يبدو أن الأمور في هونغ كونغ وصلت إلى مفترق طرق خطير ينذر بانزلاق البلاد إلى دائرة شيطانية من العنف، واللافت أن تأخر السلطة في اتخاذ الإجراءات التي كان يمكن أن تمتص غضب الشباب المحتج قد أوصل الأمور لنقطة اللاعودة، فما هي القصة؟
مجلة فورين بوليسي الأمريكية نشرت تحليلاً بعنوان: "مستقبل هونغ كونغ: دولة بوليسية أم دولة عصابات؟"، أعدته ميليندا لو، مديرة مكتب مجلة Newsweek في بكين، وشاركت في تأليف كتاب Beijing Spring، الذي يتناول أحداث أبريل/نيسان – يونيو/حزيران 1989.
عنف الشباب المحتج
شهد هذا الأسبوع إلقاء متظاهرين في هونغ كونغ قنابل حارقة تسببت في إشعال النيران في منافذ البيع بالتجزئة بمنطقة كولون، وفي الوقت ذاته كان المتفرجون ينعتون قوات الشرطة بكلمات تتهمهم بالتحالف مع العصابات الإجرامية. تصاعد الدخان الأسود فوق المتاجر التي يُعتقد أنها مرتبطة ببر الصين الرئيسي؛ مثل تلك الخاصة بشركة Xiaomi الصينية لصناعة الهواتف المحمولة، وسلسلة متاجر Best Mart 360 الشهيرة للوجبات السريعة التي يُزعم ارتباطها بعصابات من مقاطعة فوجيان الصينية. أزعجت هذه الأعمال التخريبية كثيرين من السكان، وأثار الأمر مزيداً من الأصوات المطالبة بالعودة إلى المشاورات بوصفها وسيلة سلمية للمعارضة.
غير أن هذا هو مكمن الإشكال. ربما ليس هناك مجال للعودة بالنسبة إلى كلٍّ من السلطات في هونغ كونغ والمعارضين لها. فقد تصاعد العنف تصاعداً ينذر بالسوء. اتُهم شابٌ في الـ18 من عمره بطعن ضابط شرطة باستخدام أداة حادة. كذلك، وانفجرت عبوة ناسفة على جانب الطريق أثناء مرور سيارات الشرطة، ولكن لم يُصب أحدٌ. وضرب عديدٌ من الرجال -ربما هم من جنوب آسيا- السياسي المؤيد للديمقراطية جيمي شام على رأسه بالشواكيش؛ وجدير بالذكر أنه قد جرى أيضاً التعدي على تسعة سياسيين مؤيدين للديمقراطية على الأقل خلال شهرين (فضلاً عن أن هذا هو الهجوم الثاني الذي يتعرض له شام). ويُلقي كثيرون اللوم على عصابات قديمة تُعرف بـ"عصابات الثالوث الصيني". فبعد مواجهات دامية في 21 يوليو/تموز في يوين لونغ، تسبب تسجيل فيديو التقط لشُرطيين يتحدثون مع من زُعم أنهم أفراد من عصابة الثالوث الصيني في إثارة حالة غضب كبيرة.
العصابات تظهر على الساحة
قال هو-فونج، وهو أستاذ بجامعة جونز هوبكنز ومؤلف كتاب يتناول المظاهرات الصينية: "صار التصور التقليدي تورط عصابة الثالوث الصيني. يظهر تحليل البيانات الكبيرة أنه بعد أحداث 21 يوليو/تموز، أضحى كثيرون من الأشخاص الذين كانوا معتدلين قبل ذلك يدعمون الأعمال الأكثر تطرفاً".
وقالت فيكتوريا تين-بور هوي، وهي أستاذة جامعية مساعدة في العلوم السياسية بجامعة نوتردام ومن مواطني هونغ كونغ، إن عودة المتظاهرين إلى المعارضة السلمية "لن تتأتى إلا إذا كُبح جماح الشرطة". لكن الشرطة تخرج بقوة في محاولة للتصدي للعنف المتزايد. وأضافت هوي أن المشكلة بمثابة معضلة "الدجاجة أولاً أم البيضة"، وأن العنف قد أتى بنتائج عكسية. وقالت أيضاً إن التحركات غير العنيفة مثل مقاطعة المنتجات -مثلما حدث في فترة الفصل العنصري بجنوب إفريقيا- أكثر استدامة؛ ذلك لأن من شأن "العنف المتزايد أن يكون ذريعة بالنسبة لبكين لشنِّ حملة صارمة".
