بدأت ملامح المشهد البرلماني الجديد في تونس تتشكل، وذلك في أعقاب الإعلان عن تكوين الكتل البرلمانية التي سيكون لها دور في رسم المشهد السياسي والحكومي، ومن بينها "الكتلة الديمقراطية"، ثاني أكبر الكتل في البرلمان بعد كتلة حركة النهضة الفائزة في الانتخابات التشريعية.
ويأتي تكوين الكتلة البرلمانية الجديدة بالتزامن مع المشاورات التي يجريها رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي لتشكيل فريقه الحكومي، وهو ما يعني أن تأثير هذا التحالف البرلماني سيكون مباشراً على مستقبل حكومة الجملي، خصوصاً وأن الكتلة الديمقراطية مكونة بالأساس من حلفاء حركة النهضة المحتملين لتشكيل الحكومة والحديث هنا عن التيار الديمقراطي وحركة الشعب.
كتلة قديمة بثوب جديد
ويمثل هذا التحالف البرلماني عملية إحياء للكتلة الديمقراطية التي كانت حاضرة في البرلمان السابق، والتي كان لها -رغم أنها كانت تتكون فقط من 12 نائباً- دور كبير ومحوري في صفوف المعارضة خلال الخمس سنوات الماضية.
أما الكتلة الديمقراطية في ثوبها الجديد، فهي أكبر عدداً وثقلاً، إذ تتكون من 41 نائباً: 22 نائباً من التيار الديمقراطي، و15 نائباً من حركة الشعب والتيار، بالاضافة إلى 4 نواب آخرين وهم كل من عدنان الحاجي ( الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي) ومنجي الرحوي (الجبهة الشعبية) وفيصل التبيني (حزب صوت الفلاحين) وشكرى الذويبي (قائمة المواطنة والتنمية).
أما عن تسيير الكتلة فقد اتفق أكبر حزبين مشكلين لها (التيار وحركة الشعب) على ترؤسها بالتداول كل سنة برلمانية. وسيرأس الكتلة الديمقراطية السنة البرلمانية الأولى النّائب غازي الشّواشي عن التيار الدّيمقراطي فيما سيشغل عبدالرزاق عويدات خطة نائب رئيس الكتلة.
كتلة للضغط على الجملي
رئيس القيادي في حزب التيار الديمقراطي ورئيس الكتلة الديمقراطية غازي الشواشي أشار إلى أن تكوين هذه الكتلة يهدف إلى إيصال رسائل سياسية خاصة لرئيس الحكومة المكلف.
وأوضح في تصريحه لـ"عربي بوست" أنه إذا كان سيستجيب الجملي لمطالب حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب فيما يتعلق ببرنامج الحكومة، وكذلك بتشكيلها، فإنه سيجد قوة برلمانية مهمة تدعمه وتوفر له حزام سياسياً يضمن له العمل بسلاسة وراحة.
أما إذا أراد عدم الإصغاء إلى الدعوات المتكررة بأن تكون حكومته حكومة كفاءات بامتياز وتعمل على تنفيذ مطالب الإصلاح والتنمية وفق برنامج مشترك بنقاط واضحة يقع نشره للعموم في إطار الشفافية، فإنه سيجد هذه القوة البرلمانية في مقدمة القوى المعارضة لحكومته، على حد تعبير الشواشي.
ويرى الشواشي أن تكوين هذه الكتلة هو إجراء تقني بحت داخل البرلمان لتنسيق المواقف بين أحزاب ونواب يتقاسمون نفس التوجهات والمواقف والرؤى، مشدداً على أن مكونات هذه الكتلة وخاصة حزب التيار الديمقراطي منفتحون على مواصلة مشاورات تشكيل حكومة الجملي.
وقال "نحن لا نريد المشاركة في الحكم بل نريد الحكم، وهذا سبب مطالبتنا كحزب بثلاث وزارات نرى بأنها ضرورية لتطبيق وتنفيذ رؤيتنا في تسيير دواليب الدولة".
ووافقت حركة النهضة حتى الآن على منح التيار الديمقراطي حقيبتي العدل والإصلاح الإداري، لكنها ترفض منحهم وزارة الداخلية بدعوى أنه يجب تحييدها، "وهو ما نراه حيفاً كبيراً، بما أن الشعب انتخبنا لنحكم بكل الآليات المتاحة، كما أنه لا مميزات يمكن أن تمنح شخصية مستقلة الأفضلية لتولي هذا المنصب على حساب شخصية متحزبة"، على حد تعبيره.
واستبعد الشواشي أن يكون تكوين الكتلة محاولة لدفع حركة النهضة للتحالف مع حركة قلب تونس، مؤكداً نحن ملتزمون بالمشاركة في الحكومة ونريد الحكم وتحالفنا البرلماني سيعطي قوة لحكومة الجملي إذا كنا طرفاً فيها وليس العكس.
