"شباب مصري يتولى مناصب تنفيذية"، كانت هذه السمة الرئيسية لحركة التغيير بالمناصب الرئيسية للمحافظات التي اعتمدها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مؤخراً في إطار ما يعرف بالدفع بالشباب المصري لتقلد مناصب تنفيذية.
وليست هذه الأولى ولا الأخيرة، التي يتم الدفع بالشباب المصري لتقلد مناصب تنفيذية، ولكن هذه المرة اكتسب الأمر زخماً إعلامياً، يعطي انطباعاً أن الأمر مؤسسي وأن الشباب المدفوع به مؤهل أكثر من المرات السابقة، في المقابل أثيرت انتقادات وتساؤلات حول خبرة هؤلاء الشباب والصلاحيات الممنوحة لهم.
فمن أين جاء هؤلاء الشباب وهل هم مؤهلون لتولي هذه المناصب الرفيعة؟، وهل بات سقف المناصب مفتوحاً لهم ليشمل تولي مناصب وزراء أو نواب وزراء، بعدما تولوا مناصب نواب محافظين في الحركة الأخيرة؟
الدفع بالشباب المصري لتقلد مناصب تنفيذية رفيعة.. بابان لا ثالث لهما
بابان اثنان لا ثالث لهما، يمثلان الطريق المفتوح للدفع بالشباب المصري لتقلد مناصب تنفيذية رفيعة.
الأول: هو البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب.
والثاني: تنسيقية شباب الأحزاب.
وهاتان الجهتان الوحيدتان للحصول على تأشيرة المرور إلى شغل المناصب التنفيذية في الدولة، حسبما قالت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست".
وتوقع مصدر بتنسيقية شباب الأحزاب، أن تستمر الحكومة المصرية في تعيين المزيد من الشباب في مناصب تنفيذية أعلى خلال الفترة المقبلة.
وكشف المصدر لـ"عربي بوست": أن "الحركة القادمة في التعديلات الوزارية بحكومة مصطفى مدبولي ستشهد الاستعانة ببعض الشباب من خريجي البرنامج الرئاسي كنواب للوزراء".
هذه هي الجهة المسؤولة فعلياً عن التعيين.. أولاد أحمد شعبان
إلا أن الجهاز المسؤول فعلياً عن تعيين الشباب عبر هاتين الجهتين، هو "جهاز المخابرات العامة" المنوط به العملية برمتها، باعتباره صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، وفق مصدر إعلامي مقرب من الجهاز.
وأضاف المصدر لـ"عربي بوست": أن "المقدم أحمد شعبان، مدير مكتب اللواء عباس كامل، رئيس الجهاز، كان هو المسؤول عن اختيار هؤلاء الشباب، وتربطه بهم علاقات قوية".
وأوضح: أن "شعبان، الذي رحل بشكل نهائي عن الجهاز، وتم تعيينه كمستشار إعلامي للملحق العسكري في السفارة المصرية باليونان، كان قد اكتسب شهرة واسعة بين شباب التأهيل الرئاسي".
وأكد أن "شعبان كان يتمتع بشعبية عريضة في صفوفهم، حتى أنه كتب على صفحته على فيسبوك قبل أيام بالتزامن مع تعيين بعضهم كنواب محافظين، ونعتهم "بأولادي"، على الرغم من أنه لم يتجاوز الأربعين بعد من عمره، أنه فخور بهم".
على الجهة الأخرى، تقود الصحفية في موقع الأهرام الصحفي الحكومي، أميرة عاطف العادلي، التي تفضل مخاطبتها بأميرة العادلي فقط، دون اسم والدها الراحل، لخلافات كبيرة كانت معه، الدفة في مركب تنسيقية شباب الأحزاب.
وأوضح مصدر بالتنسيقية أن "العادلي، التي تعد بمثابة البنت المدللة للواء عباس كامل، عملت بشكل ناجح في إدارة التنسيقية، وأن غالبية الاجتماعات إما أن تعقد في مبنى المخابرات، أو في فنادق تابعة لها، وتضع تقاريرها كلها على مكتب "عباس".
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، احتفلت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، بمرور عام على تدشينها بشكل رسمي، والتي تضم أكثر من 25 حزباً سياسياً و11 من الشباب السياسيين.
خطة للهيمنة على المناصب التنفيذية لـ20 عاماً قادمة
وشهدت حركة المحافظين الأخيرة في مصر، الأسبوع الماضي، تغيير 16 محافظاً، وتعيين 23 نائباً جديداً، بينهم 8 نواب محافظين من البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب، و5 من تنسيقية شباب الأحزاب.
