ضحايا وسائل التجسس الإسرائيلية.. خاشقجي وإماراتي ومصريون، والقائمة تطول

عربي بوست
تم النشر: 2019/10/30 الساعة 17:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/30 الساعة 18:00 بتوقيت غرينتش
أبرز ضحايا التجسس شهيد الكلمة جمال خاشقجي

التحرك القضائي من جانب شركة فيسبوك ضد شركة إسرائيلية متخصصة في إنتاج برامج التجسس، أعاد إلى الواجهة لائحة طويلة من ضحايا البرنامج نفسه من بين المعارضين العرب، من صحفيين ونشطاء وأكاديميين، فما القصة؟

السعودية قتلت خاشقجي

يتصدر تلك اللائحة الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، الذي اغتيل بقنصلية بلاده في إسطنبول مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018، في جريمة روَّعت العالم وكانت لها تداعيات ضخمة لا تزال مستمرة. والعلاقة بين جريمة قتل خاشقجي وبرنامج التجسس الأخطر في العالم الذي تنتجه وتطوره شركة NSO الإسرائيلية، كشفتها دعوى قضائية أعقبت وقوع الجريمة.

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية كانت قد نشرت تقريراً، في ديسمبر/كانون الأول 2018، حول قيام المعارض السعودي عُمر عبدالعزيز، المقيم في مونتريال، برفع دعوى قضائية في إسرائيل، متهماً شركة NSO باختراق هاتفه لحساب الحكومة السعودية.

وقال عبدالعزيز إنه تعرض مراراً وتكراراً، لضغوط من قِبل الأشخاص أنفسهم المتهمين بقتل خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول، مطالبين إياه بالعودة إلى السعودية، وقام بتسجيل بعض هذه المكالمات.

في أعقاب ذلك، وبحسب وثائق المحكمة، تلقَّى رسالة نصية بدت كرابط لتعقُّب شحنة، لكن تبين في وقت لاحقٍ أنه رابط لشركة التجسس الإسرائيلية NSO التي تتخذ من هرتسليا مقراً لها، حسبما جاء في التقرير، وفي وقت لاحق أبلغته مؤسسة "سيتزن لاب" الكندية أن هاتفه قد تعرض للاختراق، وأن الحكومة السعودية تقف وراء ذلك.

وأكد إدوارد سنودن، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأمريكية والذي يعد هارباً منذ تسريبه وثائق أمريكية سرية للصحافة، العلاقة بين NSO وقتل خاشقجي، حيث تساءل بحسب تقرير "نيويورك تايمز": "كيف عرفوا نواياه؟ كيف قرروا أنه شخص يجب العمل ضده وأنه يستحق المخاطرة؟ والواقع هو أنهم تنصتوا على أحد أصدقائه أو معارفه باستخدام برنامج أنشأته شركة إسرائيلية.

الإماراتي أحمد منصور

الناشط الحقوقي والأكاديمي الإماراتي أحمد منصور، الذي حُكم عليه بالسجن عشر سنوات وغرامة مالية قدرها مليون درهم، في نهاية مايو/أيار 2018، بتهمة التشهير والإساءة إلى حكومة الإمارات على وسائل التواصل الاجتماعي- ضحية أخرى من ضحايا وسائل التجسس الإسرائيلية التي تستخدمها أبوظبي لمطاردة الناشطين والمعارضين.

وكانت منظمة "سيتزن لاب" الكندية، المتخصصة في البحث والتطوير والسياسات الاستراتيجية الرفيعة المستوى وتكنولوجيا الاتصالات وحقوق الإنسان والأمن العالمي، قد أطلقت على منصور لقب "معارض المليون دولار" عام 2016، وقالت في تفسير ذلك: "تلقَّى منصور رسائل نصية مشبوهة على هاتفه على أنها معلومات عن المحتجزين في سجون الإمارات، وتدعوه إلى الضغط على الرابط لرؤية المحتوى".

الإماراتي أحمد منصور / سيتزن لاب

واكتشفت المنظمة لاحقاً أن الرابط يؤدي إلى قرصنة الهاتف ببرمجية متطورة من إنتاج شركة NSO الإسرائيلية، تسمح للغير بالسيطرة على الهاتف وكاميرته عن بُعد، بالإضافة إلى مراقبة تطبيقات التراسل وتعقُّب تحركاته. وتقول المنظمة إن تكلفة اختراق هواتف الآيفون من خلال هذه البرمجية، تقدَّر بمليون دولار لكل هاتف.

القائمة في مصر طويلة

التجسس على نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين والمعارضين السياسيين في مصر من جانب أجهزة الأمن، خاصةً الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) والمخابرات بشقيها العام والعسكري، أمر معروف منذ استيلاء الجيش على السلطة عام 1952، والقصص كثيرة وكتب عنها كثيرون، وتلقفتها الأعمال الفنية في السينما والدراما أحياناً.

