في عام 2008، أذهل الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، العضو البارز في الأسرة الحاكمة في إمارة أبوظبي، كرة القدم الإنجليزية بالاستحواذ على نادي مانشستر سيتي مقابل 150 مليون جنيه إسترليني. وبعد ذلك بوقتٍ قصير، بدأت حالةٌ من التوتر بين كبار الشخصيات في الإمارة.
إذ كان سليمان الفهيم، الإماراتي البارز الذي توسط في صفقة البيع، يتباهى بأموال الشيخ منصور الطائلة بينما كان يعيش بنفسه حياةً منغمسة في الملذات، حيث كان يقود سيارات رياضية فارهة ويقيم صداقاتٍ مع شخصيات شهيرة، من بينها باميلا أندرسون التي اشتهرت بدورها في مسلسل Baywatch. ومع تزايد عناوين الصحف التي تتحدث عن ذلك الوضع، بدأ تهميش فهيم بينما سعت أبوظبي إلى تغيير هذه السردية، كما تقول صحيفة The Financial Times البريطانية.
من الرجل التالي؟
آنذاك، استعين بفريقٍ جديد للسيطرة على الأمور بقيادة خلدون المبارك، الذي كان نجماً صاعداً آنذاك في مركز هيكل القوة في الإمارة والذي أضاف رئاسة نادي كرة قدم إلى مجموعة مسؤولياته المتزايدة.
وفي العقد الذي تلا ذلك، تحول مانشستر سيتي إلى نادٍ لامع متوَّج ببطولاتٍ في صدارة الأندية المملوكة لشركة City Football Group التي أصبحت أكبر المجموعات الرياضية قيمةً في العالم. وفي الأسبوع الماضي، باعت أبوظبي حصة بقيمة 500 مليون دولار من الشركة -التي تملك نادي مانشستر سيتي وحصصاً في أندية أخرى من الولايات المتحدة إلى أستراليا- لشركة Silver Lake الخاصة في صفقةٍ قدَّرت قيمة City Football Group بمبلغ 4.8 مليار دولار.
ولم يكن إشراف المبارك على الصفقة مفاجأةً لأولئك الذين يتابعون النفوذ المتزايد لأبوظبي -أغنى إمارة بين الإمارات السبع في البلاد- في عالم الرياضة والأعمال والسياسة.
أقوى رجال أبوظبي
تقول فاينانشيال تايمز: صحيحٌ أنَّ المبارك كان في الثالثة والثلاثين من عمره فقط حين أبرِمَت صفقة بيع مانشستر سيتي الأولى، لكنه كان بالفعل أحد أقوى الشخصيات في الإمارة، حيث كان يدير محافظ بمليارات الدولارات، وكان رجلاً لا بد أن يلتقي به مهندسو الصفقات الذين كانوا يتوافدون إلى أبوظبي بحثاً عن الاستثمار.
ويعد المبارك أحد أقرب المستشارين للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي والقائد الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتشمل أدواره المتعددة إدارة "صندوق مبادلة" -وهو صندوق استثمار سيادي بقيمة 230 مليار دولار- وتولِّي رئاسة برنامج أبوظبي للطاقة النووية. فيما اضطلع بدور أساسي كذلك في مشروع تطوير جزيرة ياس الترفيهية، التي استضافت يوم الأحد الماضي 1 ديسمبر/كانون الأول آخر سباقات الجائزة الكبرى لفورمولا 1 لهذا الموسم، بتكلفة 40 مليار دولار.
وكذلك فالنهج الدقيق التحليلي الذي يتسم به المبارك يجعله واحداً من المفاوضين المميزين، وفقاً لأولئك الذين تفاوضوا معه. وبالرغم من مسؤولياته الكثيرة، يزور المبارك -الذي تخرَّج في جامعة تافتس في ولاية بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية- نادي مانشستر سيتي بانتظام، في حين أنَّ الشيخ منصور لم يزُر النادي سوى مرة واحدة.
رجل بمهمات كبيرة متعددة
وسرعان ما أصبح مانشستر سيتي مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالإمارة. وفي وقت الصفقة، كانت أبوظبي تستعد لإطلاق نفسها على المسرح العالمي بعددٍ من المشروعات الضخمة التي تقدر بمليارات الدولارات، لكنها كانت حريصةً كذلك على إدارة صورتها وتجنُّب دخولها في مقارنات مع إمارة دبي الأكثر صخباً وطيشاً.
