عصفوران بحجر واحد يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضربها، إعادة انتخابه، وفي الوقت ذاته ابتلاع إسرائيل للضفة وفرض سيادتها عليها.
ولهذا اشرعت الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بتنفيذ سلسلة من المشاريع طويلة الأجل تمهيداً لتطبيق سيادتها على الضفة الغربية، عبر خطة استيطانية واسعة النطاق تشمل شق شوارع جديدة، وتفعيل القطارات والمواصلات العامة على الطرق الاستيطانية.
فكيف سيصبح شكل الضفة الغربية بعد تطبيق هذا المخطط، ولماذا تمثل خطورة بالغة على حياة الفلسطينيين في الضفة، وما ردود فعلهم على هذه الخطط؟
نريد حل مشكلة الازدحام المروري!
في تفاصيل الخطة، أعلن وزير النقل والمواصلات الإسرائيلي بيتسلئيل سموتريتش، أحد قادة حزب البيت اليهودي المتطرف، عن توسيع شارع 60 الاستيطاني المعروف بطريق نفق القدس-غوش عتصيون، بزعم أنه يعاني أعباء مرورية هائلة، حيث سيتم إنشاء نفقين، ومسار للمواصلات، باستثمارات تصل مليار شيكل، والبدء بمخطط آخر يشمل توسيع الطريق الالتفافي الفرعي المتجه إلى غوش عتصيون بمبلغ 800 مليون شيكل.
لا يخفي سموتريتش أن المشاريع التي يروج لها منذ وصوله للوزارة قبل أربعة أشهر فقط، مقدمة لأن تكون مستوطنات الضفة جزءاً من دولة إسرائيل، مما دفعه لأن يضع مكتباً خاصاً لوزارته في الضفة.
علاء الريماوي، مدير مركز القدس للشأن الفلسطيني الإسرائيلي برام الله وسط الضفة الغربية، قال لـ "عربي بوست" إن "هذا المخطط الاستيطاني الإسرائيلي يخفي خلفه مصادرة لأكثر من خمسة آلاف دونم من الأراضي الفلسطينية خلال عشرين يوماً فقط.
وتتركز بعض هذه المشروعات في مدينة القدس التي تقع في بؤرة المشاريع الاستيطانية، فرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يدرك أن الانتخابات الثالثة قادمة لا محالة، ويسعى للامتثال لطلبات المستوطنين بكل ثمن، من أجل التعبئة الداخلية في معسكر اليمين تحضيراً للانتخابات".
وأضاف أننا "أمام وزراء يمينيين يسعون لتحسين مواقعهم الانتخابية على حساب الفلسطينيين من خلال هذه المشاريع الاستيطانية، بجانب توجهات إسرائيلية عامة لتعزيز الاستيطان، لاسيما في مناطق الأغوار وجنوب الضفة، بجانب مناطق "ج" التي تشكل مساحتها 55% من إجمالي الضفة، وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، لدينا اليوم 422 تجمعاً استيطانياً ومستوطنة ومعسكر جيش وفضاء سيطرة، تحوز ما مساحته 78% من الضفة، والوجود الديموغرافي الفلسطيني يتركز على 22% فقط منها".
يسعى المخطط الاستيطاني الجديد لربط مجمع مستوطنات "غوش عتصيون وبيتار عيليت، وإفرات، وكريات أربع في الخليل وتسور هداسا"، مع بعضها البعض، عبر جملة من المخططات الهادفة لشق طرق تؤمن حركة المستوطنين عبرها، ومخططات تشمل شق طرق وتوسيع أخرى قرب مستوطنات رام الله ونابلس، بمبالغ طائلة تزيد عن 15 مليار شيكل.
الضفة التي نعرفها ستختفي
يهدف هذا المشروع الاستيطاني على المدى البعيد لإدخال الضفة لمنظومة الخطط الهيكلية للمواصلات الإسرائيلية، كي تكون مشمولة في تخطيطاتها البعيدة المدى، ولا يتم التعامل معها كجزء منفصل كما هو قائم حالياً، ولذلك أقيمت 16 نقطة مواصلات، وتجرى فحوصات مهنية للحركة على طرقات الضفة، لمعرفة مدى نجاعة شق شوارع جديدة، بحيث تكون الضفة مشمولة بكافة خطط المواصلات التي يجري العمل عليها داخل إسرائيل، ومنها مد خط سكة الحديد بين مستوطنتي "أريئيل وتفوح".
