على أرض ما يمكن وصفه بأغلى شارع في العالم، يوجد منزلٌ بارز يخص سيدة عربية شغلت الرأي العام منتصف العام الحالي بانفصالها عن حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، إنها الأميرة هيا بنت الحسين التي تكررت التساؤلات عن سبب انفصالها عن زوجها، دون معرفة السبب الأساسي لهذا الطلاق.
وبين مساكن السفراء والقصور الجورجية الفخمة التي تصطفّ على طول شارع كنسينغتون بارك غاردينز، يقع المنزل الجديد للأميرة هيا، تلك السيدة التي تمركزت حولها إحدى أكبر وقائع الطلاق في التاريخ الحديث، بعد انفصالها الصادم عن رئيس وزراء الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بقضية تراوحت قيمتها بين 7.5 إلى 17 مليار دولار أمريكي، بحسب تقرير، لموقع News الأسترالي.
في يوليو/تموز من هذا العام، وَردت لأول مرة أخبار فرار الأميرة هيا من دبي بصحبة طفليها من زوجها حاكم دبي، وسافرت في بادئ الأمر إلى ألمانيا ثم استقرت في منزلها الكائن في كنسينغتون والذي تبلغ قيمته 160 مليون دولار.
حلَّت أخبار انفصال الأميرة هيا والشيخ محمد كالزلزال، وانطلقت معها مواجهة قانونية ملحمية في قاعة إحدى المحاكم بالعاصمة البريطانية لندن.
وخلال الأسبوع الماضي، التقطت الكاميرات صوراً للأميرة هيا أثناء وصولها للمحكمة العليا البريطانية بصحبة محاميتها البارزة البارونة فيونا شاكلتون، وكانت هذه أوّل مرّة تُرى فيها الأميرة البالغة من العمر 45 عاماً في مكانٍ عام منذ شهور. (ولم يحضر الشيخ محمد إلى المحكمة).
ويأتي ظهور هيا من جديد بالتزامن مع نشر مجلة Vanity Fair مقالاً أثار ضجةً واسعةً حول حياة الأميرة في دبي، وقد استعرض دلائل مثيرة حول سبب قرار صاحبة السمو الملكي الأردنية بالهرب من حياتها البرّاقة في دبي.
"أنتِ في الأصل سجينة"
لم تتزوج الأميرة هيا من أحد أفراد العائلة المالكة فحسب، بل وُلِدت في حياة مَلَكية. إذ إنها كريمة ملك الأردن الحسين بن طلال من زوجته الثالثة الأميرة علياء (يشار إلى أن الملك الحالي للبلاد هو عبدالله الثاني، وهو أخوها غير الشقيق). وحين توفيت والدتها بشكل مأساوي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر عندما كانت تبلغ من العمر عامين فقط، لم تُكلل طفولتها بالثراء الفاحش فحسب، بل بالحبّ الفيّاض أيضاً، بحسب الموقع الأسترالي.
قالت الأميرة هيا في حديثها إلى مجلة Tatler في عام 2017: "في الأوقات التي لا نكون خلالها في المدرسة، كنا نذهب إلى المكتب بصحبة الملك حسين، وكانت العطلات الأسبوعية لنا. إذ كان يقود بنا السيارة ويطوف أنحاء البلاد ليرينا الأماكن التي ترعرع فيها، ويتحدّث إلينا عن خبراته. لم تكن هناك مُربّيات، كان يأخذنا بنفسه ولا نكون مع أحدٍ سوى أبينا".
وثمة ما يحمل مغزى عميقاً حين كانت آخر صورة نشرتها هيا على حسابها الرسمي بموقع إنستغرام لها وهي ترقص مع أبيها.
وقد صنعت هَيا، التي تعلّمت في بريطانيا ونالت شهادة من جامعة أوكسفورد، علامة فارقة في التاريخ حين أصبحت أول امرأة عربية تتأهل لبطولة العالم للفروسية وتخوض تلك المنافسة، كما شاركت فيما بعد في أولمبياد سيدني.
وهنا قد تجلّى وجه من نوع جديد لإحدى نساء الشرق الأوسط، إنه الوجه الطموح المُستقلّ، ولم تتجلّ تلك الصورة إلا حين صارت هيا أوّل امرأة أردنية تحمل رخصة قيادة شاحنة (إذ إنها داعمة دائمة لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، وقد أرادت توصيل الإمدادات بنفسها).
الزواج من شيخ خليجي
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، التقت هيا مصادفة بالشيخ محمد في سباق للخيول في إسبانيا، وحين التقيا كان بن راشد بالفعل قد تزوّج من خمس سيدات ولديه أكثر من 20 ابناً. ورغم ذلك، كان زواجهما عن حب ولم يكن زواجاً تقليدياً مُرتَّباً. وفي عام 2004 تزوّجا وأنجبا طفلتهما الشيخة الجليلة في عام 2007، وابنهما الشيخ زايد في عام 2012 (ويُعتقَد أن الشيخ محمد قد أنجب 30 ابناً وابنة)، بحسب الموقع الأسترالي.