سيناريوهات مستقبلية مقلقة
لا شك أنه في حال استمرار المحتجين في إلقاء قنابل المولوتوف وتخريب رموز سلطة بكين، قد تواجه هونغ كونغ واحداً من سيناريوهين بديلين قاسيين للمستقبل: فهل ستغدو دولةً بوليسية أم دولة عصابات؟ استدعت الرئيس التنفيذي كاري لام بالفعل سلطات الطوارئ التي يرجع تاريخها إلى قرن من الزمان لمنع المتظاهرين من ارتداء الأقنعة، وهي خطوة يفترض السكان أنها مجرد بداية لما هو أسوأ.
ويخشى البعض من أن تلوح في الأفق قيود عنيفة على شاكلة الأحكام العرفية. قال بريطاني يقيم في هونغ كونغ: "بدأ فجأة زميل يرسل لي مقالات كثيرة على موقع فيسبوك، ويطلب مني أن أنشر أخبار المظاهرات إلى كلِّ شخص أعرفه، وذلك قبل أن تقطع السلطات الاتصال بالإنترنت". ووصف عضو مجلس الشيوخ الأمريكي جوش هاولي، في زيارة له لهونغ كونغ في أكتوبر/تشرين الأول الوضع قائلاً إن هونغ كونغ "تتعرض لخطر الانزلاق نحو الدولة البوليسية"، وإن المتظاهرين بدأوا ينادون بحل هيئات إنفاذ القانون تماماً. وقد اعترفت لام، التي فقدت مصداقيتها إلى حدٍّ كبير، بأنها أصبحت في حيرة بسبب هذه الفكرة.
رئيسة هونغ كونغ سبب المشكلة
غير أن الأمر قد لا يستمر مشكلة لام لوقت طويل. فقد وردت تقارير تفيد بأن رؤساءها في بكين قد فاض بهم الكيل بسبب عدم قدرتها على تولي زمام الأمور. وإن استمر الحال هكذا لوقت طويلة، فمن شأن قيادتها الضعيفة، والشرطة التي لا تتمتع بالثقة والأخلاق، والتهديد الغامض لعصابة الثالوث الصيني، والمتظاهرين الذين يصبحون أكثر عنفاً، والقلق المتزايد في بكين، أن تبدل المشهد إلى عجزٍ تام عن الحكم، وعلى الأقل في نظر الصين. وصرح رئيس الوزراء السنغافوري لي هسين لونغ الأسبوع الماضي بأن دولته قد "تنتهي" إذا تعرضت لاضطرابات مماثلة. لا تستهدف مطالب المتظاهرين المساعدة في حلِّ مشكلات هونغ كونغ، بل تستهدف "إهانة الحكومة وإسقاطها"، وهو ما صرح به هسين لونغ في مؤتمر انعقد في سنغافورة، مضيفاً: "وماذا بعد ذلك؟".
في شهر يونيو/حزيران، لم يكن أغلب سكان هونغ كونغ يتنبأون أن الشباب الغض الذين خرجوا إلى الشوارع بعد ذلك، سوف يفجرون قنابل المولوتوف أو سوف يطعنون رجال الشرطة، ولم يتنبأوا بأن تصبح شرطة هونغ كونغ، التي وُصفت قبل ذلك بـ"الأفضل في آسيا"، متهمة بارتكاب الانتهاكات وممارسة البلطجة. لم تَعد المسألة تتعلق بقدرة لام على الخروج من تلك الأزمة، بل بقدرة أي مسؤول تنفيذي مستقبلي آخر على امتلاك السلطة والثقة اللازمتين لرأب الصدع بين المتظاهرين وقوات الشرطة.
