سجلت أزمة "سد النهضة" الإثيوبي، حضوراً طاغياً بمصر وإثيوبيا، منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فيما يشبه "الفيضان" بعد أشهر من الهدوء النسبي، وسط آمال بانفراجة خلال مفاوضات مقررة بواشنطن 6 نوفمبر/تشرين الجاري.
الحضور جاء إثر إعلان الجانب المصري رسمياً عن "تعثر" المفاوضات، ومطالبته بالاستعانة بوسيط دولي.
وجاء الإعلان المصري عقب اجتماع فني بالخرطوم، حيث رأت القاهرة أن المفاوضات وصلت إلى "طريق مسدود".
ونفت إثيوبيا وجود تعثر، كما اعترضت على الوساطة، وسط تفاؤل سوداني بقدرة اللجنة الفنية على مواصلة العمل لحلحلة التعقيدات والاختلافات بين الدول الثلاث.
وشهدت الخرطوم، يومي 4 و5 أكتوبر/تشرين الأول، الاجتماع الثلاثي لوزراء الموارد المائية والري في مصر والسودان وإثيوبيا، لبحث ملف السد.
وفيما لم يصدر عن الاجتماع بيان ختامي، ناقش الوزراء الثلاثة "مقترحات ملء وتشغيل السد، ونتائج اجتماعات اللجنة الفنية الثلاثية، التى بحثت على مدى 4 أيام تلك المسألة".
وتبادلت مصر وإثيوبيا الاتهامات والتصريحات التي جاءت "تصعيدية" و"تهديدية".
وتفرد الجانب المصري في أن تصريحاته كانت "الأكثر فيضاً" حول القضية وعلى أعلى مستويات الدولة، حيث شدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن الدولة بـ"كافة مؤسساتها ملتزمة" بحماية مياه النيل.
كما أن إثيوبيا هي الأخرى لم تتوقف عن التصريحات وإن كانت بوتيرة أقل، لكنها أثارت الكثير من الجدل خاصة تصريحات رئيس الوزراء أبي أحمد، أمام البرلمان، في 23 أكتوبر/تشرين الأول.
وقال آبي أحمد، أمام البرلمان، "لا توجد قوة يمكنها منع إثيوبيا من بناء سد النهضة"، مشيراً إلى أن بلاده "ستحشد مليون شخص للدفاع عن السد عند الضرورة، لكن الحرب لن تفيد أحداً".
ورد الجانب المصري، في بيان للخارجية، معبراً عن "صدمته" إزاء تلك التصريحات، معرباً عن رفضه واستنكاره لها.
وهدأت الأمور نسبياً بين الجانبين مع اجتماع السيسي وآبي أحمد في روسيا على هامش القمة الروسية الإفريقية، الأسبوع الماضي.
كما وجهت واشنطن دعوة إلى مصر والسودان وإثيوبيا، للقاء في 6 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، من أجل "التباحث حول كسر جمود مفاوضات سد النهضة الإثيوبي".
وأعلنت مصر وإثيوبيا والسودان، في بيانات منفصلة، المشاركة في المفاوضات بغية "كسر جمود" المفاوضات.
وقد تمثل الخطوة "دفعة" قوية للمفاوضات، وفق مراقبين، في ظل النفوذ الأمريكي بالمنطقة وقدرتها على إحداث خرق في المواقف.
وشكل السد، الذي بدأت أديس أبابا تشييده 2 أبريل/نيسان 2011، حضوراً متواصلاً في الساحة السياسية بالبلاد خاصة ما يتعلق بالعلاقات مع دولتي المصب مصر والسودان.
وظل السد على وتيرة ثابتة يشكل حضوراً منذ العام 2011، وإن اختلفت أوجه حضوره.
معلومات أساسية عن السد
ويشيد السد بإقليم "بني شنقول ـ جمز" الإثيوبي، على بعد أكثر من 980 كم عن أديس أبابا.
ووعدت السلطات بإنهائه في غضون 5 إلى 6 سنوات، قبل أن تقر لاحقاً بتأخر أعمال البناء، ليتم مؤخراً الإعلان عن الانتهاء منه في العام 2022.
ويصمم السد على 16 وحدة كهربائية، عبارة عن 10 وحدات على الجانب الغربي من النهر، و6 على الجانب الشرقي، بإجمالي 6 آلاف ميغاوات.