وقال رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، في تصريحات صحفية، أعقبت أداء هؤلاء الشباب لليمين أمام رئيس الجمهورية، "أن الفترة المقبلة ستشهد الدفع بمزيد من الشباب للعمل فى كل المجالات".
ولفت إلى أن "تعيين شباب نواب للمحافظين سيتيح على الأقل توافر من ١٥ إلى ٢٠ محافظاً مؤهلاً في بضع سنوات، ويكون عمرهم أقل من ٤٠ عاماً".
ومن المقرر أن تبدأ الأكاديمية الوطنية للتدريب في تدريب الدفعة الرابعة من البرنامج خلال الفترة المقبلة، وذلك بعد الانتهاء من تخريج 3 دفعات منذ تأسيس الأكاديمية.
وقالت المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب، د. رشا راغب، إنه تم قبول 80 متقدماً للبرنامج الرئاسي لتأهيل التنفيذيين للقيادة من أصل 11 ألف متقدم.
مواجهة دولة مبارك
وحول ما إذا ما كانت الفكرة أشبه بمحاكاة تجربة جمال نجل الرئيس الأسبق، حسني مبارك، جمعية جيل المستقبل، قال المصدر لـ"عربي بوست": "تتقاطع التجربتان في رغبة النظامين في خلق جيل موال للنظام وليس للوطن، والتخلص من الجيل القديم".
وكشف أن "الرئاسة ترفض أو تماطل في إجراء انتخابات المحليات لحين تخرج أكبر قدر من الشباب من البرنامجين لاكتساح الانتخابات، وتعيينهم رؤساء للمراكز (المدن)؛ خاصة أن هناك مخاوف من إجرائها وتمكن رجال دولة مبارك من اجتياحها".
وقال إن "إنتاج كوادر سياسية تحت أعين السلطات يساعدها على اجتياز معضلة الحيرة في اختيار المحافظين، ورؤساء المدن وأجهزتها، والوزراء، ويجعل الخيارات أكثر سهولة، مع إبعاد شبح رجال دولة مبارك من المشهد".
تمكين للشباب لا تجميل
يقول نائب محافظ الدقهلية، هيثم الشيخ، أحد أعضاء تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، إن "مبادرة الدولة لتمكين الشباب لم تأت في يوم وليلة، وإنما وفق خطوات مدروسة، وبرنامج تخلله الكثير من النشاطات والفعاليات".
وبشأن إذا ما كانت تلك المناصب بهدف تجميل صورة الشباب أم تمكين الشباب، قال الشيخ لـ"عربي بوست": "هي مناصب حقيقية، وإلا ما كانت اهتمت بها الدولة، وخضعنا لكل هذا الكم من التدريب المستمر".
وأكد أن "هذه المناصب يتمتع أصحابها بلا شك بصلاحيات تنفيذية، وليست صلاحيات ورقية، أو وهمية، وتهدف لتمكين الشباب"، ولم يستبعد أن يتم تعيين نواب للوزراء في التعديل الوزاري المقبل "لأنه توجه الدولة السائد".
هكذا بدأت الفكرة
بدأت فكرة البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، استجابة لمبادرة الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، في سبتمبر/أيلول عام 2015؛ بهدف إنشاء قاعدة قوية وغنية من الكفاءات الشبابية لتكون مؤهلة للعمل السياسي، والإداري، والمجتمعي بالدولة.
وتبلغ مدة الدراسة في البرنامج 8 أشهر كاملة، ومن شروط الالتحاق أن يكون المتقدم حاصلاً على مؤهل جامعي، وأن يكون سنه من 20 إلى 30 عاماً، وأن يكون حسن السير والسلوك (لم يسبق اتهامه في جرائم مخلة بالشرف).
هذا عن الشروط المعلنة، أما عن الشروط غير المعلنة للقبول، فهي مرور سيرته الذاتية بتحريات من قبل جهاز الأمن الوطني، والأولوية للمتقدمين من أبناء السياسيين، أو المسؤولين الحاليين أو السابقين، أو رجال الدولة الإداريين المعروفين بولائهم للنظام، وفق المصدر.