إجراءات متأخرة يسبقها الحراك
ولعل هذا الأسبوع محوري بالنسبة للام ورؤسائها في بكين. ولربما استطاعت لام إحداث فارق قبل بضعة أشهر إن اعتذرت وألغت قانون تسليم المجرمين الذي أثار الجدل والقلق العام في المقام الأول. (فقد كان من المخطط السماح بنقل المشتبه بهم جنائياً في هونغ كونغ إلى سلطات قضائية ليس لديها اتفاقات لتسليم المجرمين مع هونغ كونغ، بما في ذلك بر الصين الرئيسي، حيث المحاكم مُسيَّسة بشكلٍ كبير والمحاكمات العادلة غير مضمونة). ولكنها ترددت؛ فعلقت أولاً الاقتراح، وهو الأمر الذي لم يرضِ المحتجين نظراً لإمكانية استعادته في أي وقت. ثم صرحت قائلة إنه اقتراح "ميت"، ولكن هذا لم يكن له تأثير كبير في تهدئة التوترات أيضاً. (في الوقت نفسه، لقى حظرها ارتداء المتظاهرين الأقنعة يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول السخرية على نطاق واسع. وردّاً على هذا الحظر، خرج مئات المتظاهرين إلى الشوارع مرتدين أقنعة تصوِّر كلٍّ من الرئيس الصيني شي جين بينغ، وشخصية الجوكر، وشخصية ويني ذا بو الكرتونية. وهتفوا قائلين "المتظاهرون يغطون وجوههم وكاري لام تغطي قلبها").
وعندما أُلغي قانون تسليم المجرمين رسميّاً هذا الأسبوع، لم يلقَ الأمر أي اهتمام تقريباً. فقد زاحمته عناوين الأخبار حول الفوضى التي عمَّت يوم الأحد، 20 أكتوبر/كانون الأول -وكذلك التنبؤات حول أن نهاية حكم لام ليست إلا مسألة وقت.
وقد نشرت جريدة Financial Times تقريراً أفاد بأن السلطات الصينية قد بدأت في وضع سيناريوهات ليحلَّ مسؤول تنفيذي مؤقت محل لام. إن وافقت القيادة العليا في الصين على هذه الانتقالات، فقد تخسر لام منصبها بحلول مارس/آذار المقبل. وعند سؤال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية عن مقال جريدة Financial Time، وصفه بـ"إشاعة سياسية ذات دوافع خفية". غير أن شعبية المسؤولة التنفيذية المتعثرة -التي أطلق عليها بعضٌ لقب "كاري لام-طوانيت" (في إشارة إلى ماري أنطوانيت، ملكة فرنسا في القرن الثامن عشر، صاحبة مقولة: "فليأكل الشعب البسكويت، إذا لم يكن هناك خبز")- قد قلت كثيراً لدرجة تجعل الاستراتيجيين في بكين يستنتجون أنه لم يُعد لديهم ما يخسروه إن استغنوا عنها.
تراجع فرص التوصل لحل ديمقراطي
يبدو أن الخيارات المتاحة لحلِّ الأزمة تأخذ في التناقص. قال جوزيف تشو واي تشان، أستاذ السياسة بجامعة هونغ كونغ، الذي حاول المساعدة في التوسط بين المسؤولين الحكوميين وبعض أعضاء حركة احتجاجية سابقة تُعرف بـ Occupy Central: "أنا متشائم بعض الشيء. أما اليوم، فلا يبدو أن أحداً مستعد لقبول حلول وسط". ويعتقد تشان أن لام كانت لتُحدث بعض التأثير إن كانت وافقت بسرعة على عمل تحقيق مستقل حقيقي حول انتهاكات الشرطة. لكن الحكومة قد تكون ظنت أن مثل هذا الخيار انتحاريّ، لأن أولويتها الأولى في ذلك الوقت كانت "حفظ الأمن، وهو شيء لا يستطيع أحدٌ تحقيقه إلا الشرطة".
وبعد عشرين أسبوعاً من الاضطرابات، أدت حلقة مفرغة من عدم الثقة إلى التفكير في أن بعض أفراد شرطة هونغ كونغ يمثلون جزءاً من المشكلة وليس من حلها. ففي يوم الأحد، 20 أكتوبر/تشرين الأول، جهزت الشرطة، في إطار تأهبها لقضاء ليلة أخرى من الاضطرابات، شاحنة خراطيم مياه ترش صبغة زرقاء سائلة مزعجة -بهدف ردع المتظاهرين- واستخدمتها عند المدخل الأمامي لمسجد كولون، وعلى بعض المارة أيضاً.
وفي اليوم التالي، زارت لام المسجد مع ممثلين عن الشرطة للاعتذار عن الواقعة، وأصروا أنها لم تكن مقصودة. وقد اتفق معهم المتحدث باسم المسجد، إذ قال إنه "استناداً إلى علاقاتنا الماضية، فنحن طالما كنا نتمتع بعلاقة طيبة مع قوات الشرطة.. وليس هناك سبب يجعلهم يهاجمون المسجد". غير أن الجميع لم يتعاملوا مع الأمر بهدوء. فقال موهان تشوغاني، الرئيس السابق للمؤسسة الهندية بهونغ كونغ، إنه كان يحاول حماية المسجد عندما رشته الشرطة بهذا السائل. وأخبر تشوغاني الصحفيين: "لقد كنت أؤمن بالشرطة من قبل. ولكن لم أعد كذلك بعد الآن".
