الهجوم الذي نفذه ضابط في سلاح الجو السعودي كان يلقى تدريبه بقاعدة عسكرية أمريكية وأودى بحياة ثلاثة أفراد وجرح آخرين فتح الباب على أسئلة كثيرة حول أسباب وكيفية اختيار سعوديين لبرامج التدريب العسكري في الولايات المتحدة، وهل يمكن أن يؤدي الحادث إلى انعكاسات سلبية على تلك البرامج؟
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية نشرت تقريراً فصلت فيه تلك البرامج وأجاب عن الأسئلة بعنوان: "السعوديون يذهبون للتدريب العسكري الأمريكي منذ عقود. إليكم السبب والطريقة".
على ماذا يتدرب السعوديون؟
كان الطالب العسكري السعودي الذي قتل ثلاثة أشخاص في هجوم بسلاح ناري يوم الجمعة 6 ديسمبر/كانون الأول في قاعدة بحرية بفلوريدا جزءاً من برامج التدريب العسكري الأمريكية التي تعود إلى عقود في القواعد والكليات. يتلقى الضباط العسكريون، الذين ينتقيهم رؤساؤهم بعناية في بلدانهم الأصلية، تدريباً على عقيدة الجيش الأمريكي وتكتيكاته -مثل كيفية استخدام الأسلحة الأمريكية الصنع، التي غالباً ما تشتريها بلدانهم- ويدرسون كذلك النظم السياسية والقانونية الأمريكية.
وقد تبنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) وصناعة الدفاع وغيرهما من الهيئات، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية هذه البرامج واعتبرتها وسيلة مهمة لدعم الحلفاء وتعزيز الشراكات العسكرية والحفاظ على قنوات موثوقة لبيع الأسلحة الأمريكية.
ولكن بعد هجوم يوم الجمعة، طرح بعض المشرعين الأمريكيين تساؤلات حول عمليات التحري المعمول بها عن هؤلاء المتدربين. وإليكم ما تحتاجون إلى معرفته.
كم عدد السعوديين في هذه البرامج الأمريكية؟
كان الرجل الذي نفذ هجمات يوم الجمعة، أحمد محمد الشمراني، في قاعدة بنساكولا الجوية البحرية مسجلاً على تأشيرة ضمن أكثر من 5500 تأشيرة مؤقتة أصدرتها وزارة الخارجية الأمريكية لأفراد عسكريين سعوديين عام 2019، وفقاً لبيانات الوزارة. واعتباراً من يوم الجمعة، كان يوجد 852 سعودياً في الولايات المتحدة للمشاركة في تدريب مرتبط بالتعاون الأمني برعاية البنتاغون. ويمثل هذا الرقم 16% من الطلاب البالغ عددهم 5181 طالباً من 153 دولة مشاركة في هذه البرامج، وفقاً للمتحدث باسم وزارة الدفاع كريس غارفر. وقاعدة بنساكولا هي واحدة من ضمن أكثر من 150 مدرسة ومنشأة عسكرية يدرس بها هؤلاء الطلاب سنوياً.
وبصفة عامة، بين عامي 2009 و2018، أصدرت وزارة الخارجية أكثر من 980 ألف تأشيرة مؤقتة للمواطنين السعوديين من غير المهاجرين، وهو أعلى معدل لأي دولة في الشرق الأوسط بعد إسرائيل. وكانت معظم هذه التأشيرات للطلاب والسياح، رغم أن بعضها ذهب أيضاً إلى أفراد عسكريين.
ويُذكر أن السعودية هي أحد المستفيدين الرئيسيين من المساعدات العسكرية الأمريكية، وهي عنصر أساسي في العلاقات الجيوسياسية والاقتصادية التي استمرت لعقود من الزمن بين واشنطن والرياض والتي شكلت جزئياً مسار الشرق الأوسط.
وفي السنوات الأخيرة، شاركت السعودية بجزء كبير من تمويل طلابها في هذه البرامج من خلال المبيعات العسكرية الخارجية وعقود أخرى، وفقاً لدائرة أبحاث الكونغرس.
ماذا يدرسون؟
كان الشمراني في قاعدة بنساكولا ضمن دورة تدريبية برعاية المبيعات العسكرية للقوات الجوية الأمريكية بتمويل من السعودية. وقد بدأ تدريبه عام 2017، وكان من المفترض أن يكتمل في أغسطس/آب عام 2020. وشمل البرنامج التدريب على اللغة الإنجليزية وقواعد الطيران الأساسية ومهام الطيار.
كما درس طلاب عسكريون من كينيا ونيجيريا وتوغو والهند وعمان وتونس وفيجي وهايتي وإندونيسيا وماليزيا وموريشيوس والفلبين في قاعدة بِنساكولا كذلك، وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية.
تعد السعودية واحدة من أكبر الدول التي تشتري الأسلحة في العالم، وتُصنع العديد من هذه الأسلحة في الولايات المتحدة. وفي قاعدة بنساكولا الجوية البحرية، يمكن للأفراد العسكريين الأجانب تلقي تدريب على طائرات مثل المقاتلة F-15 وطائرة الشحن C-130، وهي من بين العناصر التي اشترتها السعودية.
