القصة: على مدار 3 أيام متواصلة قصف الطيران الإسرائيلي مواقع تابعة لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة خلَّف عدداً من الضحايا العسكريين والمدنيين، من بينهم القيادي في الحركة بهاء أبوالعطا، الأمر الذي تسبَّب في رد من قِبَل الفصائل المسلحة في غزة، وعلى رأسها الجهاد على مستوطنات إسرائيلية متاخمة للقطاع بعشرات الصواريخ محلية الصنع.
السبب: التصعيد هذه المرة تجاه غزة مختلف عن كل السوابق التي قامت بها إسرائيل، فلأول مرة تغتال إسرائيل قيادياً فلسطينياً داخل غزة منذ سنوات، مما يعني أن هدفها هذه المرة ليس شن حرب شاملة، بل تصفية حسابات قديمة مع حركة الجهاد التي تراها إسرائيل ذراعاً تابعة لإيران في فلسطين.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المأزوم داخلياً يريد الهروب إلى الأمام وتحقيق 3 أسباب من وراء هذا التصعيد
أولاً: توجيه رسالة قوية لإيران على أعتبار أن الحركة الفلسطينية لديها روابط تاريخية قوية مع طهران منذ الثورة الإيرانية، وإعجاب مؤسس الجهاد فتحي الشقاقي بها، الذي استنسخ تجربة الحرس الثوري في فلسطين، ولعل ما يدعم هذا الطرح هو إقدام إسرائيل على استهداف قيادي آخر من حركة الجهاد في سوريا، وهو أكرم العجوري، لكنه لم يكن موجوداً في منزله بدمشق بل قُتل نجله.
ثانيا: دق إسفين بين حركتَي الجهاد وحماس، الطريقة التي اغتالت بها إسرائيل القيادي في حركة الجهاد كانت تدلُّ على أن إسرائيل لا تريد الدخول في حرب مع القطاع، بل تريد فقط استهداف قيادات حركة الجهاد دون التصعيد، وهذا الأمر وضع حركة حماس على ما يبدو في موقف محرج، وهو إما التصعيد والدخول في حرب شاملة، وهذا الأمر قد يتسبب في الكثير من الأزمات للقطاع برمَّته بسبب الحصار، كما أن آثار الحروب الثلاث الأخيرة على غزة لم تمحُ بعد، وإما أن تبعد نفسها عن المعركة وتعتبر أن هذا الصراع بين الجهاد وإسرائيل فقط، وهو ما قد يغضب الكثير من قواعد وداعمي الحركة كونهم تخلَّوا عن رفقاء السلاح.
لكن حماس تعاملت مع هذه الواقعة بذكاء شديد، إذا نجحت في عدم التصعيد والدخول في حرب شاملة مع إسرائيل، وفي نفس الوقت لم ترفع يدها عن الزناد وتقف في خندق واحد من الجهاد، وهو ما تقوله الأخبار القادمة من غزة عن التنسيق العسكري بين الفصائل، بما فيها حماس، وإعطاء الأخيرة الغطاء السياسي والعسكري للثانية.
ثالثاً: استمالة اليمين المتطرف في الانتخابات أو تشكيل الحكومة، فالمأزق السياسي الذي يعانيه نتنياهو داخلياً قد يكون وراء هذا التصعيد على غزة، فرئيس الوزراء فشل للمرة الثانية في تشكيل الحكومة، فيما يحاول خصمه اللدود بيني غانتس الذي يكافح من أجل تشكيل الحكومة، الأمر الذي قد يجعل نتنياهو أمام قضايا الفساد المثارة حوله وممكن أن يقبع خلف القضبان، لكن هذه العملية قد تكون عملية الاغتيال بمثابة طوق نجاة سياسي لنتنياهو الذي يدرك جيداً أن الخروج من باب المقر الحكومي يعني الذهاب مباشرة إلى المحاكم وربما السجن في حال إدانته.
ومما يثير الشكوك في نوايا نتنياهو أن الضربة المثيرة للجدل، كان هو مَن منعها في وقت سابق، فتوقيت الاغتيال استهدف وضع العراقيل أمام مساعي غانتس لتشكيل حكومة ضيقة تعتمد على دعم الأحزاب العربية في إسرائيل، وربما منعه من القيام بذلك.
ماذا بعد؟ رغم فرض هدنة بتدخل من قِبل مصر فإن الأمور لم تستقر فبعد أن
أعلنت حركة الجهاد الإسلامي وإسرائيل وقف العمليات العسكرية، تلا ذلك بضع ساعات سادها الهدوء. ثم تجدد إطلاق الصواريخ من القطاع لتدوّي صفارات الإنذار في المدن الحدودية الإسرائيلية، مما قد يهدد هذه الهدنة ويعيد الأمور مرة أخرى إلى المربع الأول.
خلفية: وشنَّت إسرائيل، منذ فجر الثلاثاء 12 نوفمبر/تشرين الثاني، عملية عسكرية على قطاع غزة، بدأها باغتيال بهاء أبوالعطا، القيادي بسرايا القدس، الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، وزوجته.
وتسبَّبت خلال يومين باستشهاد 32 فلسطينياً، وإصابة 100 آخرين بجراح مختلفة، وفق وزارة الصحة الفلسطينية.
ورداً على عملية الاغتيال، أطلقت فصائل فلسطينية عشرات الصواريخ باتجاه المدن الإسرائيلية، في عملية أطلقت عليها سرايا القدس، فيما أكد الجيش الإسرائيلي، الأربعاء، رصده إطلاق 360 قذيفة صاروخية منذ الثلاثاء، من قطاع غزة باتجاه إسرائيل.