شباب البرنامج الرئاسي للقيادة في مصر، كثر الحديث عنهم وعن الدور المنوط بهم في السر والعلن، ما بين تنفيذ خطط الدولة لتمكين الشباب، وفقاً لرؤية 2030، وبين كونهم عيون الدولة في كل مكان تمهيداً لاستبدالهم بالقيادات الحالية فيها.
نزلوا بالباراشوت (المظلات)، هكذا يصف مصدر إعلامي مقرب من الأجهزة الأمنية المصرية تواجد مئات من شباب برنامج التأهيل الرئاسي في عدد من الوزارات والهيئات الحكومية، بل وأستوديوهات القنوات الفضائية، وصالات التحرير بالصحف الإلكترونية، وغيرها.
في التاسع من يناير/كانون الثاني 2016، أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، خلال احتفالية الدولة المصرية بيوم الشباب المصري بدار الأوبرا.
هجوم سرب الشباب بدأ بكلمة للسيسي أطاحت بإعلامي مخضرم
يقول المصدر الإعلامي، الذي تحفظ على ذكر اسمه، إن تجربة شباب برنامج التأهيل الرئاسي في الإعلام يمكن إسقاطها على جميع الجهات الحكومية التي استقبلت الشباب المعينين كنوابٍ أو معاونين أو مساعدين للمديرين، بحسب الوصف الذي يُطلق عليهم.
ويضيف: "كان انتقال الإعلامي الشاب رامي رضوان، من تقديم البرنامج الصباحي على شاشة قناة دي إم سي dmc المملوكة لشركة إعلام المصريين، التابعة للمخابرات العامة، إلى تقديم برنامج مساء dmc، تدريجياً بدلاً من الإعلامي المخضرم أسامة كمال المحسوب تقليدياً على المؤسسة العسكرية، في يونيو/حزيران الماضي، بداية هجوم سرب شباب برنامج التأهيل الرئاسي".
كانت إشادة السيسي بالإعلامي الشاب خلال إدارته جلسة "اسأل الرئيس"، في ختام فعاليات المؤتمر الوطني السابع للشباب، في 31 يوليو/تموز 2019، بمثابة الضوء الأخضر للإطاحة بأسامة كمال، وتكليف رامي بتقديم البرنامج.
يحملون "تعليمات" لا "خبرات"، مطعّمة بنشوة السلطة
ووصف العديد منهم "بأنهم يعيشون حالة السلطة، ونشوة القوة، خاصة أن رئيسهم المباشر هم أشخاص مسؤولون في جهاز المخابرات العامة، ويعد الخط الأول لهم العميد خالد عكاشة، مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، وعضو المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب".
منذ بدء البرنامج الرئاسي تم تخريج نحو 1400 شاب وشابة، تم انتقاء بعضهم وتعيين 41 منهم معاون وزير في 13 وزارة مختلفة، و6 شباب نواباً للمحافظين، ومعاونين اثنين لمديري مديريات الشباب والرياضة بـ17 محافظة، وغيرهم في عدد من الهيئات الحكومية.
يقول أحد المشاركين في برنامج مساء dmc، لـ "عربي بوست": "إن فريق الإعداد تفاجأ بوجود عدد من الشباب الصغير، لا يحملون أوراقاً، قبيل البرنامج لتقديم فقراته من خلال "فلاشة" عليها محتوى بعض الفقرات دون الرجوع لرئيس تحرير البرنامج، ما آثار لغطاً داخل الأستوديو".
وأكد المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنه "ليس الظهور الأول لهم هنا، بل وجدتهم في قناة أخرى، يشاركون في إعداد البرامج الرئيسية، وهي قناة تابعة لشركة إعلام المصريين، وتستحوذ الشركة على عدد من القنوات الفضائية من بينها سي بي سي إكسترا نيوز، والحياة، ودي إم سي، وأون تي في".
وعن الخبرات التي يحملها هؤلاء الشباب في مجال الإعلام والتي قد تؤهلهم لخوض غمار التجربة، قال: "لا توجد خبرات بالمعنى الحرفي للكلمة، إنما هي تعليمات، في أسلوب مشوب بالاعتداد بالنفس، والرغبة في الظهور، وفرض الحضور، وتجاوز قواعد المهنة".