وقد شملت دورات دراسية أخرى مقدمة للسعوديين في هذه البرامج تدريباً على القيادة لكبار ضباط البحرية، حسبما ذكر دان لاموث من صحيفة The Washington Post.
كيف تجري عملية التدقيق والتحري؟
ترشح الدولة الأجنبية الأفراد العسكريين للالتحاق بالتدريب الأمريكي الذي تشرف عليه وزارة الدفاع أولاً ثم يخضعون لتقييم مسؤولي البنتاغون. وقال مسؤولون إن عملية التدقيق تشمل فحصاً داخل البلاد وفحصاً لقواعد البيانات بحثاً عن أي علاقة قد تربط هؤلاء بأنشطة إرهابية وتهريب مخدرات وفساد وأي سلوك إجرامي آخر.
يقول النائب مات غايتس (وهو نائب جمهوري عن ولاية فلوريدا)، لصحيفة USA Today: "يبدأ البرنامج بتصديق الحكومة الأجنبية على أن هؤلاء هم أفضل من لديها، وأن هؤلاء هم جنرالات وقادة وكبار ضباط المستقبل في بلدانهم. وتتحرى وزارة الخارجية الأمريكية جيداً عن هؤلاء المتدربين المرشحين، وبعدها يلتحقون بالبرنامج".
وأضاف: "هذا جزء مهم حقاً مما يفعله جيشنا لأنه يضم أشخاصاً يستخدمون أنظمتنا ويتدربون جنباً إلى جنب مع أفراد جيشنا. وهم أكثر تقبلاً ومهارة واستعداداً للعمل معنا عندما يحين الوقت، في حالة تأثر المصالح الأمريكية".
ما المشكلات التي واجهتها هذه البرامج؟
في وقت سابق من هذا العام، ألغى البنتاغون برنامج تدريب للطيارين الأفغان في تكساس، بعد أن قالت تقارير إن 40% من الطلاب تغيبوا دون إجازة. وأُعيد الأفغان الذين لم يتركوا الدورة التدريبية إلى أفغانستان لاستكمال تدريبهم.
ويواجه برنامج مماثل للطيارين الأفغان في قاعدة جوية في جورجيا معدلات تخلف عن الحضور مرتفعة كذلك، ومن المتوقع أن ينتهي العام المقبل.
وقد انتقد البعض هذه البرامج لعدم تركيزها بدرجة كافية على التطرق إلى قضايا مثل حقوق الإنسان أو لمساعدتها في تدريب ضباط يدعمون الأنظمة الاستبدادية.
إذ يعد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وهو جنرال ووزير دفاع سابق، أحد القادة العسكريين والسياسيين البارزين الذين درسوا في الولايات المتحدة ضمن هذه البرامج. وتربطه علاقات وثيقة مع إدارة ترامب في الوقت الذي يشن فيه حملات قمع وحشية على المعارضة في مصر.
وكانت الولايات المتحدة تدير لسنوات ما كان يُطلق عليه سابقاً "مدرسة الأمريكتين"- المعروفة الآن بمعهد Western Hemisphere للتعاون الأمني- وهي قاعدة تدريب باللغة الإسبانية لجنرالات أمريكا اللاتينية وضباطها. وتضم قائمة الخريجين من هذه البرامج بعض القادة السياسيين والعسكريين في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي المتهمين بانتهاك حقوق الإنسان في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مثل طاغية بنما السابق مانويل أنطونيو نورييغا وقائد فرق الموت السلفادوري روبرتو دي أوبيسون. وقد أُغلقت مدرسة الأمريكتين عام 2000 وتغير اسمها، وتجددت مناهجها الدراسية.
وكتب مركز أبحاث الكونغرس عام 2001: "بحسب النقاد، كان بعض ممن تخرجوا في هذه المدرسة من منتهكي حقوق الإنسان. وأكدوا أن التحري عن هؤلاء الجنود الذين وقع عليهم الاختيار للمشاركة لم يكن كما ينبغي، وكانت النتيجة أن بعض الطلاب والمدربين جاءوا إلى مدرسة حتى بعد تورطهم في انتهاكات حقوق الإنسان. تناولت التقارير أشكالاً من الإكراه ضد الثوار، من بينها الإعدام والتعذيب".
ما تبعات هجوم الشمراني؟
حتى الآن، دعا بعض المشرعين إلى إصلاح عملية التحري عن المرشحين للانضمام للتدريب ودعوا السعودية إلى تعويض الضحايا.
وفي الوقت نفسه، كانت نبرة الرئيس ترامب تصالحية نسبياً على موقع تويتر حول حادث إطلاق النار بعد حديثه مع الملك سلمان.
وقال في تغريدة: "قال الملك إن الشعب السعودي غاضب للغاية من تصرفات المعتدي الوحشية، وإن هذا الشخص لا يمثل بأي شكل من الأشكال مشاعر الشعب السعودي الذي يحب الشعب الأمريكي".
ويُذكر أن ترامب تربطه علاقات وثيقة بالسعودية، رغم ما خلصت إليه المخابرات الأمريكية بأن ولي عهد المملكة كان وراء اغتيال جمال خاشقجي، كاتب مقالات الرأي في صحيفة The Washington Post، عام 2018، الذي كان منتقداً لبعض السياسات السعودية ومناصراً للديمقراطية في المنطقة.