أثار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صدمة في أوروبا حين هدَّد بإرسال مقاتلي تنظيم "داعش" المعتقلين إلى دولهم، وقبل ذلك هدد بإغراق أوروبا بـ3.6 مليون لاجئ سوري، ورغم تراجع هذا التوتر مازال الخلاف بين أوروبا وتركيا حول ملف التنقيب عن الغاز بالبحر المتوسط مسألة شائكة بين الجانبين.
وبدلاً من تفضيل الحوار، اختار أردوغان تسوية مشكلاته مع أوروبا بالترهيب، حسب وصف موقع Al-Monitor الأمريكي.
ويرى أرودغان أن موقف الاتحاد الأوروبي كان سيئاً خلال الانقلاب الذي وقع في بلاده عام 2016، كما أن أوروبا لم تلتزم باتفاقاتها مع أنقرة التي كبحت هجرة اللاجئين ولكن بروكسل لم تمنح المواطنين الأتراك في المقابل إعفاء من تأشيرة الدخول إلى دول الاتحاد.
أزمة بسبب التنقيب عن الغاز
وتتزامن تهديدات أردوغان الأخيرة بشأن اللاجئين ومقاتلي داعش مع رده على تحذيرات الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على تركيا إذا واصلت عمليات التنقيب في شرقي البحر المتوسط.
وقبل التوجه إلى الولايات المتحدة مؤخراً، صرَّح أردوغان لوسائل إعلامية بأنَّ تركيا قد تكون جالسة إلى طاولة المفاوضات حالياً مع الاتحاد الأوروبي، إلا أنَّ "هذه المفاوضات قد تنهار في أية لحظة".
وأضاف: "عليكم إعادة النظر في سلوككم نحو تركيا، التي تحتجز الكثير من عناصر داعش في سجونها وكذلك في سوريا. يمكن فتح هذه الأبواب، وإرسال هؤلاء الأشخاص إليكم. لا تحاولوا ترهيب تركيا بشأن التطورات مع قبرص".
لماذا تبدو تركيا غاضبة إلى هذا الحد في ملف الغاز؟
لم يتوقع أحد على الإطلاق أن تصبح قضية "داعش" عنصراً يُستخدَم في حروب الطاقة في شرق البحر المتوسط.
لكن أنقرة غاضبة من سعي الحكومة القبرصية إلى استكشاف النفط والغاز الطبيعي دون ضمان حقوق الجانب التركي (قبرص التركية)، ودعم الاتحاد الأوروبي لقبرص.
وكانت الأمم المتحدة قد طرحت، في العام 2004، خطة لإعادة توحيد الجزيرة، عرضت على استفتاء شعبي، أظهر قبولاً من قبل القبارصة الأتراك بنسبة 65%، ورفضاً من قبل القبارصة اليونانيين بنسبة 76%. وقد ولدت هذه النتيجة شعوراً بالخيبة لدى غالبية الفرقاء الدوليين، فضلاً عن تركيا والقبارصة الأتراك أنفسهم.
وخلال السنوات الماضية، وجدت أنقرة نفسها معزولة في مسألة التنقيب عن الغاز. إذ فازت اليونان، التي أبرمت صفقات استكشاف غاز طبيعي مع شركات إيني الإيطالية، وتوتال الفرنسية، ونوبل وإكسون موبيل الأمريكيتين، بالدعم التام من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العام الماضي.
إضافة إلى أنه في أوائل العام الجاري، أنشأت قبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن وفلسطين ومصر "منتدى شرق البحر المتوسط للغاز" في القاهرة.
وفي يوليو/تموز الماضي، دفعت عمليات الحفر التركية بالقرب من قبرص الاتحاد الأوروبي إلى التهديد بفرض عقوبات شملت قطع الاتصالات رفيعة المستوى مع تركيا، وتعليق اتفاقية النقل الجوي الشاملة واقتطاع 145.8 مليون يورو (161.4 مليون دولار) من التمويل الذي كان سيضخه الاتحاد الأوروبي لأنقرة حتى عام 2020.
وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن الاتحاد الأوروبي إطار العقوبات التي تستهدف الأشخاص والمؤسسات المشاركة في أنشطة التنقيب التركية.
الرد التركي على العقوبات الأوروبية: سنعيد لكم دواعشكم
تصرفات الاتحاد الأوروبي جعلت أردوغان يستشيط غضباً.
ونتيجة لذلك، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، أُرسِل مواطن أمريكي من أصل أردني يُعرَف باسم "محمد درويز ب" -عضو مشتبه به في "داعش" كان محتجزاً في مركز إعادة توطين في تركيا- إلى اليونان بناءً على طلبه.
لكن اليونان رفضت السماح له بالدخول؛ وبالتالي تُرِك عالقاً بين البوابات الحدودية. وبعد عدة أيام، وافقت الولايات المتحدة على استقباله. وعندما وصل إليها في 25 نوفمبر/تشرين الثاني، سُمِح له بدخول الأراضي الأمريكية والسفر لزيارة الأقارب.