الشرطة بين المطرقة والسندان
وفي جريدة South China Morning Post بهونغ كونغ، انتقد المعلق أليكس لو خطاب السياسة السنوية الذي ألقته لام مؤخراً لأنه ركَّز على قضايا عادية إلى حدٍّ ما؛ مثل: الإسكان، والرهن العقاري، والأراضي، دون محاولة التطرق إلى الأزمة الحالية من خلال "مخاطبة المعارضين وتهدئة غضب الثوار الشباب والبحث عن أرضية مشتركة". وكتب لو إنه بدلاً من فعل ذلك، "ظلَّت لام تقول لا، لا، لا.. دون طرح خيارات بديلة. عليها أن تعلم بالتأكيد أن ما فعلته هو بمثابة التلويح بعلمٍ أحمر اللون أمام ثورٍ هائج".
ومع تزايد العنف، وجدت شرطة هونغ كونغ نفسها في "موقع مستحيل، فهي وجه للحكومة وهدف للمتظاهرين"، وهو ما عبر عنه مارتن بيربريك، الضابط السابق في شرطة هونغ كونغ الملكية، في صحيفة Asian Affairs، حيث شبَّه الموقف بفيلم Catch 22.
وقد تبلور الاعتقاد بأن الجهات المنفذة للقانون في هونغ كونغ نفسها تُقلل من شأن القانون والنظام بشكل كبير منذ ثلاثة أشهر في يوين لونغ، أثناء الصدام الأسوأ حتى الآن. ففي يوم 21 يوليو/تموز، لم يهاجم أعضاء العصابة الذين يرتدون قمصاناً بيضاء المتظاهرين الذين يرتدون ملابس سوداء فحسب، بل وهاجموا السكان العاديين أيضاً. اتصل مئات من المواطنين بالشرطة طلباً للنجدة، وبعد أن وصلت الشرطة بعد 39 دقيقة من أول مكالمة، وجهت الأسئلة إلى عددٍ قليل من الرجال، ولكنها لم تستوقف أحداً في البداية. سمح هذا للمهاجمين العودة مرة ثانية ومتابعة اعتداءاتهم ليصاب نحو 48 شخصاً بجروح.
كتب بيربريك أن هجمات يوين لونغ "التي يُعتقد أنها نُفذِّت من قبل قرويين محليين وأفراد عصابة الثالوث الصيني (وهي تجمع إجرامي سري)، صدمت هونغ كونغ ونشرت الاعتقاد بأن الشرطة كانت متواطئة مع عصابة الثالوث الصيني. حرَّك هذا الحدث عدداً كبيراً من سكان هونغ كونغ المحايدين ضد الشرطة، وبدأ كثير من الناس إطلاق اسم "haak ging" أو "الشرطة السوداء" على قوات الشرطة.
الشرطة متواطئة مع العصابات؟
وأُلقى النقاد اللوم على لام لأنها فشلت في تفهم مدى إلحاح الموق. ولكن ربما يكون شيء أكثر من مجرد سوء تقدير بسيط قد ساعد على تأجيج أسوأ أزمة تشهدها هونغ كونغ منذ أن عادت المستعمرة البريطانية السابقة إلى السيادة الصينية في عام 1997، بموجب صيغة أطلق عليها "دولة واحدة ونظامان". من الواضح أن توقيت تحرك لام المفاجئ لتنفيذ التشريع المثير للجدل كان قرارها، ولم يكن بموجب جدولٍ زمني أملته عليها بكين. فليس هناك دلائل كافية على أن القادة في الصين كانوا يرغبون في خوض تلك المخاطرة أثناء التجهيز للاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية يوم 1 أكتوبر/كانون الأول.
كانت لام في عجلة من أمرها لأنها أرادت تقديم معروف للمسؤولين في بكين بمناسبة الاحتفال، وذلك وفقاً لما صرح به ثلاثة مصادر وافقوا مناقشة هذا الموضوع الحساس بشرط عدم الإفصاح عن أسماءهم. انبهرت لام بالمجد الذي أغدقته بكين على المحققين الصينيين المعنيين بمكافحة الكسب غير المشروع الذين استطاعوا إعادة عدد من الشخصيات الهاربة المزعوم فسادها إلى البر الرئيسي في الصين، بعد أن هربوا خارج البلاد.
