قال مسؤولون بارزون في الإدارة الأمريكية، الأحد 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019، إنَّ قوات العمليات الخاصة الأمريكية نفَّذت "مداهمةً محفوفة بالمخاطر" في شمال غرب سوريا فجر الأحد، ضد قياديٍّ إرهابي كبير هناك.
وأضاف مسؤولٌ أمريكي بارز لصحيفة The New York Times الأمريكية أنَّ أفراد الفِرقة والمحللين ما زالوا يحاولون تأكيد هوية الإرهابي، الذي قال المسؤولون إنَّه قُتل في العملية حين فجَّر سترته الانتحارية. لكنَّ شخصاً مقرباً إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال إنَّ المداهمة كانت تستهدف أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). فيما ذكر مسؤولٌ بارز في الإدارة أنَّ الرئيس الأمريكي صدَّق على العملية قبل تنفيذها.
وقال مسؤولون إنَّ المداهمة كانت في محافظة إدلب، على بعد مئات الكيلومترات من المنطقة، التي لَطالما كان يُعتَقد أنَّ البغدادي يختبئ فيها على الحدود السورية العراقية. فضلاً عن أنَّ إدلب واقعةٌ تحت سيطرة جماعاتٍ جهادية مُعارِضة معاديةٍ له.
"لقد وقع حدثٌ كبير جداً!"
ومن جانبه أشار ترامب في تغريدةٍ مقتضبة قُبيل الساعة 9:30 من مساء أمس إلى وقوع حدثٍ كبير، قائلاً: "لقد وقع حدثٌ كبير جداً!".
وبعد ذلك بحوالي 90 دقيقة، قال هوغان غيدلي، المتحدث باسم البيت الأبيض، إنَّ ترامب سيلقي بياناً في الساعة الـ9 بتوقيت الولايات المتحدة من صباح اليوم الأحد 27 أكتوبر/تشرين الأول، وهو وقت غير معتاد للتصريحات الرئاسية الرسمية، ويتزامن مع عرض البرامج الإخبارية الصباحية. ورفض غيدلي توضيح ما يعتزم ترامب قوله.
ما القوات التي نفَّذت العملية؟
قال مسؤولٌ أمريكي إنَّ قوات العمليات الخاصة من فِرقة "دلتا فورس" نفَّذت المهمة بمساعدة معلوماتٍ استخباراتية واستطلاعية ميدانية من وكالة الاستخبارات المركزية.
وقال مسؤولٌ أمريكي إنَّ الجنرال جون برينان جونيور أشرف على المهمة التي خُطِّط لها على مرِّ أسبوع قبل تنفيذها، يوم أمس السبت، بصفته نائب قائد قيادة العمليات الخاصة المشتركة السرية التابعة للجيش الأمريكي.
ورفض متحدثون باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) التعليق، لكنَّهم قالوا إنَّ وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر سيظهر في بعض البرامج الصباحية لمناقشة التطورات في سوريا، وهذا فضلاً عن البيان الذي سيلقيه ترامب. وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ هذه البرامج لم يكن من المقرر سلفاً أن تستضيف إسبر.
لماذا قد يلجأ البغدادي إلى مناطق "النصرة"؟
جديرٌ بالذكر أنَّ هذه العملية، التي كانت مجلة Newsweek الأمريكية أول من نشر عنها، جاءت في الوقت الذي واصلت فيه الولايات المتحدة سحب مئات الجنود الذين كانوا مُكلَّفين بمحاربة الإرهاب من شمالي سوريا، بينما أرسلت عدة مئات من الجنود الآخرين لحماية حقول النفط الشرقية في سوريا من تنظيم داعش.
هذا، وقد أعرب بعض المحللين الأمريكيين عن شكوكهم في أنَّ البغدادي قد يكون مختبئاً في إدلب، فدائماً ما كان يُعتقد أنَّه مختبئ في المناطق الحدودية بين العراق وسوريا، في قلب الخلافة السابقة لتنظيم داعش.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الجماعة المهيمنة في إدلب هي منظمةٌ جهادية تدعى "هيئة تحرير الشام"، المعروفة سابقاً باسم "جبهة النصرة"، التي كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة. وهناك تنافُس بينها وبين تنظيم داعش، لذا سيكون من المُستغرَب اختباء البغدادي في إدلب، ولكن يُعتقد أنَّ المئات من مقاتلي داعش الذين يفرّون من العراق وشمالي شرق سوريا مختبئون في الشمال الغربي، بل إنَّ بعضهم انضمَّ إلى جماعاتٍ تابعة لتنظيم القاعدة الذي يعد مُنافسهم السابق، لذا قال بعض المحللين إنَّه من المحتمل أن يكون البغدادي قد لجأ إليهم بالفعل.
