بالنسبة لبعض المحبين الفلسطينيين ثمة مكان واحد فقط يمكنهم العيش فيه. وهذا المكان هو ضاحية عادية، تتقاطع فيها الشوارع الموحلة الضيقة وتتخللها بنايات سكنية شاهقة ملتصقة بالتلال المنحدرة على مشارف القدس.
ولا يحب العديد من سكان "كفر عقب" وجودهم فيه، خاصة أن الحي المكتظ بالسكان يتضخم بسرعة. وهم يفضلون العيش في قرى فلسطينية أكثر هدوءاً تحيط بها بساتين الزيتون، أو في المباني الجديدة الجذابة في مركز المدينة المقدسة.
لماذا هذا الحي؟
يقول عيسى كُسبه (41 عاماً) لصحيفة The Guardian البريطانية، وهو سباك يعيش مع زوجته وأطفاله الصغار في كفر عقب: "أنا مضطر للعيش هنا"، لكنه يحلم بأن يعيش قريباً من أهله. ولكن جميع من يقطنون الطابق الذي يسكنه في بناية جديدة لا تزال قيد الإنشاء، ذهبوا هناك للسبب نفسه: الحب.
ففي ظل الاحتلال الإسرائيلي المعقد، ينقسم الفلسطينيون إلى فئات متعددة، تحددها غالباً الأماكن التي يقيمون فيها. فيحتل الفلسطينيون في القدس، المدينة التي ضمتها إسرائيل بكاملها وتزعم أنها "غير مقسمة"، مرتبة قريبة من قمة هذا التسلسل البيروقراطي. ويحق لهم تلقي الخدمات الإسرائيلية والسفر داخل البلاد، رغم أنهم لا يستطيعون التصويت أو التمتع بحقوق المواطنة كاملة.
أما الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية المحتلة فهم أقل مرتبة ولا يستطيعون السفر داخل القدس بسهولة. وعليه، إذ وقع أحد سكان القدس من الفلسطينيين في حب أحد سكان الضفة الغربية وانتقل معه إلى هناك فهو يخاطر بفقدان مزايا إقامته الثمينة.
حي "الحب" المعزول
إلا أن "كفر عقب" هو حل هذه المعضلة. إذ تعتبره إسرائيل جزءاً من القدس، ولكن رداً على "العمليات الفدائية" التي وقعت أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية في أوائل الألفينات، عزلت الحي، وفصلته عن المدينة بحاجز خرساني. ويعيش سكان المنطقة الآن حالة من التهميش، فهم من الناحية القانونية داخل القدس ولكنهم من الناحية الفعلية في الأراضي الفلسطينية.
يوفر هذا الوضع المتناقض ثغرة تسمح للفلسطينيين بالعيش في الضفة الغربية دون خسارة تصاريح الإقامة الثمينة في القدس، ويمكن للآخرين الممنوعين من الدخول إلى القدس أن يستقروا هناك أيضاً.
وعيسى كُسبه من سكان القدس. ويدفع الضرائب إلى السلطات الإسرائيلية، ويتلقى في المقابل الرعاية الطبية والاجتماعية ويمكنه إرسال أطفاله إلى المدارس الحكومية. لكن زوجته من قرية بالقرب من مدينة رام الله بالضفة الغربية.
وخلال السنوات السبع الأولى من علاقتهما، لم يكن يُسمح لزوجته بدخول القدس. ويقول: "إنه أمر صعب على سكان الضفة الغربية. لكن لم يكن بإمكاني الذهاب إلى رام الله لأعيش معها، وإلا كنت سأخسر بطاقة هويتي المقدسية".
وبعد إجراءات طويلة، أصبح لدى زوجته الآن تصريح لدخول القدس، لكن مثل العديد من الأزواج الآخرين، اختارا الإقامة في كفر عقب، بدلاً من الإقامة في أحياء مقدسية أعلى تكلفة وراء الجدار.
يسكنون فيه لتجنب عبور الحواجز العسكرية الإسرائيلية كل يوم
من جهته، عاش إبراهيم خليفة، وهو ساكن آخر من سكان الحي، قصة مماثلة. إذ تزوج الرجل البالغ من العمر 49 عاماً من مقدسية وحصل على الإقامة في النهاية. لكنهما فضلا أيضاً الإقامة في هذا الحي. يقول: "كان بإمكاني العيش في القدس". لكنه يقول إن المقيمين في كفر عقب يمكنهم تجنب عبور الحواجز العسكرية الإسرائيلية كل يوم، والشقق فيه أقل تكلفة بكثير.
وحين وصل إلى الحي قبل 25 عاماً، كانت الضاحية عبارة عن قرية. ويقول: "لقد أصبح مدينة الآن". وعدد قاطنيه الدقيق غير متوافر. إلا أن التقديرات تتراوح بين 100 ألف و150 ألف ساكن والعديد منهم يحملون بطاقات هوية القدس.
يقول السكان إن العيش في مكانين في وقت واحد ليس بنعمة. إذ إن هذا الوضع المزدوج يعني أنه لا الحكومة الإسرائيلية أو القيادة الفلسطينية المتمركزة في الضفة الغربية تقومان على أمر هذا الحي المترامي الأطراف بالكامل.
إذ نادراً ما يغامر العمال الإسرائيليون بتنظيف شوارعه أو إخماد حرائقه أو إصلاح طرقه، في حين أن السلطة الفلسطينية لا تتمتع بالصلاحية لتولي هذه الأمور. وأصبحت الأسلحة والمخدرات شائعة بسبب قلة حضور الشرطة.
وعلاوةً على ذلك، ثمة شائعات مستمرة حول ما إذا كانت إسرائيل ستزيل هذا الجدار لتضم كفر عقب رسمياً إلى المدينة، أم ستتخلى عن المنطقة باتخاذ قرار فجائي بأن جميع الفلسطينيين الذين يعيشون هناك لم يعد من حقهم الحصول على بطاقات هوية القدس.
آخر ما سمعه خليفة هو أن الحاجز سيبقى، لكن اتجاهه سيتغير ليقسم المنطقة إلى نصفين. وقال: "نسمع أقاويل".