضحاً في أهدافه الرئيسية: إنهاء الدور الكبير الذي تلعبه الدولة وخلق وظائف في القطاع الخاص لشباب المملكة.
ووضعت خطة التحول الوطني، التي كُشف عنها عام 2016، بأهداف تتمثل في خفض نسبة البطالة من 11.6% إلى 9%، وخلق أكثر من 450000 فرصة عمل في القطاع الخاص وزيادة العوائد غير النفطية؛ مع خفض الرواتب في القطاع الحكومي من 45% إلى 40% من إجمالي الإنفاق الحكومي؛ كل هذا بحلول عام 2020. ولكن بات من الواضح أن العديد من الأهداف كانت غير واقعية وراجعت الرياض الخطة عام 2017، بإلغاء بعض الأهداف أو تأجيل الفترة الزمنية المقررة لتحقيقها بواقع خمس إلى عشر سنوات.
وكانت هذه إشارة مبكرة على ثقل المهمة. واليوم ترسم العديد من المؤشرات صورة مختلفة تماماً، وأصبح دور الدولة أقوى من أي وقت مضى. وبلغت نسبة البطالة 12.2% بعد أن ارتفعت ارتفاعاً قياسياً يبلغ 12.9% خلال العام الماضي. وزادت فاتورة رواتب القطاع العام لتصل إلى 50% من إجمالي الإنفاق المحلي، كما يتوقع أن يزيد عجز الموازنة العام القادم ليصل إلى 50 مليار دولار؛ بما يزيد بضعفين تقريباً على عوائد طرح أسهم أرامكو للاكتتاب العام. وزادت الحكومة من العوائد غير النفطية من خلال تطبيق ضريبة القيمة المضافة وفرض رسوم على العمالة الأجنبية، التي تهيمن على القطاع الخاص.
غير أن خطوة فرض رسوم على العمالة الأجنبية كانت خطوة مضعِفة للشركات التي تعتمد على العمالة الأجنبية الأزهد أجراً. كما أن خفض الدعم على الطاقة كان محل ترحيب من رجال الاقتصاد، غير أنه زاد من مصاريف الشركات وتسبب في خفض الطلب. وخفض صندوق النقد الدولي من توقعات النمو في إجمالي الناتج المحلي للسعودية خلال العام الجاري إلى 0.2% بسبب انخفاض أسعار النفط وخفض الإنتاج؛ حتى في ظل زيادة النشاط في القطاعات غير النفطية.
"نقاط عمياء"
ومن بين النجاحات التي يشير إليها المسؤولون الزيادة الملحوظة في النساء العاملات، لاسيما في مراكز التسوق، حيث دفعت الحكومة تجار التجزئة إلى تعيين سعوديين. ومع ذلك، فإن التقدم المحرز في هدف زيادة عدد النساء العاملات من 23% إلى 28% بحلول العام القادم ضئيل للغاية.
ويقول مسؤول سعودي: "اندفعنا لتحقيق الكثير من الأمور في وقت مبكر للغاية. كان لدينا الطاقة، والنجاح، والثقة، وكل شيء كان يسير على ما يرام. غير أننا حينها بدأنا نقول "دعونا نحقق تغييراً هنا، وتغييراً هناك". حينها خرجت الأمور عن النطاق المعقول. هل كان لدينا ما يكفي من الأشخاص للعمل على تحقيق كل هذه الأمور؟ لا، ولكننا صممنا على المحاولة".
خلقت عوامل أخرى "نقاط عمياء" على حد تعبير رجل الأعمال المطلع على شؤون الأسرة الملكية. وقال: "الخطأ الذي ارتكبه الأمير محمد كان أنه في كل مرة كان يزوره فيها شخص مثل لاري فينك (رئيس شركة بلاك روك)، كان يؤمن أن معجزة ما ستتحقق وأنه مستعد لصب مئات المليارات من الدولارات؛ في حين أنَّ الأشخاص من هذا القبيل لم يكونوا يطموحون إلا للحصول على قطعة من الكعكة.
استمر السلوك المتزلف أثناء عملية الطرح للاكتتاب العام، والتي أعيد إحياؤها بعد أن جذب طرح سندات أرامكو بقيمة 12 مليار دولار قدراً بارزاً من الاهتمام الأجنبي في أبريل/نيسان. دخل المصرفيون والمستشارون في خطوات معقدة لإعداد الخطة للوصول إلى تقييم قدره تريليوني دولار. وحين ساد اعتقاد أن وزير الطاقة خالد الفالح يقاوم الطرح للاكتتاب العام، جرى استبداله.
وفي لندن بدأ العمل في سبتمبر/أيلول على قدم وساق للوصول إلى أرامكو، واقترح مسؤولو البنوك استراتيجيات تسويق عنيف، وقال بعضهم إن الوصول إلى تقييم يزيد على تريليوني دولار أمر يمكن الوصول إليه. غير أن الجدل احتدم، وفقاً لمصادر مطلعة.