صناعة انتماء للنظام وليس الوطن
وفي تقييمه لهذا التحرك من قبل السلطات المصرية، يقول أحمد عبدالعزيز، المستشار الإعلامي للرئيس الراحل محمد مرسي: "إن صناعة هذه (القيادات) من جيل الشباب يحقق للسيسي الذي عزل رئيسه المنتخب عدة أهداف"، حسب ما قال لـ"عربي بوست".
وعدد هذه الأهداف من وجهة نظره بالقول:
أولاً: تكوين مستوى (قيادي) يدين بالولاء المطلق للسيسي باعتباره هو الذي أتاح الفرصة لهؤلاء الشباب؛ كي يكونوا رموزاً ونجوماً في الإعلام والمجتمع.
ثانياً: "طبيعة الدورات التي يتلقاها هؤلاء الشباب تصنع منهم (مخبرين)، أو عملاء سريين للسيسي، أو عيوناً له على قياداتهم من الوزراء والمحافظين"، حسب تعبيره.
"ثالثاً: تكريس فكرة (الانتماء للنظام) عند الشباب، وليس للوطن، لاسيما الشباب الذي يطمح إلى الانعتاق من مذلة البطالة، وأن يكون رهن إشارة النظام، الذي جعل منه شخصاً ذا حيثية أدبية، في المجتمع، وأغدق عليه امتيازات، لم يكن يحلم بها."، حسب تعبيره.
وتابع: "وأخيراً، وليس آخراً، خلق وتصنيع صورة للسلطة مغايرة لتلك الصورة التي ترسخت في أذهان العالم عن ممارساته القمعية بحق الشباب الثوري، لاسيما الفتيات بسبب آرائهم ومواقفهم المناهضة للانقلاب على إرادة الشعب في يوليو 2013، أو حتى المعارضة له على استحياء".
ليسوا سياسيين
الناشط السياسي، أحمد البقري، وأحد نشطاء ثورة 25 يناير، رفض إطلاق مسمى سياسيين على خريجي برنامج التأهيل الرئاسي، قائلاً: "السيسي لا يصنع سياسيين؛ لأنه لا يعرف معنى السياسية أصلاً، فقد لخصها، عندما قال: "أنا مش سياسي بتاع كلام"، فكل ما يعرفه الجنرال عن السياسية أنها كلام وليست علماً وفناً تدار به الدول".
وأضاف البقري لـ"عربي بوست": أن "السيسي مرحلة وستمر، وهو يعتمد على الجيش بعد أن ورطه في وحل السياسية والاقتصاد، ورهن بقاءه ببقاء الجيش، وصور للجيش أن رحيله سينعكس على المؤسسة العسكرية بخسارة فادحة، وهذا غير صحيح".
وانتقد فكرة الولاء للنظام لا للوطن، قائلاً: "دولة السيسي تقوم على الولاء للجنرال وليس الكفاءة"، مشيراً إلى أن "السيسي يحاول تصحيح صورته التي اهتزت مؤخراً من قبل الدولة العميقة، وهو ما يبرر ما يحدث الآن من تغيرات في ساحة الإعلام وغيره".
لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
توافق « عربي بوست » أحياناً على عدم التعريف بأسماء مصادر تقدم معلومات حساسة لقرائنا. وبموجب إرشادات الموقع، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر وذات مصداقية، وأننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، وبعضهم يتساءلون ما إذا كانت هذه المصادر موجودة أصلاً. لكن لدينا قواعد وإجراءات لمحاولة معالجة هذه المخاوف.
فبالإضافة إلى المراسل، يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر. ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم أو من ينوب عنه قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. وعندما تكون القصة مبنية على معلومة مركزية من مصدر مجهول، فيجب الموافقة عليها بشكل عام من قبل رئيس التحرير.
نحن نتفهم حذر القراء، ولكن لا يمكن أبداً الحصول على المعلومات حول العديد من القصص المهمة في مجالات حساسة، مثل السياسة والأمن القومي والأعمال، إذا استبعدنا المصادر غير المعرّفة. فالمصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية. حتى في بعض الأحيان من أجل سلامتها.
يعتقد بعض القراء أن المصادر تكون أكثر صدقاً إذا تم نشر أسمائها، ومن غير المرجح أن يكذبوا إذا تم الكشف عن هويتهم. إلا أن المراسلين في العديد من المناطق يعرفون أن العكس هو الصحيح. فالمصادر في المناصب الحساسة غالباً ما سيتحدثون ببساطة بحسب التوجهات الرسمية. وسيكونون صريحين فقط إذا كانوا يعرفون أن أسماءهم لن يتم الكشف عنها.