وتعزَّز ملف المبارك الشخصي بمشاركته في صفقةٍ لاستيراد الغاز الطبيعي من قطر للمساعدة في تغذية طفرة النمو التي شهدتها البلاد في العقد الأول من القرن الحالي، ومنع حدوث عجز في الطاقة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
إذ كُلِّف صندوق مبادلة آنذاك بقيادة جزء كبير من التطوير، مع تفويضٍ لتحويل الثروة النفطية إلى استثمارات دولية، وتنمية الصناعات المحلية في الوقت نفسه لتوليد عائداتٍ غير نفطية وخلق فرص عمل للإماراتيين.
ويعد المبارك كذلك ممثلاً رئيسياً للشيخ محمد في سنغافورة والصين، اللتين تربطهما علاقات متزايدة مع أبو ظبي.
عائلة دبلوماسية
هذا ويشير تاريخ عائلة المبارك إلى أنَّه كان مُقدراً له منذ طفولته العمل في الخدمة العامة. فمع انتقال السلطة بطريقةٍ باتريمونالية عبر الأجيال في العائلات الإماراتية، عادةً ما يلجأ الجيل الجديد من القادة إلى أبناء مستشاري آبائهم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ خليفة، والد خلدون المبارك الذي اغتيل في باريس عندما كان خلدون طفلاً، كان دبلوماسياً في السودان وسوريا وفرنسا. فيما كان جده كبير قضاة أبوظبي.
لذا اهتمت العائلة الحاكمة برفاهية أسرته وتعليمها. إذ قال أحد أصدقائه: "بالطبع، كان عليهم رعاية عائلة شخصٍ شهيد"، حسب تعبيره.
وكذلك يضطلع اثنان من إخوته بأدوارٍ بارزة أيضاً: إذ يشرف أخوه محمد على قطاعي السياحة والثقافة في أبوظبي، بينما تدير شقيقته رزان هيئة البيئة في الإمارة.
عقبات مهنية
غير أنَّ خلدون واجه بعض العقبات في مسيرته المهنية. إذ احتاجت شركة الدار العقارية، وهي شركة تطوير عقاري كبرى مملوكة جزئياً لصندوق مبادلة، إلى كفالة إنقاذ مالية بقيمة 10 مليارات دولار في أعقاب الأزمة المالية العالمية. فيما واجهت استثماراتٌ أخرى بعض التعثُّرات. بالإضافة إلى أنَّ ملكية صندوق مبادلة لشركة Global Foundries المتخصصة في صناعة أشباه الموصلات جعلت أبوظبي عرضةً لخسائر كبيرة، وفقاً لما ذكره بعض المصرفيين.
وكذلك تعرَّضت صورة أبوظبي للتشويه بسبب مشاركتها في الحرب المدمرة في اليمن، ودورها في الصراع في ليبيا، والحصار المفروض على قطر، وحكومتها ذات الاستبداد المتزايد التي تتسم بعدم التسامح على الإطلاق مع المعارضة.
غير أنَّ المبارك تجنَّب الجدل، ونجح في قيادة صندوق مبادلة نحو تحقيق استفادةٍ في أوقات الأزمات. ففي أثناء فضيحة صندوق 1MDB، اتهم الادعاء الأمريكي بعض المسؤولين التنفيذيين في أبوظبي بتلقي رشاوى في إطار مؤامرة لاختلاس مليارات الدولارات من الصندوق السيادي الماليزي. لذا دُمجت شركة آبار، وشركتها الأم "آيبيك" -الشركتان الإماراتيتان المتورطتان في عملية الاحتيال اللتان كانتا تحت إشراف الشيخ منصور- في صندوق مبادلة.
وقال أحد المصرفيين في هذا الصدد: "صندوق مبادلة لديه عمليات أفضل لكنَّ أصوله أقل قيمةً. لذا يعد الدمج قراراً جيداً من أبوظبي". ويعد هذا الدمج للعديد من صناديق الاستثمار الحكومية تحت إشراف المبارك عنصراً في عملية إعادة الهيكلة الأوسع لتنظيم إدارة الشبكة المترامية الأطراف من المؤسسات المملوكة للدولة داخل أبوظبي.
وتجدر الإشارة إلى أن صندوق مبادلة يُمثِّل في الوقت الحالي قاعدة دعم رئيسية في أبوظبي، إلى جانب شركة أدنوك الحكومية للنفط، وجهاز أبوظبي للاستثمار، الذي يعد الصندوق السيادي الرئيسي، وشركة قابضة جديدة تضم أصولاً أخرى مثل المطار. إذ قال المصرفي: "صندوق مبادلة يمثِّل إحدى ركائز الاقتصاد. ومن بعد الأسرة الحاكمة، يعد (المبارك) هو الأول بين نظرائه".