ويقام على مساحة طولها 1780 متراً وارتفاع 145 متراً، فيما تبلغ سعة تخزين المياه الإجمالية 74 مليار متر مكعب.
وبحسب القائمين على المشروع فإن تكلفة المشروع المبدئية تصل 4.7 مليار دولار.
وتنفذ المشروع شركة (إيطالية)، صاحبة خبرة في مجال السدود، والجسور، بجانب الهيئة الهندسية للحديد (متك)، التابعة لقوات الدفاع الوطني بإثيوبيا والتي تم استبدالها مؤخراً بشركات أخرى.
السد في العامين الماضي والحالي
وصف 2018 بعام "الحزن" بالنسبة للسد، حيث عثر على جثة مديره سمنجاو بقلي (53 عاماً)، وسط أديس أبابا، لتعلن السلطات فيما بعد أنه انتحر.
وتوالت الأحداث السيئة بإقرار الحكومة بتأخر أعمال البناء عن الموعد المحدد بسبب إخفاقات من الشركة المنفذة.
كما خرج عمال السد في تظاهرات مطالبة بتحسين الخدمات والأجور لتنضم إلى قائمة الأحداث الحزينة للمشروع.
وتولى بقلي إدارة مشروع السد منذ إعلان بدء العمل فيه 2011، حتى لحظة وفاته في يوليو/تموز الماضي.
ومطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018، أعلنت الحكومة الإثيوبية، تعيين المهندس "كيفلي هورو" مديراً للمشروع.
وبالرغم من الأحداث المتوالية السالبة التي شهدها السد العام 2018، إلا أن الحكومة الإثيوبية ظلت تعمل منذ مطلع العام الجاري بوتيرة متسارعة في إعادة الحياة إليه.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، قال وزير الطاقة الإثيوبي إن السد سيبدأ بالإنتاج نهاية عام 2020، وسيبدأ تشغيله بالكامل عام 2022.
وفي 25 سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت الحكومة الإثيوبية، اكتمال البناء فى سد النهضة الكبير بنسبة 68.3%، مؤكدة أن الأعمال تسير بشكل جيد.
ومطلع يناير/كانون الثاني 2019، وقعت شركة الطاقة والكهرباء الإثيوبية، اتفاقية مع شركة "جي هيدرو" الفرنسية، لتصنيع محركات وتوربينات تستخدم لتوليد الطاقة، وتركيبها في السد.
كما وقعت شركة الكهرباء الإثيوبية اتفاقية مع مجموعة "جيزهوبا" الصينية، تقوم بموجبه الشركة بتنفيذ أعمال التشغيل الأولية لسد النهضة بكلفة نحو أربعين مليون دولار أمريكي.
وفي تطور مماثل، منحت شركة الطاقة الكهربائية، لشركة "فويث هايدرو تشانغهاي"، عقداً للقيام بالأعمال الهيكلية والكهربائية والميكانيكية اللازمة من أجل إنشاء إتمام بناء محطة التوليد، وإنشاء قنوات لتفريغ المياه من السد.
وأكد المدير التنفيذي لمشروع سد النهضة، كفلى هورو، أنه تم اتخاذ التدابير اللازمة لضمان عدم تكرار الأخطاء السابقة المتعلقة بالأعمال الكهروميكانيكية.
ويرى مراقبون أن سد النهضة، سيكون، عند انتهائه في 2022، أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في إفريقيا، وسيولد أكثر من 6 آلاف ميغا واط من الكهرباء.
وتحلم إثيوبيا بإنجاز السد، لأغراض التنمية وتوليد الطاقة الكهربائية، غير أن مصر تتخوف من تأثير سلبي محتمل على تدفق حصتها السنوية من مياه النيل (55 مليار متر مكعب).
فيما تحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب، بينما تقول أديس أبابا إنها لا تستهدف الإضرار بدولتي المصب.
ويتركز الجانب الفني من الخلاف حول طريقة وتوقيت تخزين وملء المياه خلف السد لتوليد الطاقة الكهربية.
وفي مارس/آذار 2015، وقعت مصر والسودان وإثيوبيا وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة في العاصمة السودانية الخرطوم، تعني ضمنياً الموافقة على استكمال إجراءات بناء السد، مع إجراء دراسات فنية لحماية الحصص المائية من نهر النيل للدول الثلاث التي يمر بها.