المحتجون العراقيون يتحصنون بمطعم تركي مُشعّ! فلماذا يعتبرونه استراتيجياً لثورتهم؟ ولماذا يسمونه “جبل أحد”؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/10/31 الساعة 17:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/01 الساعة 15:05 بتوقيت غرينتش

"لو سقط المطعم التركي لسقطت ثورتنا"، بناية شهيرة في بغداد تسمى بناية المطعم التركي تحولت إلى مركز عمليات لقيادة الاحتجاجات العراقية التي تطالب بإسقاط الحكومة وتغيير النظام السياسي في العراق.

وبلغ من أهمية هذه البناية للمتظاهرين أنهم أطلقوا عليها جبل أحد، فما سبب هاتين التسميتين للبناية (جبل أحد، والمطعم التركي)؟ ولماذا تكتسب كل هذه الأهمية بالنسبة للمتظاهرين، حتى إنهم يدفعون حياتهم دفاعاً عنها.

قصة صدام حسين والمطعم التركي وجبل أحد

جاءت تسمية المطعم في سياق نية رئيس النظام السابق صدام حسين بناء سلسلة من المطاعم الدولية في بغداد.

تحولت بناية المطعم التركي المسمى لدى المتظاهرين إلى أيقونة للمظاهرات والاحتجاجات العراقية.

المطعم التركي في بغداد
المطعم التركي في بغداد

أما تسمية البناية بجبل أحد، فنسبة إلى الجبل الشهير في غزوة أحد، التي خاضها المسلمون ضد قريش، وهُزموا فيها بسبب تخلي الرماة عن الأماكن التي أمرهم الرسول بالبقاء فيها على جبل أحد.

ومن هنا يشير المتظاهرون إلى أنهم لن يتخلوا عن البناية كما فعل الرماة في عهد الرسول؛ وهو ما تسبب في هزيمة المسلمين.

 فالمتظاهرون العراقيون مستعدون للتضحية بأرواحهم، من أجل الحفاظ على المبنى، لمنع وصول القوات الحكومية والتقدم نحو التحرير، تحت شعار "أُحد لن يخذلنا مرَّتين".

مطعم ملوَّث بالإشعاع

تعرَّض المطعم التركي للتلوث طبقاً للمعلومات التي كشفت عنها وزارة البيئة العراقية بوقت سابق، في أثناء الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003، فإن عمليات المسح الإشعاعي أظهرت وجود تلوث إشعاعي موضعي في مساحات ضيقة داخل المبنى وسط العاصمة بغداد.

استغرقت عملية دخول مبنى المطعم التركي والصعود بالسُّلَّم إلى أعلى السطح 43 دقيقة، بسبب كثافة المتظاهرين الموجودين داخل المبنى. استمر تجوالنا داخل المبنى ست ساعات، من خلالها شاهدنا كثيراً من المتظاهرين والمعتصمين الذين اتخذوا المكان مقراً للاحتجاجات العراقية.

مجموعة من المحتجين داخل المطعم التركي
مجموعة من المحتجين داخل المطعم التركي

أمّي سعيدة بجراحي التي أُصبت بها دفاعاً عن المطعم التركي.. لأنه يعني لنا الحياة أو الموت

لم أتوقع أن أحصل على وسام شرف من والدتي بعد تعرُّضي للإصابة بنيران القوات الحكومية العراقية، في أثناء وجودي على سطح مبنى المطعم التركي المحاذي للمنطقة الخضراء.

وسام كريم، متظاهر لم يتجاوزه عمره 20 عاماً، يتحدث لـ "عربي بوست"، عن وجوده على سطح المطعم التركي المسمى لدى المتظاهرين "جبل أُحد".

يقول: "وصول القوات الحكومية إلى المطعم التركي والسيطرة على المبنى معناهما عودة القناصة والميليشيات لقتل المتظاهرين وقمع التظاهرات في ساحة التحرير وسط بغداد.

وجودي مع إخواني المتظاهرين على جبل أُحد هو لتحقيق مطلب جميع العراقيين وهو تغيير النظام الفاسد في البلاد. نعمل خلال وجودنا على حرق إطارات السيارات ورمي قناني الوقود من أعلى سطح المبنى، لعرقلة تقدُّم القوات الحكومية، ولمنع وصولهم إلى ساحة التحرير. إنهم يحاولون منذ انطلاق ثورة أكتوبر/تشرين الأول، السيطرة على المطعم التركي، لإعادة نشر القناصين والمسلحين لقتل وقمع المتظاهرين".

حسب المعلومات، فإن القوات الحكومية تحاول سحب المتظاهرين إلى داخل المنطقة الخضراء، من بعدها تتحرك من جهة جسر السنك نحو المبنى للسيطرة على المطعم التركي.

وقال: "هذا لن يحدث، حتى لو تم اقتحام الخضراء من قِبل المتظاهرين، لن ننسحب من المبنى".