غسان دغلس، الخبير في شؤون الاستيطان الإسرائيلي بمدينة نابلس شمال الضفة، قال لـ "عربي بوست" إننا "أمام مشروع استيطاني ضخم يسعى على المدى البعيد لتهويد الضفة على حساب الفلسطينيين، وقتل حل الدولتين، وقطع الطريق أمام أي مفاوضات قادمة، لأن إسرائيل في هذه الحالة تكون قد فرضت وقائع على الأرض".
وأضاف أنه "قبل 3-4 سنوات أطلقت إسرائيل وصف مستوطنات "معزولة" على بعض التجمعات الاستيطانية، تمهيداً لإزالتها في أي حل سياسي قادم مع الفلسطينيين، لكن اليوم تقوم بتسمين هذه النقاط الاستيطانية، وتضخيمها، تمهيداً للسيطرة الكاملة على الضفة بأسرها".
بفضل ترامب لن يكون هناك فلسطيني أمام الإسرائيلي
وأشار إلى أن "إسرائيل بمشاريعها الاستيطانية الجديدة تستفيد من وجود إدارة ترامب، والانقسام الفلسطيني، والواقع العربي، مما شكل لها فرصة سانحة بطرح هذا المشروع الاستيطاني في الضفة، تحت حجج دينية وأمنية، وشق طرق في مختلف مناطقها، بما يتخلله من مصادرة الدونمات الزراعية وتفتيت الأراضي، تمهيداً لانتقال الإسرائيلي من تل أبيب وسط إسرائيل إلى مستوطنة أريئيل وسط الضفة دون مشاهدة فلسطيني واحد أمامه".
الناظر لهذا المشروع الاستيطاني، وآليات تنفيذه على أرض الواقع، سيخرج بنتيجة مفادها أن تحقيقه يتطلب تفتيت أراضي الضفة، وتشتيتها بين كل مدينة فلسطينية وأخرى من خلال عشرات المستوطنات، تمهيداً لإعلان دولة الاستيطان.
وسوف يكون لهذا المشروع تبعات كارثية على مختلف مناحي الحياة الفلسطينية: الزراعية والاقتصادية والسير على الطرقات، والأهم من كل ذلك قضم المشاهد الخضراء التي تمتاز بها الضفة الغربية.
واصل أبويوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، قال لموقع "عربي بوست" إن "إسرائيل تستفيد من الدعم الأمريكي لعدم إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية، من خلال كثافة التغول الاستيطاني في مخالفات واضحة للقوانين الدولية والاتفاقيات الموقعة والقرارات الأممية، وآخرها قرار 2334 الذي رفض كل أشكال الأنشطة الاستيطانية، واعتبره جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية".
وأضاف أنه "رغم كل ما تقوم به إسرائيل من نشاطات استيطانية في الضفة الغربية، لكننا نرفض فرض هذه الوقائع، ونواصل تمسكنا بإقامة دولتنا الفلسطينية، دون التنازل عن سيادتنا عليها، ولن نتراجع عن ذلك".
هل نقول وداعاً لحلم الدولة الفلسطينية؟
تأخذ المشاريع الاستيطانية الإسرائيلية الجارية في هذه المرحلة أربع مناطق جغرافية أساسية: الأغوار، القدس ومحيطها، جنوب فلسطين، والوسط وصولاً لمناطق التماس، وهو ما يعني تغولاً وسيطرة احتلالية مقابل فشل السلطة الفلسطينية في تحقيق تمدد جغرافي بشري للفلسطينيين.
ولذلك يبدو من الصعوبة بمكان الحديث اليوم في ظل هذا المخطط الاستيطاني الإسرائيلي الجديد عن دولة فلسطينية فيما تبقى من مساحة جغرافية في الضفة الغربية، سواء غياب اتصالها مع قطاع غزة، أو عدم وجود كينونة مستقلة، باستثناء قيام كونفدرالية أو فدرالية مع الأردن، وصولاً إلى فقدان القدرة على التواصل الجغرافي داخل الضفة ذاتها.
مع العلم أن هذا المشروع الاستيطاني الإسرائيلي الجديد يضاف إلى خمسة أحزمة استيطانية: شمالاً ووسطاً وجنوباً، تقسم الضفة الغربية بأسرها، يقيم فيها سيل بشري من المستوطنين يصل عدده 700 ألف، وإسرائيل تسابق الزمن لإيصاله إلى مليون مستوطن.