ماذا حدث؟
في ظل احتجاجات واسعة النطاق مناهضة للحكومة العراقية، التي يراها المحتجون فاسدة ومدينة بالفضل لإيران هي والعديد من الأحزاب السياسية المهيمنة على البرلمان، أضرم متظاهرون عراقيون، مساء الأربعاء 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، النيران بمبنى القنصلية الإيرانية في مدينة النجف، وهو ما استدعى تدخلاً كبيراً من قوات الأمن، ثم تدخل الجيش الذي عزل المدينة عن بقية العراق.
ماذا يعني هذا الهجوم؟
بحسب صحيفة The New York Times الأمريكية، فإن الهجوم على القنصلية الإيرانية يعتبر بمثابة ضربة رمزية كبيرة ضد إيران، التي تعتبر مواقعها في جنوب العراق موطن المسلمين الشيعة ذات أهمية كبيرة للغاية. فالنجف هي موطن مزارات شيعية مهمة، ووجود إيران في المحافظة يبرهن على روابطها بهذا الموقع التاريخي.
أدانت السلطات العلمانية والدينية في العراق العنف، لكنها لم تُلقِ باللوم على جماعة بعينها.
قال الشيخ فاضل البديري، وهو مرجع ديني في النجف، إن الهجوم على القنصلية "يبعث برسالة واضحة مفادها أن قطاعاً من المجتمع العراقي يرفض الوجود السياسي الإيراني في البلد ويعتبره مسؤولاً عن الإتيان بالحكومة الحالية".
وجميع المحتجين في محافظة النجف تقريباً من الشيعة، وشجعت السلطات الدينية الشيعية هناك الاحتجاجات، على الرغم من إصرارها على ضرورة الحفاظ على سلمية المظاهرات.
ويواجه المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني ضغطاً مكثفاً لحل المواجهة بين المحتجين والحكومة.
وعلى الرغم من محاولته البقاء دائماً بمنأى عن الانخراط مباشرة في الساحة السياسية في العراق، فقد حث الحكومة على الالتزام بضبط النفس ودعا المتظاهرين إلى الامتناع عن انتهاج العنف. غير أنه كان يستخدم لغة متزايدة الحدة لحث الحكومة على إجراء تغييرات ذات تأثير بعيد المدى في مشروع قانون الانتخابات الذي أعدته، وعلى القضاء على الفساد، واستيعاب طلبات "المحتجين السلميين".
كيف تابع الإعلام الإيراني الهجوم؟
في تغطية حية من النجف، ذكر التلفزيون الرسمي الإيراني في تقرير مساء الأربعاء 27 نوفمبر/تشرين الثاني أن السفارة تفحمت كلياً، وأشار إلى المحتجين العراقيين بوصفهم "مثيري شغب ومعتدين".
وقال مراسل التلفزيون الإيراني: "القوات العراقية كانت فقط تشاهد (ما يحدث) ولم تفعل شيئاً"، مضيفاً: "دخل مثيرو الشغب القنصلية في النجف وأحرقوها كلياً".
يرى المعلقون الإيرانيون المحافظون صلة بين الهجوم على القنصلية والاحتجاجات الإيرانية، ملقين باللوم في كلا الأمرين على "قوى خارجية".
غرَّد فرشاد مهدي بور، مؤسسة صحيفة "صبح نو" المحسوبة على التيار المتشدد قائلاً: "السفاحون الذين أوردتهم السعودية اصطدموا بحائط سد داخل إيران؛ لذا وجهوا إحباطهم لمهاجمة القنصلية الإيرانية في النجف".
كيف سترد طهران على إحراق قنصليتها؟
توقع عدة محللين أن تضغط إيران على الحكومة العراقية لترد بصرامة على هجوم النجف؛ إذ قال عباس كاظم، مدير مبادرة العراق بالمجلس الأطلسي: "بالنسبة للإيرانيين فإن حدوث أمر مثل هذا في النجف هو شيء بالغ الرمزية، وسوف يثأرون إما عن طريق الحكومة العراقية، أو من خلال أذرعهم الموجودة داخل المجتمع العراقي".
بالإضافة إلى حلفائها داخل الحكومة العراقية، تحظى إيران بروابط مع عدة ميليشيات الحشد الشعبي. أُدمجت هذه الميليشيات مؤخراً في قوات الأمن العراقية، لكن هناك مخاوف من أن إيران قد تمارس الضغط على تلك الميليشيات لكي تتصرف وفقاً لمصالحها.
في غضون ساعات من الهجوم على القنصلية، اتضح أن إيران كانت تستعد للرد بضربة عن طريق تلك الميليشيات؛ إذ وصف القيادي في قوات الحشد الشعبي أبومهدي المهندس الهجوم بأنه هجوم على آية الله السيستاني.
وقال مستخدماً لقباً تشريفياً للسيستاني: "سنقطع اليد التي تحاول أن تقترب من السيد السيستاني". وبدا أن تصريحه هو بمثابة ذريعة لهجمات مقبلة من الميليشيا على المحتجين بصياغته الرد على أنه دفاع عن آية الله السيستاني.
ماذا تمثِّل النجف بالنسبة لإيران؟
لدى إيران علاقات عميقة مع النجف، فملايين الحجاج الإيرانيين يتعبدون في المزارات الشيعية في النجف، واستثمرت إيران بكثافة في مشروعات لإعادة ترميم وتجديد المواقع الدينية.
لكن إيران بدأت أيضاً في إرسال المزيد من رجال الدين خاصتها إلى النجف، مُصدّرة بذلك صورتها الخاصة على المذهب الشيعي الذي يكون فيه المرشد الأعلى، وهو أعلى منصب ديني، هو نفسه القائد السياسي الأعلى. يرفض العراق هذه الصورة من الثيوقراطية ويزداد غضباً من التدخل الإيراني في الحياة السياسية في العراق، وهو التدخل الذي يعتبره كثير من العراقيين قد شجع على الفساد.
قالت رندا سليم، وهي باحثة في معهد الشرق الأوسط، إن الهجوم كان بالأساس دليلاً على إحباط المتظاهرين من الحكومة العراقية، التي فشلت في إحداث التغييرات المطلوبة. وبعتبر المحتجون أن النفوذ الإيراني جزء من المشكلة. وأضافت: "ما نراه في الشارع هو ثورة ضد الوضع القائم – وحامي الوضع القائم هي طهران".