الانتخابات الفلسطينية الرئاسية والبرلمانية تبدو في مهب الريح بسبب الخلافات حول طريقة إجرائها بين الرئيس محمود عباس وبين عدد من الفصائل الفلسطينية في مقدمتها حماس لتصبح الانتخابات ضحية جديدة من ضحايا خلاف فتح وحماس.
فرغم اللقاءات المكوكية التي تجريها لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، للتوصل إلى قواسم مشتركة بين الفصائل الفلسطينية، في محاولة لجسر الفجوات القائمة في مواقفها، فإن التشاؤم ما زال يسود هذه الفصائل في ظل عدم موافقة الرئيس محمود عباس على عقد لقاء وطني شامل مع الفصائل لبحث آليات الانتخابات، قبل إصداره المرسوم الرئاسي بتحديد مواعيدها.
ويقول عدد من الفصائل الفلسطينية، وحماس على رأسها، إنها ترى ضرورة عقد هذا اللقاء باعتباره ممراً إجبارياً لازماً لضمان انتخابات وطنية، لأنه يحدد طريقة إجراء الانتخابات.
ويأتي مصدر تشاؤم حماس من المعلومات التي حصلت عليها من رئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر، الذي زار غزة عدة مرات، ونقل أن عباس مصمم على إجراء الانتخابات، دون الحاجة لعقد لقاءات وطنية عامة مع الفصائل، مما يجعل حماس متخوفة من تهربه في حال أتت نتائج الانتخابات بغير ما يتمنى، من خلال فوز جديد لحماس.
ويتساءل قطاع من الفلسطينيين عن سبب رفض عباس لعقد اللقاء العام الشامل، وهل لأنه لا يريد أن يقطع على نفسه تعهدات أمام جميع الفصائل باحترام نتائج الانتخابات القادمة.
في المقابل تُثار تساؤلات حول: لماذا تصر حماس في المقابل على عقده، وهل في حال عدم عقده، ألن تشارك الحركة في الانتخابات.
موقف حماس من الانتخابات الفلسطينية الرئاسية والبرلمانية
حازم قاسم، المتحدث باسم حماس، قال لـ "عربي بوست" إن "حماس تؤكد جديتها الكاملة في التعاطي مع موضوع الانتخابات، وإصرارها أن يمارس الشعب حقه في اختيار مَن يمثله في الهيئات المختلفة: الرئاسة والمجلس التشريعي والمجلس الوطني، واعتبار ذلك حقاً أصيلاً للشعب الفلسطيني، مما يتطلب أن تتكاتف كل الحالة الوطنية الفلسطينية من أجل إتمامه".
وأضاف أن "الشعب الفلسطيني يستحق أن ينعم بحرية اختيار من يمثله، وأن يكون دائماً مصدر الشرعية لكل المؤسسات القيادية، ومواقف حماس الإيجابية وتعاملها المرن في موضوع الانتخابات استمرار لسياستها في التعامل مع قضايانا الداخلية على قاعدة الإجماع الوطني، وتوحيد الكلمة، وهي سياسة ثابتة ستواصل حماس التمسك بها كخيار استراتيجي".
ويرى الكثيرون أن عباس ذهب إلى إعلان الانتخابات تحت ضغوط دولية وإقليمية لتجديد شرعيته مع باقي المؤسسات البرلمانية الفلسطينية، التي انتهت ولايتها القانونية منذ سنوات، لكنه في هذه الحالة سيبذل جهوداً حثيثة لإجبار حماس أن تقول لا، من خلال تضمن المرسوم الرئاسي لبرنامج سياسي لا توافق عليه حماس، فضلاً عن إمكانية رفض إسرائيل لإجراء الانتخابات في القدس.
في انتظار ردّ حماس الكتابي.. لماذا يصرّ عباس على المرسوم قبل اللقاء؟
واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، قال لموقع "عربي بوست" إن "الرئيس عباس بانتظار تسلم كتاب خطّي من حماس على ما أرسله من رسالة خطية عبر لجنة الانتخابات المركزية، بعدها يتم البحث في إصدار المرسوم الرئاسي".
وقال "الرئيس لا يمتنع عن إجراء اللقاء الوطني مع الفصائل، لكننا جرّبنا هذه اللقاءات منذ 13 عاماً حين بدأ الانقسام، وما تخلَّلها من حوارات واتفاقات، لكنها لم تفضِ إلى نتيجة على الأرض".
وأكد أن "حديث الرئيس الفلسطيني اليوم تناول مقاربة جديدة لإنهاء الانقسام، والتفاؤل والتشاؤم يتوقف على مسألتين: أولهما التمكن من إجراء الانتخابات في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة بصورة جماعية موحدة، وثانيهما موقف الفصائل وحماس بصورة محددة، من خلال إرسال رسالة للرئيس عباس بالموافقة على إجراء الانتخابات الشاملة، وكل ما يتعلق بها من جميع الآليات والتفاصيل".