نُظِر إلى زواج هيا من الشيخ محمد باعتباره نموذجاً يُحتذى به في الشرق الأوسط الآخذ في الحداثة المتسارعة. إذ كانت زوجته التي يعرفها العامّة، الأميرة هيا، تصطحب زوجها في الأماكن العامّة، ويظهران سوياً في كل عامٍ بمضمار سباق الخيل أسكوت، بصحبة صديقتهما المقرّبة، ملكة إنكلترا.
سافر جو ليتل، مدير تحرير مجلة Majesty، إلى دبي قبل عدة سنوات لإجراء مقابلة مع الأميرة هيا، ورسم صورة ظهرت فيها هيا امرأة كريمة ولطيفة شغوفة بدعم جهود زوجها.
يقول جو في حديث أجراه مع موقع News الأسترالي: لقد ألقت عليّ التحيّة كصديق قديم، لا صحافي، وكان هذا لطيف بالنظر إلى أننا لم نلتقِ سوى مرّة واحدة من قبل، وكان ذلك في أيرلندا قبل 20 عاماً من هذا اللقاء، كانت ودودة ومُرحِّبة، على عكس بعض أفراد العائلات الملكية الآخرين الذين قد يتسموا بالكِبَر والهيبة، وقد التقيت بها في منزلها بالتأكيد، وربما لهذا السبب كانت مُرتاحة للغاية".
وأضاف: "لقد تناولنا حينها العديد من الموضوعات، وكانت مُنفتحة للحديث حول المشروعات الإنسانية التي يشارك فيها زوجها الشيخ محمد، حول ما يثير شغفها".
اللعب حسب القواعد
رغم أن صورة دبي قد تبدو كملعبٍ صحراوي يمتلئ بالفنادق من فئة الخمس نجوم، والشواطئ الرملية، ومراكز التسوّق الحديثة، فإن حقيقة وضع النساء، حتى أفراد العائلة الملكية منهنّ، يجسّد في جوهره تناقضاً صارخاً مع ما يبدو عليه الأمر الشبيه بالصدأ المطليّ بالبريق، بحسب الموقع الأسترالي.
في يناير/كانون الثاني من هذا العام، منح الشيخ محمد أربع جوائز للمساواة بين الجنسين، جميعها للرجال. (وقد تمتّع Twitter بيوم حافل بالسخرية من تلك الخطوة).
في حديث مع مجلة Vanity Fair هذا الأسبوع، قال أحد المنشقين العرب للمجلة: "إنك تنعمين بلقب مذهل لكونك أميرة، وبالطبع لديك حاشية تلبّي أبسط طلباتك وأعظمها، ولكنّك في الأساس سجينة، ليس من المنوط بك التواصل مع الآخرين، وليس لك حياة طبيعية".
قال مصدرٌ مطلع على شؤون الأسرة الحاكمة في دبي: "أعتقد أن الأميرة هيا كانت من النوع الذي يعلم أنه بمجرد أن يصير المرء جزءاً من العائلة المالكة، فعليه أن يلعب وفق القواعد التي يضعونها، والتي تشمل الحفاظ على الذات بأيِّ ثمن".
لغز الأميرة
على الرغم من عدم طرح إجابة محددة تروي سبب فرار الأميرة هيا فجأة من وطنها الثاني بعد زواج استمر 15 عاماً، تدور إحدى النظريات الشائعة لتفسير الأمر حول اثنتين من كريمات زوجها.
في عام 2000، هربت الأميرة شمسة آل مكتوم من عقار يملكه الشيخ محمد الذي تبلغ تكلفته 150 مليون دولار. وذكرت صحيفة الغارديان أنه بعد أسابيع، اختُطِفت شمسة من أحد الشوارع في كامبريدج وأُعيدت إلى الإمارات العربية المتحدة. وفي وقت سابق من هذا العام، قالت تينا جوهياينين، وهي امرأة فنلندية قضت بعض الوقت مع العائلة المالكة الإماراتية، في حديثها مع موقع news.com.au، إنه يُزعم تعرّض شمسة للتعذيب والسجن والتخدير.
لاحقاً في عام 2018، خططت الأميرة لطيفة، الأخت غير الشقيقة لشمسة، لهروبها الشجاع بصحبة صديقتها تينا، وتمكّنتا الاثنتان من الفرار من الحارس الشخصي، وقادا سيارتهما إلى عمان التي استقلّا بها زلاجات مائية نفاسة في رحلة مروّعة امتدّت 40 كيلومتراً قبل لقاء ضابط البحرية الفرنسية السابق هيرفي جوبرت حسب الموعد المحدد على متن يخته في المياه الدولية.