وفي تجاهل لردود الفعل السلبية من عدة جوانب، واصلت تركيا عملية الترحيل. إذ أرسلت شخصاً إلى الدنمارك، و7 مواطنين ألمانيين إلى برلين في 14 نوفمبر/تشرين الثاني، وكذلك اثنين إلى فرانكفورت في اليوم التالي. ويقال إنَّ مواطنيّن أيرلنديين و11 فرنسياً ينتظرون دورهم في قائمة الترحيل.
ودفع ذلك بعض الدول الأوروبية لحالة من الذهول. فقال وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن إنَّ عمليات التسليم قد تعرض أمن بلاده للخطر. وأضاف: "يجب منع إطلاق سراح هؤلاء البرابرة"، واصفاً تصرفات تركيا بأنها "خارجة عن السيطرة". فيما قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إنه بالنسبة لأولئك الذين رحَّلتهم تركيا للمحاكمة أمام القضاء الألماني، يجب إثبات صلتهم بـ "داعش". واتهم أنقرة بعدم تبادل المعلومات ذات الصلة.
جدير بالذكر أنَّ النظام القانوني في أوروبا يوفر مرونة يمكن أن يستفيد منها عناصر "داعش". ومن ثم، إذا لم يتأكد تورط الأشخاص المُرحَّلين إلى ألمانيا في اشتباكات مسلحة أو جرائم قتل أو تعذيب، فيمكنهم تجنب المحاكمة. فمجرد السفر إلى المناطق الخاضعة لسيطرة "داعش" ليس كافياً لبناء دعوى قضائية ضدهم؛ بل ما يريده المدعون العامون هي أدلة تثبت أنَّ العائدين انضموا إلى التنظيم الإرهابي.
ويبدو أن أوروبا ليس لديها مشكلة لتعرض هؤلاء لمحاكمة غير عادلة أو احتجاز بلا نهاية في الشرق الأوسط، ولكن لاتريد أن تلوث قضائها في هذه المسألة.
وعلى الرغم من أنَّ فرنسا أعلنت أنها تفضل محاكمة المشتبه بانضمامهم لتنظيم "داعش" في البلدان التي ارتكبوا فيها جرائم، فإنها قررت أنها ستحاكم الأشخاص الذين أعادتهم تركيا.
كم عدد الداعشيين المحتجزين في المنطقة؟
ويمثل إرسال أعضاء "داعش" إلى بلدانهم الأصلية قضية مهمة، حتى بعيداً عن رغبة تركيا في استخدام عمليات الترحيل هذه لفرض مصالحها الخاصة.
إلى جانب أنَّ قرار بعض الدول سحب الجنسية من مواطنيها أعضاء "داعش" زاد القضية تعقيداً. فعلى سبيل المثال، حتى فبراير/شباط، سحبت المملكة المتحدة جنسيتها من نحو 100 عائد.
ووفقاً للبيانات الرسمية، يوجد 1,180 مشتبهاً بهم من "داعش" في السجون التركية، و250 منهم في مراكز إعادة التوطين، و850 شخصاً في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في سوريا.
وهناك أيضا ما يُقدَّر بنحو 90 ألفاً من المشتبه بهم من تنظيم "داعش" في المخيمات الكردية في سوريا. قيل إن بعضهم هربوا خلال العملية التي شنَّتها في سوريا الشهر الماضي.
وفجأة انتقلت أوراق الضغط هذه من يد ترامب إلى تركيا.
وأوضح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو كيف ستستفيد تركيا من الموقف: "نقول لأوروبا… هؤلاء هم مواطنوكِ… سنعيد هؤلاء الأشخاص إليكِ. لكن هذه الدول ترفض هذا وتصرخ: لقد ألغينا جنسيتهم؛ افعلوا ما تشاءون معهم. لا يا سيدي، مهما فعلتم فسنعيدهم إليكم".
هل تخضع أوروبا لطلبات أردوغان؟
من جانبه، قال مسؤول أوروبي يتعامل مع القضايا المتعلقة بـ "داعش" لموقع Al-Monitor الأمريكي، شريطة عدم الكشف عن هويته: "أردوغان بسياسته يحصل على ما يريد لأنَّ المصالح الاقتصادية تغلب [كل شيء آخر].
وأضاف الخوف من الهجرة بالغ. ولم ترغب الدول الأوروبية في استقبال مقاتلي داعش وعائلاتهم أثناء احتجاز الأكراد لهم؛ بل أرادوهم أن يبقوا هناك. وبالرغم من أنَّ بعض البلدان استعادت سراً بعض عائلات داعش، لكن هذه ليست سياسة مستدامة، والآن بما أنَّ أردوغان يعمل على ترحيلهم، فإنَّ العديد من الدول أصابها الذهول".
ورداً على تهديد تركيا بإغراق أوروبا باللاجئين بعد انتقاد الاتحاد الأوروبي أنقرة بسبب غزوها الشهر الماضي على المقاتلين الأكراد السوريين، نصح وزير الخارجية المجري بيتر زيجارتو زملاءه في الاتحاد الأوروبي أن يتذكروا النفوذ الذي تتمتع به تركيا.
وقال: "على الاتحاد الأوروبي أن يتعاون مع تركيا حفاظاً على أمنه الخاص. بعض الدول لا تزال غير مدركة أنَّ تركيا بها 4 ملايين لاجئ".