صدمة القمع العنيف تتحول لغضب عارم.. هكذا تحدّى العراقيون قوات الأمن وحكومتهم التي فقدوا الثقة بها

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/10/26 الساعة 16:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/26 الساعة 21:40 بتوقيت غرينتش
عشرات القتلى ومئات الجرحى في الاحتجاجات التي انطلقت في العراق منذ يومين/ رويترز

تحدى المتظاهرون العراقيون المطالبون بالوظائف ومساءلة الحكومة، قوات الأمن الجمعة والسبت 25، 26 أكتوبر/تشرين الأول باحتشادهم في وسط بغداد ومدن أخرى، وهو ما يشكل أكبر تحدٍ تواجهه الحكومة منذ الفوضى التي أعقبت الغزو الأمريكي الذي أطاح صدام حسين قبل 16 عاماً.

تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إن يوم الجمعة وحده، قتل على الأقل 30 شخصاً في أرجاء البلاد، من بينهم ثمانية في بغداد، وفقاً للمفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية، التي قالت إن 2312 شخصاً على الأقل أصيبوا، معظمهم من المتظاهرين، في المواجهات الغاضبة مع قوات الأمن.

في إحدى المواجهات في بغداد، أطلق ضباط ملثمون قنابل الغاز المسيل للدموع على جسر يؤدي إلى المنطقة الخضراء، مقر البرلمان ورئيس الوزراء، لصد مجموعة من المتظاهرين العُزَّل في ميدان التحرير. ولكن هذا لم يردع المتظاهرين الذين اتجهوا نحو الجسر مجدداً وحاولت قوات الأمن صدهم مراراً.

الصدمة تتحول لغضب عارم

وكانت هذه الاحتجاجات بمثابة استئناف للمظاهرات المناهضة للحكومة التي بدأت في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول، ولكنها توقفت قبل أسبوعين، بعد مقتل ما يقرب من 150 محتجاً في البلاد على يد قوات الأمن، مما سبب صدمة في البلاد وعمّق الشعور بخيبة الأمل تجاه الحكومة.

ويُذكر أنه قبل ساعات من استئناف الاحتجاجات، قال رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، في خطاب استثنائي متلفز بعد منتصف الليل، إنه يتفهم شكاوى المواطنين العراقيين الذين يشعرون بالانزعاج بسبب البطالة والفساد المستشري وانعدام المساءلة. وتعهد بإجراء إصلاحات.

متظاهرون عراقيون يخرجون بعيد خطاب عادل عبد المهدي ليلة الجمعة، وسط بغداد/AP
متظاهرون عراقيون يخرجون بعيد خطاب عادل عبد المهدي ليلة الجمعة، وسط بغداد/AP

لكن كلمات عبدالمهدي لم تفلح في الحد من الإقبال يوم الجمعة. ورغم أنه كان من الصعب تقدير عدد المتظاهرين، ظهر ما يدل على مشاركة طيف أكبر من العراقيين في التظاهرات، إذ انضم العديد من الأشخاص في منتصف العمر إلى التظاهرات التي يشكل الشباب في سن العشرينات الجزء الأكبر منها.

وصحيح أن لكل متظاهر أسبابه الخاصة للنزول، إلا أنهم جميعاً يشعرون باليأس إزاء معاملة الحكومة لشعبها وانعدام الثقة التام في إمكانية تقديمها أي إصلاحات.

إذ قال غاطي زوير (38 عاماً) للصحيفة الأمريكية: "لا توجد إصلاحات حقيقية. إنها ليست سوى حقنة لتهدئتنا، لتخدير الشعب العراقي. نريد وظائف وأراضي للفقراء ومحاسبة الفاسدين".

وقالت الحكومة هذا الأسبوع بعد إجرائها تحقيقاً إنها ستحاكم أكثر من عشرة من قادة الجيش والشرطة من الذين أمروا أو أشرفوا على إطلاق النار في احتجاجات أوائل أكتوبر/تشرين الأول، التي قتل فيها أيضاً ثمانية من أفراد قوات الأمن. وأُقيل هؤلاء القادة من وظائفهم. لكن الأساليب الدموية عادت الجمعة والسبت مجدداً، بالرغم من كل هذه الوعود.

"هم يكذبون كثيراً، والآن كلهم لصوص"

وأعلنت الحكومة أيضاً عن إصلاحات منها إنشاء محكمة خاصة للقضاء على الفساد، فضلاً عن توفير فرص عمل وإسكان جديدة، ولكن في محادثات مع أكثر من عشرة محتجين من مختلف أطياف الشعب، بدا من المستبعد أن تهدئ تلك الوعود غضبهم. وأشار كثيرون إلى أن الحكومة ليست أفضل من النظام الذي كان قائماً قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 والذي أطاح صدام حسين.