"مقتل شقيقي دفعني إلى الانتقام من الحكومة"

بدوره يروي مثنى رحيم، وهو متظاهر آخر موجود منذ خمسة أيام داخل المطعم التركي، مقتل شقيقه الأصغر على يد قناص كان موجوداً على سطح المبنى التركي في مظاهرات الأول من أكتوبر/تشرين الأول.

ويقول رحيم لـ "عربي بوست"، إن "مقتل شقيقي الأصغر في المظاهرات السابقة كان بمثابة صدمة، لم أستطع الخروج منها، إلا أن مظاهرات والاعتصام حالياً في ساحة التحرير دفعاني إلى الخروج لأخذ ثأر شقيقي".

وأضاف: "دمه لم يذهب هدراً، روحه الطاهرة لا ترتاح إلا بإسقاط النظام السياسي والأحزاب الفاسدة والميليشيات التي قتلت وما زالت تقتل المتظاهرين".

"لن نخذل المتظاهرين بترك جبل أُحد"

مبنى المطعم التركي تعرَّض للحرق في أول وثاني يوم للمظاهرات، في محاولة من القوات الحكومية لإنزال المتظاهرين من أعلى سطح المبنى، بالإضافة إلى أنه يتعرض يومياً لكثير من القنابل المسيلة للدموع والصوتية؛ وهو ما تسبب في استشهاد متظاهر وإصابة عشرات كانوا موجودين داخل المطعم التركي.

المتظاهرون الموجودون على جسر الجمهورية يحاولون إبعاد القوات الحكومية وإنزالهم من الجسر، من أجل حماية المطعم التركي، المبنى أصبح مركزاً لقيادة المظاهرات.

متظاهر في بغداد
متظاهر في بغداد

توزيع الطعام والماء على الموجودين داخل المبنى

في أثناء تجوُّل مراسل "عربي بوست" داخل مبنى المطعم التركي، شاهد تحرُّك مجموعة من المتظاهرين وهم يوزعون الطعام والماء وأنواع الفواكه والعصائر والمشروبات الغازية على المتظاهرين.

محمد حسين، أحد الشباب الذين يوزعون الطعام على المتظاهرين، يقول لـ "عربي بوست": "إنني وبعض الأصدقاء موجودون في مبنى المطعم التركي منذ اليوم الثاني للمظاهرات، عملنا يتركز فقط على توزيع الطعام والماء مجاناً على المتظاهرين والمعتصمين المرابطين على جبل أُحد، وجودنا معهم هدفه إعطاؤهم دافعاً معنوياً للاستمرار في التظاهر، لتحقيق المطالب المشروعة وإسقاط الفاسدين وإزاحتهم من الحُكم".

يقول: "من الضروري توفير كل ما يحتاجه المتظاهر، إذا لم نوفر الطعام والماء للمتظاهر فقد يتراجع أو ينسحب من موقعه، هذا لم يحدث بسبب توفير الاحتياجات كافة للمتظاهر والتي نحصل عليها على شكل تبرعات من المواطنين".

المَفرزة الطبية كانت حاضرة على سطح المطعم التركي

ولم يخلُ سطح مبنى المطعم التركي من وجود المفرزة الطبية، إذ إن طلاب كليات الطب في الجامعات العراقية يعملون على إسعاف المتظاهرين وتوفير الأدوية لهم.

وهي كانت موجودة على سطح المطعم التركي، منذ اليوم الثاني للمظاهرات.

كثير من المتظاهرين تعرضوا إلى اختناق في التنفس، بالإضافة إلى جروح وتمزق عضلي وحروق، نتيجة ضرب المبنى بالقنابل المسيلة للدموع والصوتية الحارقة.

المفرزة تواجه صعوبة في نقل المصابين الذين يتعرضون إلى حالات خطرة إلى المستشفيات، لعدم وجود أجهزة طبية.

من حسن الحظ أنه يوجد تعاون بين المفرزة والمفارز الطبية الأخرى الموجودة في ساحة التحرير.

ويقول أعضاء المفرزة "للأسف وزارة الصحة العراقية وجمعية الهلال الأحمر لم تقوما بدعمنا، كل الأدوية الطبية المتوفرة لدينا هي من دعم أصحاب المهن الصحية والمواطنين.

علي رحيم، طالب بالسنة الثانية في كلية الطب جامعة المستنصرية، يقول لـ "عربي بوست": "لم أخرج من أجل فرصة عمل، فأنا وضعي المعيشي جيد جداً، إلا أنني خرجت من أجل الثورة التي خرج من أجلها آلاف الشباب في بغداد والمحافظات".

وأضاف: "هناك جهات تحاول تشويه سمعة المتظاهرين، وتُصوّرهم على أنهم مخربون أو مندسون تابعون إلى دول الجوار أو أمريكا وإسرائيل، وهذا شيء غير صحيح".

علامات:
تحميل المزيد