قانون تسليم المتهمين سبب الثورة
ولكن، في خضم حماستها لتقديم "هدية عيد ميلاد"، لم تبصر لام المخاطرة المحتملة، ما أدى إلى إطلاق موجة مفاجئة من الاضطرابات التي كادت تفسد موكب الاحتفال بالعيد القومي. وقد شهد يوم 1 أكتوبر/تشرين الأول هياج المتظاهرين في شوارع هونغ كونغ، وأصيب أحدهم بطلق ناري في الصدر بسبب الذخيرة الحية التي أطلقتها الشرطة. ولم تدرك لام أيضاً قدر الوقت الذي أهدرته. والآن، بعد أن خرجت الأمور عن السيطرة، أصبح التراجع عن قانون تسليم المجرمين مطلباً واحداً فقط -وربما هو الأقل أهمية- من بين المطالب الخمسة للمتظاهرين. والمطالب الأربعة الأخرى هي التراجع عن وصف المظاهرات بأنها "أعمال شغب"، وإصدار عفوٍ عام عن المتظاهرين المقبوض عليهم، وبدء تحقيق مستقل حول الوحشية المزعومة للشرطة، بالإضافة إلى المطلب الأخير والأصعب، وهو تمكين مواطني هونغ كونغ من إجراء الاقتراع العام الكامل لاختيار مسؤوليهم.
إن كانت لام ومساعدوها اجتهدوا قليلاً، لكانوا أدركوا أن اقتراحها لاستحداث قانون تسليم المجرمين سيضغط بالتأكيد على جُرحٍ قديم. ففي الأعوام التي سبقت 1997، خاض ممثلون عن بريطانيا، والصين، وهونغ كونغ نقاشاً طويلاً وصعباً حول تفاصيل التسليم التي لا تُحصى. وحاولوا مرتين تناول موضوع تسليم الجناة الهاربين إلى مكان آخر من أجل محاكمتهم، وفي كلِّ مرة كانوا يتوقفون عن مناقشة الموضوع لأنه كان معقداً للغاية ولا يمكن حله بسهولة. من جانبها، أعطت لام في فبراير/شباط مبرر احتجاز المشتبه به الجنائي تشان تونغ كاي في هونغ كونغ، بعد اعترافه بقتل صديقته في تايوان. وبوصفه مقيماً في هونغ كونغ، سُجن تشان فيها بتهمة غسيل الأموال، وهي تهمة مرتبطة بأموال صديقته ومتعلقاتها. وفي أثناء التحقيقات معه، أخبر تشان شرطة هونغ كونغ أنه خنق صديقته الحامل خلال رحلة عيد الحب في عام 2018، ووضع جثتها في حقيبة خبأها بين الشجيرات خارج تايبيه.
وبعد أن قضى عقوبة تهمة غسيل الأموال (وقد أُفرج عنه مبكراً لحسن السير والسلوك)، خرج تشان من السجن في هونغ كونغ هذا الأسبوع. وقال إنه سيُسلم نفسه طواعية إلى السلطات التايوانية لمحاكمته على تهمة القتل. ولكن في الوقت الحالي، ثمة جدل بين هونغ كونغ وتايبيه حول كيفية نقل المتهم، وإذا ما كانت تايبيه تستطيع الوثوق في هونغ كونغ وتشارك معها الأدلة في هذه القضية، وكذلك حول المصطلحات التي يجب استخدامها.
تكمن خلفية القصة في أن بكين تَعدُّ تايوان جزءاً من الصين، مع إن السلطات التايوانية تتمتع بالحكم الذاتي منذ 70 سنة. وتتمتع هونغ كونغ بوضع شبه مستقل، ولكنها عادت في عام 1997 تحت سيادة بكين، التي ليس لها علاقات دبلوماسية طبيعية مع تايبيه أو أي دولة تعترف دبلوماسيّاً بتايوان. ولذا يجب على هونغ كونغ المُضي قدماً بحذر في هذا الموضوع حتى لا تبدو وكأنها تعترف باستقلالية تايوان.