كيف تختارهم الدولة؟
وحول الجهة التي تبادر بالاتصال بالشباب المرشحين لتولي مناصب قيادية، أكد المصدر الإعلامي لـ "عربي بوست" أن الاختيار يكون بعد ترشيحات أمنية، وتوصيات سياسية من قبل الأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب وترفع إلى المخابرات العامة لتقرّها أو ترفضها أو تعدل فيها".
ولفت إلى أن "الاشتراطات الأمنية في اختيار الشباب تبدأ منذ اللحظة الأولى لقبوله في البرنامج، مروراً باختياره لدورة ما أو منحة أو تعيين، وهي تختلف باختلاف درجة التذكيات الأمنية، والتوصيات السياسية، مع فتح الباب واسعاً لأبناء المسؤولين".
البرنامج الرئاسي عبارة عن كيان مستقل يدار من خلال الأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب، وهي هيئة عامة اقتصادية تتبع رئيس الجمهورية، ويضم مجلس أمنائها في تشكيله إلى جانب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل.
ويتضمن المحتوى الدراسي ثلاثة محاور رئيسية: "العلوم الاجتماعية والإدارة المحلية، العلوم الإدارية والقيادية، العلوم السياسية والأمنية"، وتصل فترة الدراسة إلى 8 أشهر.
مال ومنحة وتعيين.. ما يوفره البرنامج الرئاسي
يهدف البرنامج لتأهيل الشباب للقيادة إلى إنشاء قاعدة قوية وغنية من الكفاءات الشبابية كي تكون مؤهلة للعمل السياسي والإداري والمجتمعي بالدولة، بحسب موقع البرنامج على الإنترنت.
ويوفر البرنامج الرئاسي الدعم لخريجيه بتقديم المنح التعليمية والتدريبية سواء خارج مصر أو داخلها، من خلال تقديم تسهيلات أو ترشيح من البرنامج أو دعم مالي.
"شكل مصغر من دولة السيسي"، هكذا وصف الناشط السياسي، القيادي في حركة 6 أبريل المصرية، محمد نبيل، شباب التأهيل الرئاسي للقيادة، قائلاً: "هم عبارة عن دولة السيسي نفسها لكن في شكل شبابي مصغر".
وقال نبيل لـ "عربي بوست" إن "الغرض من هذا التكوين هو التأكد من استمرار طريقة إدارة الدولة بصورتها الحالية عن طريق شباب تم تدريبهم على طريقة دولتهم العسكرية".
ورأى أن الدولة "تستغل هذه الصورة في نفس الوقت لترويج لفكرة أن قيادات الدولة الحالية تسعى لتمكين الشباب وتدريبهم على إدارة الدولة، لكن الهدف الحقيقي معروف للجميع".
وأشار إلى أنه "لو كانت النية صادقة، لم يكن شباب مثل زياد العليمي وحسام مؤنس وغيرهما تم اعتقالهم نتيجة لرغبتهم في خوض انتخابات مجلس الشعب القادمة تحت مسمى تحالف الأمل، إن كانت هناك انتخابات أصلاً".
دولة السيسي الجديدة
وقال مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية في إسطنبول، ممدوح المنير، إن "فاقد الشيء لا يعطيه ولو تجملاً، السيسي يدير البلد بعقلية العزبة، ولا توجد لديه أي مؤهلات للقيادة، وعليه فلا يمكن أن تنتج أمثال هذه الأكاديمية سوى مخبرين أو جوقة للتصفيق وحمل المباخر استفادة من الامتيازات التي يحصلون عليها"، حسب قوله.
وفي حديثه لـ "عربي بوست" أكد أن "السيسي يبني فعلياً دولة جديدة في مصر، ولكن ليس بالضرورة كل جديد لا بد أن يكون جميلاً، فنصيب هؤلاء الشباب في إدارة الدولة لا يذكر مقارنة بحصص لواءات الجيش والشرطة، ودورهم في المشهد السياسي ثانوي تمثيلي تجميلي".
ورأى أن "الشباب الذي يصلح لقيادة مصر وينهض بها ملقى بلا رحمة أو آدمية في السجون والمعتقلات، وهؤلاء هم شباب مصر الحقيقي الذي ساهم فعلاً في بناء وطنه على اختلاف مشاربهم".