ولا يحظى تنظيم داعش بوجودٍ كبير في إدلب منذ سنوات عديدة، بعدما طردته قوات المعارضة الغاضبة من شمال غربي سوريا.
توقيت العملية.. لماذا الآن؟
وفي السياق نفسه، قال مسؤولٌ أمريكي لنيويورك تايمز، إنَّ كبار المسؤولين العسكريين قرَّروا أنَّ قوات العمليات الخاصة يجب أن تتحرَّك بسرعة لمحاولة قتل قياديين إرهابيين بارزين في شمال غربي سوريا، أو القبض عليهم قبل أن تفقد الولايات المتحدة تلك الإمكانية، في ظل انسحاب جزءٍ كبير من القوات الأمريكية من سوريا.
يُذكَر أنَّ البغدادي، الزعيم الغامض ذا الجلباب الأسود لتنظيم داعش، استطاع تحويل موجة تمرُّد ضعيفة إلى شبكةٍ إرهابية عالمية اجتذبت عشرات الآلاف من المجندين من 100 دولة.
ويُعَد هدفاً لمطاردةٍ دولية مستمرة منذ سنوات، تستهلك موارد أجهزة الاستخبارات في أربعة بلدان مختلفة على الأقل، ويُعتَقَد أنَّه يلتزم بإجراءات أمنية مشددة، حتى عند اجتماعه مع أقرب مساعديه. وقد نُشِرت عدة تقارير سابقة عن مقتله أو إصابته، لكنَّها كانت غير صحيحة.
علم الكثيرون في العالم لأول مرة بأمر البغدادي عام 2014، حين اجتاح رجاله ثلث العراق ونصف سوريا المجاورة، وأعلنوا قيام الخلافة في هذه المنطقة، بزعم إحياء الخلافة.
وفي أوج قوته، رُفع علم التنظيم الأسود فوق مراكز تجمع السكان، مثل مدينة الموصل العراقية، التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليون نسمة. وفي هذه المناطق، فرض التنظيم المعروف باسم داعش التأويلات العنيفة التي يتبناها.
يعتقد أنه لم يكن متطرفاً.. ما خلفية البغدادي؟
يقول مسؤولون أمنيون أمريكيون إن البغدادي اعتُقل بالقرب من مدينة الفلوجة العراقية، في منزل أهل زوجته، في يناير/كانون الثاني عام 2004.
وكان الهدف من المداهمة هو صهره الذي حارب ضد الاحتلال الأمريكي. وقال مسؤولون إن المداهمة ضمَّت البغدادي الذي لم يكن يعتبر أكثر من تابع في تلك المرحلة. وقد أمضى 11 شهراً في مركز احتجاز في معسكر بوكا.
وقد قال بعض المحللين إن الوقت الذي قضاه البغدادي في السجن الأمريكي أدى إلى تطرف أفكاره، لكن أولئك الذين سجنوا معه يقولون إنه كان بالفعل مؤمناً بالعنف حين دخل معسكر السجن مترامي الأطراف.
تشير سجلات البنتاغون إلى أن البغدادي قد أُطلق سراحه أواخر عام 2004، وهو فشل استخباراتي لاحَقَ المسؤولين الأمريكيين.
واختفى البغدادي عن الأنظار لسنوات، ثم في عام 2009 وضعت قوات الأمن يدَها على مخبأ للوثائق في منزل آمن يستخدمه المقاتلون، ووجدت اسم "أبودعاء" في قائمة أفراد التنظيم، وهو الاسم الذي كان البغدادي يستخدمه حينذاك.
وفي مايو/أيار عام 2010، أعلن المتمردون عن قائدهم الجديد: أبودعاء، الذي قدَّم نفسه الآن إلى العالم باسم "أبوبكر البغدادي".
وقد جرت العديد من المحاولات لاعتقاله، لكنه كان ينجو منها بأعجوبة. ولكن مع كل هروب كان البغدادي يصبح أكثر حذراً، وأكثر هوساً بالأمن، وأكثر شكاً، إذ يُعتقد أنه توقف عن استخدام الهواتف المحمولة منذ أكثر من عقد، وأصبح يعتمد على الرسائل التي تُسلم باليد حصراً.
وفي عام 2014، حين صعِد المنبر الرخامي لمسجد في الموصل لإعلان الخلافة، كان هذا أول مقطع فيديو يظهر فيه ووجهه مكشوف.
وقد غذَّت انعزالية البغدادي شائعات عن وفاته، وكانت وسائل الإعلام الإخبارية تورد تقارير تتكهن بوفاته، ولكن ثبت أنها غير صحيحة. وفي كل مرة كان يظهر من جديد في تسجيلات صوتية، هازئاً بالعالم.