خلاف داخل فتح.. لهذه الأسباب الانتخابات لن تقام
فضلاً عن التنافس القائم بين حماس وفتح في موضوع الانتخابات، فإن الاستقطاب وصل داخل فتح ذاتها، حيث تباينت التقديرات الداخلية بين ضرورة إجراء الانتخابات من عدمه، وظهرت أصوات فتحاوية قيادية تطالب بإنهاء الانقسام قبل الذهاب إلى الانتخابات، خشية أن تكون الانتخابات مدخلاً لترسيخ الانقسام، والانتقال إلى مرحلة الانفصال، بدلاً من طيّ صفحته، في ظل عدم توافق الرئيس مع باقي الفصائل على جميع تفاصيل الانتخابات قبل إصدار المرسوم الرئاسي.
غسان الخطيب، وزير التخطيط الفلسطيني السابق، ورئيس مركز القدس للإعلام والاتصال، قال لـ "عربي بوست" إنني "سأبقى غير مصدق أن الانتخابات سوف تجري، لأن السلطة الفلسطينية والفصائل وقّعت عشرات الاتفاقات، وتمت الدعوة عدة مرات لإجراء الانتخابات، دون أن تجري فعلياً على أرض الواقع، الجميع يتفق في العموميات وعند التفاصيل يختلفون".
وأضاف أن "جميع المؤشرات لا تدعو للتفاؤل بإجراء الانتخابات، لأنه كلما تم تذليل عقبة تنشأ عقبة جديدة، إصرار حماس على عقد اللقاء الوطني الشامل قبل إصدار المرسوم الرئاسي يعني مخالفة القانون الأساسي الفلسطيني، لأن صلاحية إصدار المرسوم الذي يحدد مواعيد الانتخابات وآلياتها ونظامها المتبع، خاصة بالرئيس حصرياً، وليس الفصائل، لكني أرجح أن الحديث الفلسطيني عن الانتخابات هو تكتيكي وليس مبدئياً".
وقال: "من الواضح أن حماس تريد عقد اللقاء مع الرئيس للحصول على مكاسب سياسية جديدة تتمثل في الوصول لنصيبها الكامل في الشراكة السياسية، المتمثلة في انعقاد الإطار القيادي الخاص بمنظمة التحرير الفلسطينية، قبل إعطائها الموافقة النهائية، ولذلك ربما لا يعطي أحد من كل الأطراف الفلسطينية موافقته بشكل كامل ونهائي على الانتخابات دون استدراكات وتحفظات.
المشكلة في خلاف فتح وحماس أم أن عباس لا يحترم القامات الفلسطينية
حسام الدجني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة في غزة، قال لـ "عربي بوست" إن "حماس تنظر للانتخابات من زاويتين، الأولى أنها تمثل مخرجاً مطلوباً للأزمة السياسية التي يعيشها الفلسطينيون، والثانية أن الدعوة لها قد تكون مناورة من قبل عباس، ورفضه لعقد اللقاء الوطني يأتي لإجبار حماس على القول لا، ثم اتهامها بالمسؤولية عن إفشال الانتخابات التي يوجد عليها توافق فلسطيني، وبالتالي إجراؤها في الضفة الغربية فقط".
وأوضح أن "عباس لا يرى الفصائل، ولا يحترم القامات الوطنية، والأخطر أنه في حال أصدر مرسومه الرئاسي بإجراء الانتخابات دون التشاور مع حماس، فقد يحشرها بزاوية صعبة، إما توافق عليه كلياً بما يتضمن مسائل لا توافق عليها كالنظام الانتخابي والمحكمة الدستورية، أو ترفضه فتكون في قفص الاتهام".
ولا يبدو أن الرئيس الفلسطيني قد يستجيب للدعوات المتزايدة بانعقاد اللقاء الوطني الشامل قبل إصداره المرسوم الرئاسي، فالرئيس فردي في قراراته، ولا يلتفت كثيراً لمطالب باقي الفصائل، مما قد يدفعه لإصدار المرسوم الرئاسي، بما يتضمنه من قضايا خلافية حول الانتخابات، مثل النظام الانتخابي والمحكمة الدستورية وآليات المراقبة والفرز، وضمان الاعتراف بنتائجها وعدم تكرار ما حصل في 2006، حين رفض التعاون مع حماس التي فازت في الانتخابات التشريعية، وشكّلت الحكومة، ودخل الفلسطينيون بسبب ذلك في دوامة الانقسام حتى يومنا هذا.
موقف الجبهة الشعبية
طلال أبوظريفة، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، قال لـ "عربي بوست" إن "الأجواء بخصوص لقاءات الانتخابات لا تزال إيجابية، رغم أننا نبذل جهوداً مُضنية مع العديد من القوى الفلسطينية، للتمسك بها، وضرورة إجرائها، وتذليل العقبات، ولن نسمح بتعطيلها.
أما عن قضية اللقاء الوطني الشامل، وما إذا كان قبيل إصدار المرسوم الرئاسي أو بعده، فلا يجب أن نجعل من هذه النقطة مسألة خلافية بين الفصائل الفلسطينية، مادام بالإمكان إيجاد حلول لكافة القضايا العالقة والتباينات.