اعترفت لام أنها "تنفست الصعداء" عندما قرر تشان تسليم نفسه؛ وأعربت عن أملها أن "يشعر المجتمع بالهدوء" نتيجة لهذا. قد يبدو من المنطقي أن يأخذ الشعب استراحة. ومؤخراً، شعر المتظاهرون بالراحة إزاء زيارة ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي هونغ كونغ؛ حيث أثنوا على النشطاء، ولكنهم حذروهم في الوقت نفسه من خسارة الدعم الدولي إن اختاروا مسار العنف. وقد أكد على تلك الرسالة مؤخراً مايك بينس، نائب الرئيس الأمريكي، عندما أثنى في خطابٍ قريب له على سلطات هونغ كونغ لتخليها عن مشروع قانون تسليم المجرمين المثير للجدل، وعلى وبكين لإظهارها "قدراً من ضبط النفس". وقد وجه أيضاً رسالة إلى المتظاهرين في هونغ كونغ، قال فيها: "نحن نقف معكم، وأنتم تلهموننا، ونحن نحثكم على البقاء في مسار المظاهرات السلمية".
ولكن إن كانت لام تأمل في إنقاذ أي شيء من فترة ولايتها في الوقت المتبقي لها، فيتعين عليها الاهتمام بقضية إصلاح الشرطة. يعتقد كثيرون أن جروح هونغ كونغ لن تلتئم أبداً كما يجب من دون إجراء تحقيق جاد حول وحشية الشرطة المزعومة، غير أن لام تتعامل وكأن هذه مهمة مستحيلة. فهل يكون موقفها لأن مثل هذا التحقيق قد يكشف عن نتائج تفضِّل بكين ألا تنكشف؟
الشرطة منحازة لبكين
أحد أسباب التوتر بين الشعب والشرطة يتعلق بوجهة ولاء الشرطة. فلا يقلق السكان فقط من أن بعض الضباط ينحازون لعصابة الثالوث الصيني فحسب، ولكن أيضاً لأنهم مُلقنون من قبل بكين. كافأت السلطات الصينية كبار مفوضي الشرطة المتقاعدين بألقاب مثيرة للإعجاب؛ فقد كوفئ ضابط شرطة من هونغ كونغ كان قد واجه المتظاهرين بقسوة هذا الصيف، بالحصول على موقع مميز في مسيرة الاحتفال باليوم القومي لبكين. يتلقى كذلك عددٌ من رجال شرطة هونغ كونغ تدريبات في المرافق الشُرطية بالصين (وأحدها في شينغيانغ)، وهناك تكهنات مستمرة -ولكنها غير مؤكدة- تقول بأن موظفي الجهات المُنفذة للقانون في هونغ كونغ مستهدفون للتجنيد من قبل خلايا الحزب الشيوعي الصيني، كما هو الحال مع الشركات الأجنبية العاملة في الصين. يكمن القلق في أن يكون استخدام بكين للمكافآت السياسية جزءاً من جهاز وصاية خفي يكمن داخل ما يفترض أن يكون كياناً بيروقراطياً مستقلاً في هونغ كونغ.
كانت هناك مؤخراً علامات لبعض الخلافات بين الشرطة وبعض المسؤولين الحكوميين. فعلى خلفية أحداث يوين لونغ في 21 يوليو/تموز، اعتذر ماثيو تشيونغ كين-تشانغ، السكرتير الأول للإدارة الحكومية عن كيفية تعامل الشرطة مع الاعتداءات، معترفاً بأن استجابة الشرطة "لم ترتقِ لتوقعات الشعب". (إذ اُنتقدت الشرطة لعدم استجابتها السريعة والحازمة بالشكل الكافي).
وردّاً على هذا، صرح لام تشي-واي، رئيس رابطة صغار ضباط الشرطة، بأن "تصريحات السكرتير الأول غير المسؤولة تجاهلت جهود ضباط الشرطة، وإخلاصهم، وتظلماتهم، وتضحياتهم في ذلك الحدث السياسية". وقد أذهل هذا التوبيخ عديداً من المراقبين، فعلَّق جوزيف تشان، أستاذ بجامعة هونغ كونغ، قائلاً: "لقد أظهر ذلك تحديّاً صارخاً للسلطة". وقد تكون هذه علامة على الدولة البوليسية التي تلوح في الأفق، والتي كان الشعب يحذر من أن تكون أقل شبهاً بعهد الشرطة التي كان يطلق عليها "الأفضل في آسيا"، وأقرب إلى أسلوب حكم بكين البوليسي على نحو كبير.