على الرغم من تراجع الحديث مؤخراً عن احتمال نشوب حرب المياه الأولى في العالم بين مصر وإثيوبيا بسبب سد النهضة الكبير الذي يمثل مسألة "حياة أو موت" للمصريين، فإن ذلك لا يعني أن البلدين الأكبر سكانياً في إفريقيا استبعدا الخيار العسكري تماماً، فما هي مؤشرات ذلك، وكيف يمكن تفادي المواجهة التي لا يريدها أحد؟
مجلة فورين بوليسي الأمريكية نشرت تقريراً عن الأزمة بعنوان: "نهر السدود"، تناولت فيه الأبعاد المختلفة للأزمة، وحذرت فيه من أن الصدام العسكري بين مصر وإثيوبيا سيمثل كارثة لا أحد يريدها، وأنه على الدول الكبرى التدخل بشكل متوازن لوضع حلول وسط تعالج مخاوف الطرفين.
تفضيل مسار المفاوضات.. ولكن
في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فاز رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بجائزة نوبل للسلام لجهوده في إطلاق محادثات السلام بين بلاده وإريتريا، لكن دولته لا تزال عالقة في صراع آخر كبير يهدد استقرار المنطقة، وهذا الصراع يدور حول مياه نهر النيل، وتحديداً خطط إثيوبيا لبناء سد النهضة الكبير على النيل الأزرق، أحد روافد النهر، وتعتبر مصر السد خطراً يهدد بقاءها، وفي المقابل، ترى إثيوبيا تنفيذ خطتها ضرورياً لتنميتها، وتعهدت بمواصلة المشروع مهما كانت التداعيات.
ولأنَّ مصر وإثيوبيا من أقوى دول إفريقيا وأعلاها كثافة سكانية؛ فأية مواجهة تندلع بينهما تمثل تهديداً للسلام في القارة، ولهذا يتعين على المجتمع الدولي الضغط من أجل الوصول لتسوية عادلة.
وأعربت الدولتان عن تفضيلهما إنهاء النزاع بالتفاوض من أجل حل طويل المدى، لكن هذا الطريق كان شائكاً، إذ فشلت جولة المفاوضات التي عُقِدَت في مطلع أكتوبر/تشرين الأول -والتي أعقبت جولات عديدة في السنوات القليلة الماضية- في الخروج بأية تسوية، وتتهم مصر إثيوبيا بتجاهل المخاوف التي أعرب عنها مسؤولوها بشأن التهديد الذي يمثله السد على أمنها المائي، وتصر إثيوبيا على أنَّ القضايا العالقة ستُحَل قبل اكتمال بناء السد.
فجوة كبيرة في موقف الطرفين
تثير الفجوة بين مواقف البلدين تساؤلات جدية حول إمكانية الضلوع في عمل عسكري مصري لمعالجة ما يعده الاستراتيجيون المصريون تهديداً أكثر إلحاحاً على الأمن القومي للبلاد. ففي النهاية، يُعد نهر النيل شريان الحياة للبلاد منذ زمن سحيق، إضافة إلى أن أداء اقتصاد مصر في الوقت الحالي يُرثى له.
وبالنسبة للبعض في وسائل الإعلام التابعة للحكومة المصرية، يبدو أن العمل العسكري هو الخيار المفضل على الدبلوماسية، وليس السبب في هذا إلا لإظهار الأمر للمصريين أن قواتهم المسلحة تهتم لمصلحة الشعب. توقع آبي أحمد نفسه أن تصل الأمور إلى هذا الحد وألمح إلى هذا الاحتمال في 22 أكتوبر/تشرين الأول، عندما قال إن بلاده على استعداد لحشد ملايين القوات لحماية السد حتى إن وصل الأمر إلى اندلاع حرب عليه.
كيف يمكن تفادي العمل العسكري؟
لكن الضلوع في عمل عسكري سيكون ضرباً من ضروب الحماقة. فإلى جانب كونه كابوساً لوجيستياً وعملياتياً، فمن غير المحتمل أن يسفر عن النتائج التي ترغب مصر في تحقيقها في ظل غياب احتلال دائم لمنطقة السد، وهو اقتراح لا يمكن الدفاع عنه في ظل تداعيات دولية وخيمة. دون حدوث ذلك، لا تزال إثيوبيا تسيطر على مياه النهر ويمكنها أن تضع مخططات لا حصر لها لتحويل مساره.
من أجل هذا يعد وقف التصعيد واللجوء إلى الوساطة الدولية أمرين ضروريين. يمكن للمجتمع الدولي -باستخدام الخبرة الفنية من الأمم المتحدة والبنك الدولي وغيرها من المنظمات متعددة الأطراف- أن يضع خطة وسطية تتناول المخاوف العاجلة دون تلبية المتطلبات المتعارضة بالكامل.
ويمكن أن تتضمن تلك الخطة إقناع إثيوبيا بتلبية طلب مصر بالحصول على 40 مليار متر مكعب سنوياً، ومساعدة تلك الأخيرة على تطوير أنظمة ري حديثة بديلة لتقليل استخدام المياه، ومساعدتها في بناء محطات لتحلية المياه. وفي مقابل إبطاء ملء سد إثيوبيا، يمكن للمانحين الدوليين أن يساعدوا مؤقتاً في تلبية احتياجات البلاد من الكهرباء عن طريق تمويل محطات الطاقة العائمة في البحر الأحمر، التي يمكن نقل طاقتها عبر إريتريا والصومال وكينيا.
سعي إثيوبيا لشراء أسلحة متطورة
أمس الإثنين 18 نوفمبر/تشرين الثاني، كشفت صحيفة "لوبوان" الفرنسية عن وثيقة تتضمن قائمة الطلبات (الطويلة) التي أرسلها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى قصر الإليزيه وتضم مقاتلات رافال ومروحيات وصواريخ نووية.
وقالت الصحيفة إنه قبل شهرين من منح رئيس الوزراء الإثيوبي جائزة نوبل للسلام، قام بإرسال رسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 22 يوليو/تموز 2019، طلب فيها من فرنسا المساعدة في تعزيز القوة الجوية الإثيوبية من خلال توفير ترسانة أسلحة متطورة مفصلة في ثلاث صفحات.
وتشمل هذه القائمة 12 طائرة مقاتلة (بما في ذلك رافال وميراج 2000) و18 طائرة هليكوبتر، وطائرتين للنقل العسكري مصنعة من قبل إيرباص، و10 درونات داسو، وأنظمة تشويش إلكترونية، والمدهش أكثر هو حوالي ثلاثين صاروخاً من طراز M51 الذي يبلغ مداه أكثر من 6000 كيلومتر والقادر على حمل رؤوس نووية.
توقيت إرسال آبي أحمد لقائمة "المشتريات العسكرية" تزامن مع إعلان الجانب المصري وصول مفاوضات سد النهضة إلى طريق مسدود، وبالتالي فإن الاستعداد لمواجهة عسكرية محتملة ليس فقط مجرد تصريحات تهدف لتحسين الوضع التفاوضي، ولكن يبدو أنه سيناريو وارد بقوة لدى الطرفين.