نعم، رجال الأعمال اللبنانيون منحازون للحراك، ولكن هناك أشياء تخيفهم منه

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/11/26 الساعة 19:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/26 الساعة 20:04 بتوقيت غرينتش
رجال الأعمال اللبنانيون يؤيدون الحراك/رويترز

بعد خمسة أسابيع من الاحتجاجات المناهضة للحكومة في لبنان، حرَّكها الغضب الواسع إزاء الفساد بين الساسة الطائفيين الذين حكموا البلاد لعقود، تًرى ما هي آراء أعضاء مجتمع رجال الأعمال اللبناني تجاه الحراك، سواء من يعيشون في البلاد أو خارجها؟

اللافت أن المغتربين اللبنانيون يؤدون دوراً رئيسياً في الاحتجاجات، إذ ينظمون وقفات احتجاجية في جميع أنحاء العالم.

كما ان تأثيرهم الاقتصادي شديد الأهمية، فقد تجاوزت التحويلات المالية إلى لبنان العام الماضي 7 مليارات دولار، بحسب ما ورد في تقرير لإيفانا دافيدوفيتش محررة الأعمال في موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC.

ثورة حقيقية للشباب، والنساء، والحب

مِن هؤلاء المغتربون اللبنانيون دانا تروميتر، وهي في الأربعينيات من عمرها، وتدير شركة إنتاج في لندن. ورغم أنها تقيم في المملكة المتحدة منذ التسعينيات فهي على اطلاع تام بالأحداث التي تدور في لبنان منذ منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول، حين أدى اقتراح بفرض ضريبة على المكالمات الصوتية في تطبيق واتساب إلى إثارة احتجاجات واسعة النطاق ضد سوء الإدارة الاقتصادية والفساد والبطالة وسوء الخدمات العامة.

تقول مراسلة "بي بي سي": ضم اجتماع إفطارنا في أحد المقاهي بلندن أيضاً رجال أعمال لبنانيين آخرين من المقيمين في المملكة المتحدة، وهما محمد كوسا وداني حكيم. وكلاهما لديه صلات تجارية وعائلية قوية بلبنان، ولكل منهما أيضاً أفكاره الخاصة حول كيفية تغييره. 

يعمل محمد تاجر جملة في المواد الغذائية في لبنان، ولديه تجارة أخرى في المملكة المتحدة، أما داني فهو مصرفي سابق يملك شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا.

الكل متحمس للطابع اللاطائفي للاحتجاجات، ولكن بعضهم متخوفون من تكرار الحرب الأهلية

وداني متحمس بشدة للاحتجاجات، إذ قال: "أذكر أنني رأيت إنستغرام يضج في أكثر من 90 مدينة في 35 دولة مختلفة خلال 24 ساعة، ولم يحدث أن لمسنا مثل هذا الشعور بالوحدة من قبل. أعتقد أن هذه ثورة حقيقية للشباب، والنساء، والحب".

أما دانا فهي أكثر حذراً؛ فهي تذكر الحرب الأهلية المريرة التي اندلعت في لبنان بين عامي 1975 و1990. وكان الناس من جيل والديها يخرجون في الشوارع للاحتجاج "على أمل ألا يخوضوا حرباً أهلية، لكنهم فعلوا".

إلا أنها تتفق على أن الأمر "هذه المرة مختلف" وأن اللبنانيين لن يواصلوا القبول بالوضع الراهن بعد الآن "لن نفعل، ولا عودة".

وثلاثتهم فخورون للغاية بطبيعة الاحتجاجات غير الطائفية، وهذا يعني الكثير في لبنان، إذ إن التركيبة الاجتماعية في لبنان معقدة، والمسلمون الشيعة والسنة، والمسيحيون الموارنة هم أكبر ثلاث طوائف دينية في البلاد.

رؤساء السلطات الثلاث في لبنان الموزعة على أساس طائفي/رويتزر

وانعكس ذلك على المؤسسات في نظام لبنان السياسي؛ إذ تُقسَّم مقاعد البرلمان بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، ولا بد أن يكون رئيس الوزراء مسلماً سنياً، والرئيس مسيحياً مارونياً، ورئيس البرلمان شيعياً. 

يقول المنتقدون إن هذا النظام يساعد الطبقة الحاكمة على البقاء في السلطة، ويشجع الساسة على تغليب مصالحهم على مصالح الدولة.

إنه الاقتصاد، يريدون تدمير علاقتنا مع أوروبا 

وشكل الاقتصاد وتدني مستويات المعيشة جوهر الغضب المتصاعد بين اللبنانيين. يقول محمد كوسا إنه عندما بدأ عمله قبل سبع سنوات كان لبنان يخطط لإبرام اتفاقية إعفاء من الرسوم الجمركية مع الاتحاد الأوروبي.

يقول: "تخيل ما وفره لي هذا في عملي. كنت أبحث عن منتجات لإحضارها من أوروبا، وأخطط لاستمرار ذلك. والآن يقولون إن هناك عجزاً تجارياً و"يتعين علينا التوقف عن ذلك". هم يريدون إغلاق باب التجارة أمام البلاد. كيف يعقل ذلك؟ لا توجد رؤية للسياسة الاقتصادية".

ويتفق داني حكيم مع ذلك، ويستشهد بتجربته الخاصة. إذ قال إن الحكومة تريد تعزيز قطاع التكنولوجيا في لبنان وإعادة المغتربين الخبراء، ولكن ثمة مشكلات في ذلك.