ما من شيء خارج الحدود في عهد محمد بن سلمان
حاولت الدائرة المقربة من ولي العهد إخراج موضوعات سياسية حساسة من قسم المخاطر الموجود في بيان الطرح للاكتتاب العام. واستشاط المسؤولون غضباً حين أفادت البنوك أن الطلب العالمي يعتمد على أن تكون التقييمات أقل من 1.5 تريليون دولار.
ومع ذلك، فإن تنفيذ الطرح رغم كل الشكوك التي أحاطت به يعد أثبت للبعض أنه ما من شيء خارج الحدود في عهد محمد بن سلمان.
وكتب الإعلامي السعودي عبدالرحمن الراشد: "السعودية ليست مضطرة إلى بيع سهم واحد من "أرامكو"، إنما الفكرة في حد ذاتها تعبّر عن أسلوب مختلف في إدارة الدولة. وهو أمر سيلحظه كل من يزور السعودية الآن وسبق له أن زارها؛ بلد يتغير كثيراً وفي كل نواحي الحياة والنشاطات المختلفة".
ولا يمكن بعد الحكم على الأثر الملموس للإدراج المخفض لأسهم الشركة. ويقول أحد المسؤولين التنفيذيين العاملين في الخليج: "الحكومة تنقل المال السعودي من مكان إلى آخر، وكل خوفي أن يتم استخدامه للاستثمار في الخارج، كالاستثمار في سوفت بنك الياباني؛ في الوقت الذي يفترض فيه خلق قطاعات داخل البلاد".
ومن المحتمل أن تتوقف الكثير من الأمور على صندوق الاستثمارات العامة؛ الذي سيتلقى العوائد على الطرح للاكتتاب العام والذي خضع لعملية تحول جذري ليصبح في واقع الحال الأداة التي يستخدمها الأمير محمد لقيادة عملية الإصلاح.
صندوق الاستثمارات ومزاحمة القطاع الخاص
يتولى ياسر الرميان، أحد المقربين إلى الأمير محمد والذي حل محل فالح رئيساً لشركة أرامكو، رئاسة الصندوق؛ ويتولى الصندوق في عهده مهمة تأسيس قطاعات جديدة داخل السعودية وقيادة مشروعات مثل مشروع مدينة نيوم المستقبلية الذي تبلغ ميزانيتها 500 مليار دولار. ووضع الصندوق بصمته على الساحة الدولية باستثمارات بارزة، تشمل ضخ 45 مليار دولار إلى صندوق رؤية سوفت بنك.
غير أن الدور الذي يلعبه الصندوق مثير للجدل. ويرى مؤيدوه أنه ضروري ليكون رأس الحربة في المشروعات التي لن يجرؤ القطاع الخاص على التصدر لها. ويمكن استخدام قوته المالية والسياسية لإنشاء قطاعات جديدة. أما منتقدوه فيشكون من أن وجوده يزاحم القطاع الخاص، ويعزز هيمنة الدولة، وأنه يقدم على مغامرات تنطوي على الكثير من المخاطر. البعض قلق من أن الحضور الطاغي للصندوق سيمتد ليشمل السيطرة على أرامكو، مع وجود خطر أن يستخدم شركة النفط كبقرة حلوب لدرّ الأموال.
وفي هذا الصدد يقول رجل أعمال سعودي: "صندوق الاستثمارات العامة يهمين على كل شيء حولنا، ولم نعد قادرين على التنفس في وجوده".
ثمة إشكال آخر يتفق عليه المشككون والمتفائلون: في ظل اكتمال طرح أسهم أرامكو للاكتتاب العام، فإن الاختبار الأخير لقدرات الأمير محمد سيكون في تحقيق المرحلة التالية المتمثلة في بناء اقتصاد قوي.
وفي هذا الصدد يقول ستيفن هيرتوغ، الخبير في الشؤون الخليجية لدى كلية لندن للاقتصاد: "الشباب السعودي المتحضر يشعر بسعادة بالغة ويشعر أنه يدين للقيادة السعودية بالكثير". غير أن هيرتوغ يحذر من أن "الإصلاحات الاجتماعية ثمرة دانية القطاف" وأن خلق وظائف كافية لتغطية نسبة البطالة البالغة 30% في أوساط الشباب السعودي مهمة أصعب.
ويضيف: "ما الإنجاز المهم التالي يا تُرى؟ المشروعات الضخمة ستستغرق الكثير من الوقت ويرى بعض السعوديين أن صندوق الاستثمارات العامة يمكن أن يدخل في الكثير من المغامرات المالية، أو ما يُسمى في علم الاقتصاد بـ "مشروعات الأفيال البيضاء".