لكن مع اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني عام 2011، اتخذت السلطة من التجسس على معارضيها سلاحاً للتنكيل بهم والتشهير، عن طريق تسريب تفاصيل حياتهم الخاصة وبثها على برامج التلفزيون ومحطات الإذاعة ومواقع التواصل الاجتماعي.

"الصندوق الأسود" ودور الإمارات

والمثال الأبرز هنا هو برنامج "الصندوق الأسود" الذي كان يقدمه عبدالرحيم علي، نائب في البرلمان الحالي، والذي يقوم على بث تسجيلات خاصة لنشطاء محسوبين على ثورة يناير ومعارضين للنظام السياسي، في انتهاك صارخ للدستور المصري نفسه، الذي يحمي الحياة الشخصية للمواطنين ويمنع انتهاكها إلا بإذن من النيابة العامة إذا ما اقتضى الأمر.

واللافت هنا هو علاقة عبدالرحيم عليّ نفسه بالإمارات، التي تقف وراء تمويل مؤسسة "البوابة" الإعلامية التي يمتلكها مناصفةً مع أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك والمرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة عام 2012 التي فاز بها الرئيس الراحل محمد مرسي، حيث إن كثيراً من التسريبات التي بثها في برنامجه كان مصدرها أجهزة أمنية إماراتية استهدفت النشطاء لحساب النظام المصري في أثناء الثورة، بعد تعرُّض أجهزة الأمن المصرية لحالة من الارتباك، بحسب أحد العاملين السابقين مع عبدالرحيم علي، تحدَّث لـ "عربي بوست"، طالباً عدم الكشف عن هويته.

كان عبدالرحيم قد بث محادثات هاتفية بين بعض الناشطين المصريين مثل عبدالرحمن يوسف القرضاوي وشادي الغزالي حرب وغيرهما، تم تسجيلها في أثناء أحداث الثورة (الفترة من 25 يناير/كانون الثاني و11 فبراير/شباط) والأيام التي تلتها، ورغم أن تلك المحادثات لم تحمل أي شيء يدين أصحابها، فإنه تم بثها في سياق التشويه والتشهير.

الأكاديمي حسن نافعة

ربما يكون آخر ضحايا برامج التجسس الإسرائيلية، التي أصبحت السلاح الأبرز الذي تستخدمه السلطات الأمنية المصرية، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة، الذي اعتُقل في سبتمبر/أيلول 2019، ضمن حملة النظام المصري لمحاصرة الانتفاضة الشعبية التي أثارتها مقاطع الفيديو التي نشرها المقاول والفنان المصري محمد علي حول فساد الرئيس وأسرته وجنرالاته، وكان لافتاً بث رسائل نصية ومحادثات هاتفية بين نافعة وأحد المُعدِّين بقناة الجزيرة، للاتفاق على ظهور الأكاديمي المصري في أحد الأفلام الوثائقية التي تعدها القناة.

حسن نافعة

الآن أصبح معلوماً للجميع الكيفية التي تتم بها عملية التجسس على هواتف الأشخاص الذين يعتبرهم النظام معارضين له، واختراق خصوصيتهم وحياتهم الشخصية لاستخدامها في ترهيبهم والتنكيل بهم، حتى وإن كانت مجرد مراسلات طبيعية بين أكاديمي ومُعِدّ برامج، يتم الاتفاق فيها على الموعد والأجر والمادة تُبَث على الشاشات أمام الملايين.

وتتولى وسائل إعلام النظام تطويع ما يحصل عليه من خلال برامج التجسس الإسرائيلية في رسم صورة عن مؤامرات تستهدف الوطن مقابل حفنة دولارات، مثلما نشر موقع صحيفة الأهرام خبراً عنوانه "أنا مش باخد (عامية مصرية تعني: لا أقبل) أقل من 1000 دولار.. فضيحة حسن نافعة مع الورقة الخضراء التي أزاغت عيون الخائنين"، وهو عنوان مناقض تماماً لمضمون المكالمات وسياقها (الموضوع كاملاً في هذا الرابط مع تسجيل المكالمات).

كم تتكلف الأنظمة للتجسس على مواطنيها المعارضين؟

بعيداً عن الجانب القانوني والانتهاكات الصارخة لحقوق من يتعرضون لتلك الممارسات من جانب النظام المصري، لا بد من طرح سؤال حول التكلفة الباهظة لبرامج التجسس التي توفرها الشركة الإسرائيلية، ومن المهم هنا أن نذكر أن تلك الشركة "NSO" تأسست عام 2010 برأس مالٍ أقل من 2 مليون دولار، واليوم تخطت قيمتها السوقية أكثر من مليار دولار.

فإذا كان النظام المصري، وعلى لسان الرئيس السيسي، يردد طوال الوقت أن مصر "بلد فقير جداً" ويتخذ إجراءات اقتصادية ترفع معاناة الطبقات المتوسطة والفقيرة والكادحة، ويرفع الدعم عن السلع الغذائية الأساسية والمواد البترولية، فكم ينفق على ملاحقة منتقديه وانتهاك حياتهم الشخصية؟

تحميل المزيد