تلقّى قطاع الصناعات العسكرية التركية ضربة من العقوبات الأوروبية والأمريكية، لكنَّه بالتأكيد لم يعدم حيلة، بل إن العقوبات الغربية قد تمثل فرصة للصناعات الدفاعية التركية.
تقرير لمركز Stratfor الأمريكي عرض لجهود تركيا لإيجاد بدائل للمنتجات العسكرية الغربية ومدى فاعلية مساعيها للاعتماد على الذات.
العقوبات الغربية قد تمثل فرصة للصناعات الدفاعية التركية
أشار التقرير إلى أن علاقة أنقرة مع الاتحاد الأوروبي والعديد من رفاقها الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بلغت مستوى متدنياً جديداً بعد التوغل العسكري التركي في شمال شرقي سوريا.
فعلَّق عددٌ كبير من الدول الغربية الغاضبة من العملية التركية، بما في ذلك مُصدِّرو أسلحة رئيسيون مثل فرنسا وألمانيا والسويد والمملكة المتحدة، صادراتهم من الأسلحة إلى تركيا.
في الوقت نفسه، قد تُوقِف الولايات المتحدة، التي تمد تركيا بنحو 60% من إجمالي صادراتها من الأسلحة متفوقةً على أي دولة أخرى، هي الأخرى صنابير صادرات السلاح في حال مرَّر الكونغرس سلسلة من مشروعات القوانين المناوئة لتركيا.
لكن على الرغم من المعاناة الحالية للقطاع الدفاعي التركي، لم تعدم البلاد الخيارات، ما يشي بأنَّها في النهاية ستتمكن من تجاوز العقبات الصعبة عبر التحول إلى مُصدِّرين بدلاء والاعتماد بصورة أكبر على صناعاتها الدفاعية المحلية، حسبما ورد في تقرير المركز الأمريكي.
الشرارة التي أطلقت الصناعة المحلية.. ليست المرة الأولى التي يفعلها الغرب
نظراً لاستخدام الصناعات الدفاعية التركية الكثير من المكونات والأجزاء الفرعية الغربية لإنتاج عتادها المحلي، ستتسبَّب عمليات التعليق والحظر الحالي في معاناة لتركيا.
لكنَّ التدابير الغربية لن تحرم تركيا من المعدات الجديدة فقط، بل ستستنفد التعليقات الطويلة كذلك مخزونات تركيا الموجودة سلفاً من تلك المعدات. وسيترك هذا أثراً ضاراً على عمليات صيانة وتحديث بعض منظومات الأسلحة الرئيسية التي تعتمد عليها تركيا، بما في ذلك مقاتلات F-16 ودبابتا Leopard وM-60 وغيرها من العتاد الرئيسي الذي اشترته تركيا من الغرب.
لكن على الرغم من المعاناة الحتمية بفعل عمليات الحظر الغربية على تصدير السلاح، لدى تركيا بدائل للتعامل مع المشكلة. أولاً، صمدت تركيا في وجه عدد من عمليات حظر ووقف تصدير السلاح التي فرضها حلف الناتو على مدى الخمسين عاماً الأخيرة، وكانت أنقرة في كل مرة تسعى للتعلُّم من الموقف.
كانت الواقعة الأكثر جدية حين شهدت تركيا حظراً من 1975 وحتى 1978 بعد تدخلها في قبرص عام 1974 رداً على انقلابٍ مدعوم من اليونان.
وحين لم تتمكَّن من الحصول على المعدات والأسلحة الأمريكية التي كانت بحاجة ماسَّة إليها طوال فترة الحظر التي امتدت 42 شهراً، اضطرت تركيا للبدء بتطوير صناعتها الدفاعية الوليدة.
نمت الصناعات الدفاعية التركية منذ السبعينيات بصورة ملحوظة لدرجة أنَّ تركيا باتت الآن مُصدِّرة رئيسية للمعدات المرتبطة بمجال الدفاع.
بل وتقول تركيا إنَّ صناعتها المحلية تلبِّي بالفعل 70% من احتياجاتها العسكرية، بعد أن كانت تلبي 20% فقط قبل 15 عاماً.
وبالتالي، تجد أنقرة نفسها في موقف مألوف نسبياً في ما يتعلق بمواجهة حظر تصدير السلاح، وهي الآن مستعدة بصورة أفضل لتجاوز المشكلات الحالية بالنظر إلى خبرتها في مثل هذه المواقف والحالة المتطورة لقطاع صناعاتها الدفاعية.
البحث بعيداً
لكن بعيداً عن التحول إلى الاعتماد على النفس أكثر، قد تبحث تركيا كذلك عن إمدادات الأسلحة في أماكن أخرى. ووسَّعت تركيا بالفعل علاقاتها الدفاعية مع بلدان مثل كوريا الجنوبية وأوكرانيا وروسيا البيضاء وباكستان والصين، وعلى وجه الخصوص مع روسيا.
في الواقع، كانت تركيا بالفعل تواجه عقوبات أمريكية محتملة حتى قبل توغلها العسكري شمال شرقي سوريا بسبب شرائها منظومات صواريخ S-400 أرض جو الروسية.
ويُرجَّح أن تلجأ تركيا بصورة أكبر لتلك البلدان كوسيلة لتخفيف آثار بعض العقبات الناتجة عن الحظر الذي فرضه الغرب.
في الحقيقة، اشترت أنقرة ذخائر روسية بعد تقلُّصها لديها في وقتٍ سابق في عمليتها بسوريا. هذا الابتعاد عن الغرب على الأرجح سيتواصل في ظل كون أنقرة في مراحل متقدمة من المفاوضات مع موسكو لشراء مقاتلات Su-35. وبطبيعة الحال، تُعَد فرصة إبرام صفقة أسلحة كبرى يمكن أن تسهم في تعميق الصدع داخل حلف الناتو فرصة جيدة للغاية بالنسبة لروسيا على نحوٍ يصعب معه أن تفوتها.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد أعلن الأربعاء 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أنه والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبحثان برنامج مقاتلات إف-35 مع أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ الأمريكي، بعد أن أزالت واشنطن اسم أنقرة من البرنامج، بسبب شرائها منظومة إس-400 الدفاعية الصاروخية الروسية.
في النهاية، لا يمكن لتركيا بصورة كاملة تجنُّب المعاناة الناتجة عن عمليات حظر تصدير الأسلحة الغربية، خصوصاً إذا استمرت لعدة أشهر.
إذ ستواجه مشروعات الصناعات الدفاعية المحلية التي تعتمد على المكونات الغربية تأجيلات حتماً، وستصبح مهمة تحديث وصيانة الأسلحة الموجودة بحوزتها فعلاً ومصدرها الغرب أصعب دون الحصول على قطع الغيار الغربية.
لكن مع اللجوء للقطاع المحلي والموردين البديلين، يصبح لدى الجيش التركي فرصة جيدة لتجاوز العاصفة.