يقول: "في المملكة المتحدة، تبلغ تكلفة تأسيس شركة 12 دولاراً وتحتاج إلى ساعتين فقط. أما في لبنان، فالتكلفة بالآلاف، وتحتاج إلى 10 موافقات مختلفة. كيف لي أن أفهم ذلك؟".

في لبنان نفسه، ثمة شعور مماثل بالإحباط إزاء سوء الإدارة الاقتصادية في البلاد.

وها هي البنوك تفرض قيوداً على التحويلات

فمنذ بداية الاحتجاجات، تفرض بعض البنوك قيوداً على إرسال الدولارات الأمريكية إلى الخارج، وهو ما يمثل مشكلة خطيرة لآية عيسى، وهي أحد مالكي شركات استيراد الوقود Issa Petrol Trade، لأنها تعمل مع موردين دوليين. وتقول إن ضوابط رأس المال غير الرسمية هذه "شديدة الخطورة"، لأنها لا تخضع لتنظيم البنك المركزي.

وقد بدأت الاحتجاجات نفسها في أعقاب أزمة العملة التي حدثت في البلاد. وكانت بسبب نقص الدولارات الأمريكية في البنوك التجارية. وعندما طالب مستوردو القمح والوقود بأن يُدفع لهم بالدولار دعت المخابز ومحطات الوقود للدخول في إضراب.

الساسة يملكون البنوك، والبعض يراها تتعرش لهجوم غير عادل

يقول سامي حلبي، الصحفي السابق في الشؤون المالية ومؤسس شركة Triangle Development الاستشارية، إن ثمة "تضارباً في المصالح" لأن ساسة مهمين "يملكون البنوك التي تسيطر على نسبة كبيرة من الدين العام". 

ويضيف: "تتسلل الطبقة الحاكمة خلسة إلى الضرائب غير المباشرة المفروضة على أشياء مثل فواتير الخدمات وضريبة الواتساب المشينة. الهيكل الاقتصادي إذاً يعمل ضد مصالح الناس".

وهو ليس الوحيد الذي ينتقد دور البنوك في الأزمة الاقتصادية في لبنان، إذ نظم العديد من المتظاهرين اعتصامات أمام البنك المركزي وكبرى بنوك القطاع الخاص. 

إلا أن نسيم غُبريل، كبير الاقتصاديين في ثالث أكبر بنوك لبنان، بنك بيبلوس، يرى أن الهجوم على هذا القطاع غير عادل.

ويقول إن البنوك اللبنانية "تتحمل مسؤولية، على مدى السنوات الـ25 الماضية، العملة واستقرار الاقتصاد، وبالتالي الاستقرار الاجتماعي"، ويقول إنه يود أن يرى الطبقة السياسية تفعل الشيء نفسه، في نهاية المطاف.

الوظائف المتوفرة لا تلائم إمكانيات اللبنانيين

ومع ارتفاع معدل البطالة الرسمي في لبنان بين الأشخاص الأقل من 35 عاماً إلى 37%، فليس من المستغرب أن يكون الشباب في قلب هذه الاحتجاجات، يقول سامي حلبي، باعتباره صاحب عمل، إنه يتلقَّى العديد من طلبات الباحثين عن وظائف، وتكون مؤهلاتهم أعلى من متطلبات الوظيفة.

وقال: "لا توفر البلاد سوى ما يتراوح بين 3000 و4000 وظيفة مرموقة من الوظائف عالية القيمة. وأنت كشاب اليوم ستشعر بغضب شديد، لأن طموحاتك تفوق بكثير ما هو متاح في السوق".

بالعودة إلى لندن، أسأل دانا ومحمد وداني عن رؤيتهما لمستقبل لبنان في غضون عام.

يقول محمد: "أعتقد أننا ندور في حلقة مفرغة، إذ نعتقد أن الاقتصاد ينهار، وما نفعله بعدها يسرّع من هذا الانهيار فحسب".

ويعتقد أن الكثيرين سيتخذون قرارات مالية مختلفة إذا كانوا يعتقدون أن ساسة جديرين بالثقة هم من يديرون الأمور، وهذا من شأنه أن يدفع الاقتصاد إلى الأمام.

ويقول إن الساسة والأشخاص والبنوك والمدَّخرين يجب أن يتوقفوا عن لعبة إلقاء اللوم على بعضهم. 

وقال: "بعد هذه الثورة الجميلة التي تتسم بالوحدة والبراءة، إذا ما تحطم هذا الأمل فستصبح مأساة".

"هل سنهزم مرة أخرى؟" يدور هذا السؤال في ذهن دانا، لكنها تقول: "لقد حطمنا بالفعل هذه الوصمة الكبيرة التي تسمى الانتماء السياسي. الوحدة كانت أقوى منها".

أما تركيز داني فينصبّ على الدور الذي يمكن أن يؤديه اللبنانيون في الخارج. يقول: "إذا أدينا دورنا بشكل صحيح، فسوف يكون لدينا اقتصاد أقوى مدعوم من المغتربين، بتحويل الأموال والاستثمار".

ويضيف: "توفُّر الكهرباء على مدار 24 ساعة، وإنترنت سريع، سيفتح الباب أمام الإمكانات الاقتصادية للبنان. أنا متفائل، وأعتقد أنه يمكن أن ننعم باقتصاد أقوى إذا عملنا وتكاتفنا معاً".

تحميل المزيد