بعد أيام، وقبالة ساحل ولاية غوا الهندية، استقل العساكر مركبتهم وأعادوا جميع من على متنها إلى دبي، وفي حين أُطلق سراح تينا وطاقم السفينة في نهاية المطاف من محبسهم في دبي، ظلّت سلامة لطيفة ومكان تواجدها لغزاً دولياً منذ ذلك الحين.
وفي مقطع فيديو بعد رحلتها، تحدّثت لطيفة عن حياتها، إذ تطرّقت لمزاعم تعرّضها للتعذيب بعد محاولة هربها الماضية، وقالت: "في الأساس، كان أحد الرجال يقيّدني بينما يضربني رجلٌ آخر، وقد فعلا ذلك مراراً وتكراراً".
وقالت أيضاً: إذا كنتم ترون هذا المقطع، فهذا ليس بالأمر الجيد، إذ إنني سأكون حينها ميّتة أو في وضع سيئ.. سيئ للغاية".
ولا تزال الشقيقتان محتجزتين قسراً، حسبما أشارت تينا في حديثها لموقع news.com.au في أغسطس/آب من هذا العام.
وقال أصدقاء الأميرة هيا، في يوليو/تموز من هذا العام، لصحيفة Evening Standard البريطانية إنها غادرت دبي "خوفاً على حياتها".
أسئلة لم تحظَ بإجابة
في حين أن دوافع هيا لمغادرة دبي لا تزال مُكللة بالغموض، هناك جانبان مثيران للاهتمام لهذه القصة ظهرا مؤخراً. إذ أفادت Vanity Fair أن هيا غادرت ومعها مبلغ 58 مليون دولار وأن "الآخرين يتساءلون ما إذا كانت هي والشيخ محمد قد حسما أمر انفصالهما قبل مغادرتها".
وبالإضافة إلى ذلك، فإن دبي بها كاميرات مراقبة أكثر من أي مكان آخر على وجه هذا الكوكب. لذلك لا توجد إجابة عن سؤال كيف استطاعت الأميرة التخطيط والهرب دون عِلم زوجها.
فولاذ منغوليا
بعد وصولها إلى لندن في يوليو/تموز، رفعت هيا دعوى قضائية في المملكة المتحدة تطالب بحصولها منفردة على حق حضانة طفليها من الشيخ محمد. وقالت الأميرة هيا والشيخ محمد في بيان مشترك لهما آنذاك: "هذه الإجراءات تتعلق برفاهية الطفلين بزواجهما ولا تتعلق بالطلاق أو الشؤون المالية". ثم تقدم فريقها بطلب للحصول على أمر من المحكمة لحماية الأطفال من الزواج القسري، بحسب الموقع الأسترالي.
وعلى الرغم من أنه لا يُعرف سوى القليل جدّاً بشأن ما يحدث خلف الأبواب المغلقة -إذ توجد قواعد صارمة معمول بها بشأن تداول أخبار المحاكمة- فقد صار كل جانب يمثّل جبهة قضائية خارقة القوة لإثبات موقفه.
وتترافع عن هيا البارونة فيونا شاكلتون، التي وُكِلت للدفاع عن الأمير تشارلز خلال طلاقه عام 1996 من ديانا، أميرة ويلز، وقد تضمنت قائمة موكّلي المحامية، التي يطلق عليها لقب "فولاذ منغوليا" لقوّتها في الساحة القانونية، مجموعة كبيرة من أفراد العائلة المالكة، وكانت محامية دوق كامبريدج ودوق ساسكس كما مثّلت الأمير أندرو وبول مكارتني أمام القضاء أثناء طلاقهما.
وفي المقابل، تمثّل هيلين وارد، التي ترافعت عن جاي ريتشي خلال انفصاله عن مادونا، الشيخ محمد.
بعد انفصال الشيخ محمد عن الأميرة هيا، اتجه حاكم دبي إلى إنستغرام لينشر قصيدة كتبها بعنوان "عشتي ومتّي"، وقال فيها: "بعض الخطأ اسمه خيانة وانتي تعديتي وخنتي، ويا خاينة أغلى أمانة.. كشفت ملعوبك ونتي، ما عاد لك عندي مكانة.. سيري لمَن فيه انشغلتِ، وخلّيها تنفعك الشيطانة.. ما يهمني عشتي ومتّي".
وفي يوم الثلاثاء الماضي، الذي شهد أولى جلسات الاستماع في قضيّة الحضانة، اتجه الشيخ مرّة أخرى إلى وسائل التواصل الاجتماعي لينشر قصيدة بعنوان "سيوف المعالي".
وقال فيها: "المَجد لأهلِه ولا يهمِّه سليل المَجد.. إذا تطاير غبار ولامَس إنعوله"، واختتمها قائلاً: "عليه دوم اعتمادي دايم بلا عد.. ويحل أصعب الأمور بيسر وسهولة".