الكتلة الديمقراطية حزام سياسي للحكومة؟
من جهته ذكر القيادي في حركة الشعب ونائب رئيس الكتلة الديمقراطية عبدالرزاق عويدات لـ"عربي بوست" أن تكوين الكتلة الجديدة يهدف إلى تشكيل قوة فاعلة داخل البرلمان من أحزاب ونواب يتبنون نفس الأفكار والمطالب وعلى رأسها أن تضطلع الدولة بدورها الاجتماعي.
وأضاف "صحيح أننا تحالفنا في البرلمان، لكن كل حزب يواصل المشاركة في مشاورات تشكيل الحكومة بشكل منفصل وبإمكان أي طرف داخل الكتلة أن يختار بحرية بين المشاركة في الحكومة أو البقاء في المعارضة، رغم أن موقفنا من المشاركة في الحكومة ومن شروط متطابقة داخل الكتلة".
وأوضح عويدات أنهم منفتحون على المشاورات وملتزمون بالمشاركة في الحكومة إذا ما توفرت بعض الشروط والنقاط التي تشترك في مجملها الكتلة الديمقراطية".
"في انتظار استكمال المشاورات أستطيع أن أجزم أنه وبنسبة 80% موقفنا سيكون مشتركاً داخل الكتلة بالمشاركة في الحكومة أو البقاء في المعارضة"، على حد تعبيره.
حكومة الرئيس مجدداً!
وفي سياق متصل أكد عويدات أن المشاورات التي يقودها رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي ما زالت تبارح مكانها دون تقدم ملحوظ في برنامج حكومته ولا في أعضائها.
وأشار أن هذا البطء ساهم في توسع دائرة توجه داخل حركة النهضة يذهب إلى ضرورة اللجوء إلى مقترح حكومة الرئيس الذي دعت إليه حركة الشعب منذ بداية المشاورات.
وأضاف "هناك أصوات داخل حركة النهضة أصبحت مقتنعة بأنه لا يمكن لحبيب الجملي أن يكون حكومة قادرة على نيل الثقة وإقناع الأحزاب الأخرى. لذلك فهي تدعو لمنح رئيس الجمهورية الحق في اختيار شخصية مستقلة وجامعة لتشكيل الحكومة وترؤسها دون المرور إلى مهلة ثانية بشهر لمواصلة المشاورات الحكومية".
ورغم أن الكتلة الديمقراطية تعد ثاني أكبر الكتل في البرلمان إلا أن تماسكها وصمودها يبقى مهدداً، إذ يتفق كل من عويدات والشواشي على تفكك الكتلة عند مشاركة أحد مكوناتها بصفة منفصلة في الحكومة، ذلك أنه لا معنى لوجود جزء من الكتلة في المعارضة وجزء آخر في الحكومة.
الغنوشي غاضب
وأشارت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست" أن رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي بعث برسالة لوم شديدة اللهجة لرئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي بسبب التباطؤ الكبير في تشكيل الحكومة وفي الفشل في تجميع أكبر عدد من الأحزاب حول حكومته التي من المنتظر الإعلان عنها خلال الأيام المقبلة.
ورغم أن مصادر مطلعة من داخل حركة النهضة تؤكد بأن الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية ينظر بكثير من الحذر لتكوين الكتلة الديمقراطية التي ستكون ورقة ضغط كبيرة على حركة النهضة، إلا أن القيادي في الحركة عبداللطيف المكي أوضح لـ"عربي بوست" أن الحركة تنظر بإيجابية كبيرة لتشكيل كتلة وازنة في البرلمان.
وأضاف المكي أن توحيد الصفوف والجهود مهم جداً ليس فقط بالنسبة للحكومة ولكن أيضاً لمستقبل البلاد بصفة عامة، وبأن مساندة هذه الكتلة للحكومة المقبلة سيكون لها تأثير إيجابي ودور مهم في دفعها لتحقيق أهداف ونتائج ملموسة على أرض الواقع.
قلب تونس خارج الحسابات
من جهته أشار المحلل السياسي بسام حمدي لـ"عربي بوست" أن التوافقات داخل البرلمان وخاصة تشكيل الكتلة الديمقراطية سيكون لها تأثير مباشر على مشاورات تشكيل حكومة الحبيب الجملي.
وأوضح أن تحالف حركة الشعب والتيار الديمقراطي داخل البرلمان وتكوين كتلة برلمانية قوية ووزانة سيدفع حركة النهضة للتعامل بجدية أكثر مع الأحزاب التي من المحتمل التي تشكل معها الحكومة.
وتوقع حمدي أن تساهم هذه الخطوة في دفع حركة النهضة لاقتراح حقائب وزارية على حركة الشعب والتيار الديمقراطي لضمان مشاركة الحزبين في الحكومة، دون الحاجة إلى مشاركة حزب قلب تونس.
وأصبح "قلب تونس" وفق تقديره، في صف المعارضة وبعيداً عن المشاركة في الحكومة خاصة بعد تأكيد رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي بأنه لن يشرك الشخصيات الملتحقة قضائياً في حكومته، وتأكيد القيادي في حركة النهضة عبداللطيف المكي بعد لقائه الجملي بأن الحركة ترفض قطعياً مشاركة قلب تونس في الحكومة.