أزاحت صحيفة The New York Times الأمريكية الستار عن تقارير استخباراتية إيرانية مسربة تكشف حجم النفوذ الإيراني في العراق.
واندلعت في البلاد احتجاجات عنيفة مناهضة للحكومة في بغداد والجنوب، الذي يهيمن عليه الشيعة، منذ ما يقرب من شهرين. وطالب المتظاهرون بإنهاء النفوذ الإيراني والفساد. وقُتل 300 شخص على الأقل في هذه التظاهرات.
وفي الوقت نفسه، ترتفع حدة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، إذ انسحب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي مع إيران وأعاد فرض العقوبات عليها العام الماضي. وحمّل البيت الأبيض إيران مسؤولية شن هجمات على منشآت نفط سعودية، واستعرض خططه الحربية وسارع بإرسال سفن إلى الخليج.
وقالت إدارة ترامب أيضاً إنها تملك معلومات استخبارية تظهر أن إيران تعد لشن هجمات على أهداف أمريكية في العراق. وتزداد خشية المسؤولين العراقيين من أن يؤدي الاستفزاز من أي من الطرفين إلى اندلاع حرب بين الدولتين القويتين اللتين تتنافسان على الهيمنة في وطنهم العراق.
إيران تمكنت من السيطرة السياسية والعسكرية على العراق
أقام العديد من كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين في العراق "علاقات خاصة" سرية مع إيران، وكان من بين هؤلاء رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي. ويُعرف منذ فترة طويلة أن للإيرانيين تأثيراً على القادة العراقيين، الذين تحالف الكثير منهم مع إيران وهم في المنفى ويقاتلون نظام صدام حسين، لكن نادراً ما كُشف عن طبيعة علاقاتهم بمثل هذا التفصيل. وهذا الكشف قد يزيد الضغط على هؤلاء المسؤولين مع استمرار الاحتجاجات.
وتُظهر العديد من الوثائق أنه في الوقت الذي كان يجتمع فيه دبلوماسيون أمريكيون كبار خلف الأبواب المغلقة مع نظرائهم العراقيين في بغداد وكردستان، كانت محادثاتهم تُرسل بشكل روتيني إلى الإيرانيين. على سبيل المثال، وُصِف أحد كبار المساعدين السياسيين لرئيس سابق للبرلمان العراقي بأنه أحد عملاء الاستخبارات الإيرانية.
وزرع المسؤولون الإيرانيون أيضاً شبكات من المخبرين الذين عملوا من قبل مع الأمريكيين. فبعد الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011، أصبح الكثير من هؤلاء المخبرين عاطلين عن العمل وخائفين من الكشف عن عملهم جواسيس.
ويُشار إلى أن أحد عملاء وكالة الاستخبارات الأمريكية السابقين، أُطلق عليه اسم "دوني براسكو"، عرض أن يبيع لإيران مواقع المنازل الآمنة للوكالة، وتفاصيل الأسلحة والتدريب على المراقبة، وأسماء عراقيين آخرين تجسسوا لصالح الأمريكيين.
تقدم المراسلات تفسيراً قاطعاً للغزو الأمريكي للعراق
تتمتع فكرة أن الأمريكان سلموا العراق إلى إيران بدعم واسع، حتى بين أوساط الجيش الأمريكي.
لكن المراسلات تظهر الآن كيف بدأت إيران في جمع القوى عقب الغزو الأمريكي عام 2003. فقد حركت إيران بسرعة أفضل عملاءها الاستخباراتيين، سعياً إلى مواجهة ما اعتقدته عملاً عدوانياً من واشنطن.
وقد تحول الغزو بالتأكيد إلى احتلال، حيث حُل الجيش وجُرد المسؤولون الذين تجمعهم علاقة بنظام صدام حسين من مناصبهم، وهو ما أثار شكاوى في أوساط المجتمعات السنية. وفي الوقت الذي انجرفت خلاله البلاد نحو صراع طائفي، نظرت المجتمعات الشيعية إلى إيران على أنها حامية لها.
تقدم الوثائق أيضاً نظرة نادرة داخل النظام الإيراني السري
تُظهر المراسلات كيف نشأت التوترات بين وحدات الاستخبارات الإيرانية مع تجنيد اللواء قاسم سليماني، قائد قوة النخبة بالحرس الثوري الإيراني والمسماة فيلق القدس، وتحريك الميليشيات العراقية للدفاع عن المصالح الإيرانية.
في هذه النقطة، تخوف عملاء وزارة الاستخبارات والأمن الوطني -وهي الجهة الإيرانية المكافئة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية- من تبديد مكاسب إيران في العراق بسبب استياء العراقيين من الميليشيات. وفوق كل ذلك، ألقت الوزارة اللوم على اللواء سليماني، وانتقدته بسبب نشره صوراً على مواقع التواصل الاجتماعي تُعلن دوره في الحملة العسكرية على تنظيم القاعدة.