وقال أنسام تامر (40 عاماً)، الذي يعمل في مجال البناء كلما توفر له ذلك: "أمنيتي هي الحصول على 50 متراً مربعاً فقط في هذا البلد، ولدي ابن معاق وطفلان آخران، وأريد أن أعتني بهم فحسب. وكل ما أريده حقاً هو العمل وأنا يائس من هذه الحكومة. هم يعطون وعوداً كاذبة منذ 17 عاماً تقريباً. هم يكذبون كثيراً، والآن كلهم لصوص".

تقول نيويورك تايمز، إنه كان من بين المحتجين أعضاء سابقون في "الحشد الشعبي"، وهي الميليشيا الشيعية التي أصبحت الآن جزءاً من الحكومة والتي ينظر إليها على أنها فاسدة وتضم فصائل مرتبطة بإيران. ويبدو أن هؤلاء المحتجين هم من أصيبوا ولم يعد بإمكانهم العمل. وضمت التظاهرات أيضاً بعض النساء في منتصف العمر اللائي تخرَّج أبناؤهن من الجامعة وهم يتمتعون بالكفاءة ولكنهم لم يستطيعوا العثور على وظائف.

اعتصام مفتوح

ويُذكر أن هذه المواجهات بدأت في وقت مبكر من صباح الجمعة. وبعد أن أسقط المتظاهرون الحواجز ودخلوا المنطقة الخضراء، أطلقت قوات الأمن قنابل الصوت وقنابل الغاز المسيل للدموع في محاولة لصدهم. والجدير بالذكر أن المنطقة الخضراء تضم فيلات العديد من كبار المسؤولين والعديد من السفارات فضلاً عن العديد من المكاتب الحكومية.

متظاهرون في بغداد يتسلقون الحواجز المؤدية إلى المنطقة الخضراء يوم الجمعة/ AP
متظاهرون في بغداد يتسلقون الحواجز المؤدية إلى المنطقة الخضراء يوم الجمعة/ AP

كانت توقعات العنف واضحة مساء الخميس 24 أكتوبر/تشرين الأول في بغداد، إذ أحكم تجار الهواتف المحمولة غلق نوافذ متاجرهم، وأغلقت مكاتب الصرافة أبوابها وهدأت حركة المرور. وحين بدأ المحتجون في التجمع في ميدان التحرير، المكان الذي نشبت فيه بعض أعمال العنف في وقت سابق من هذا الشهر، أغلقت قوات الأمن جسرين يؤديان إلى المنطقة الخضراء.

وفي المحافظات الأخرى، بدأ بعض المتظاهرين في نصب الخيام استعداداً لاعتصام مفتوح طويل.

ورغم أنه كان من الصعب توقع ما يمكن أن يحدث، بدا واضحاً من الغضب بين المواطنين العراقيين بسبب الظلم الفعلي أو المُتصَّور أن العراق قد يواجه أزمة داخلية خطيرة بمثل خطورة أي أزمات حدثت منذ بدأت الحكومات المنتخبة بعد صدام حسين.

وبدا رئيس الوزراء عبدالمهدي وكأنه يتفهم خطورة هذه اللحظة، ولكن كان من الصعب أن نرى أنه يمكنه إقناع الناس بالثقة في أن حكومته قادرة على التغيير.

وقال في خطاب ألقاه بعد منتصف الليل: "نحن أمام أزمة نظام لم تدركها القوى السياسية، لكن الشعب بحسه ووعيه أدركها، وهو ما يفسر الحراك الشعبي الواسع الذي نراه اليوم".

وكان من بين وعوده الفصل الحاسم بين الميليشيات المسلحة التي تعمل مع الجيش عن التيارات السياسية المُمَّثلة في البرلمان، وتقليص حاد في رواتب كبار المسؤولين.

"أنا أبكي على بلدي"

في السياق، ظهر باحتجاجات الجمعة والسبت، قوات من الملثمين الذين يرتدون ملابس سوداء ويطلقون قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت والرصاص الحي. وأشار بعض المتظاهرين إلى أن هؤلاء الملثمين ينتمون للميليشيات التي تدعمها إيران، التي يتنامى نفوذها السياسي في البلاد.

إذ قال رجل مسن مشيراً إلى جسر الجمهورية الذي يؤدي إلى المنطقة الخضراء فيما تقدمت قوات الملثمين عبرها: "انظر، هؤلاء ليسوا قوات عراقية". وقال مشيراً إلى فصيلة من الجنود يرتدون الزي المموه بلونيه الأخضر والأبيض الذي يرتديه الجيش العراقي: "هؤلاء هم القوات العراقية". وقال مشيراً إلى الجسر: "هؤلاء هم ذيول إيران".

وهز أفراد القوات العراقية، الذين سُئلوا عن هوية القوات التي ترتدي الزي الأسود على الجسر، رؤوسهم نفياً. وقال أحدهم: "في الحقيقة، لا نعرف من هم، إنهم ليسوا منا".

وعلى بعد حوالي مربع سكني، بدا سعدون هاشم، وهو مدرس متقاعد يرتدي نظارات طبية وحلة رمادية مرتبة وربطة عنق، حزيناً وهو يتحدث عن الثروة النفطية الوفيرة في العراق وماضيه العريق باعتباره جزءاً من هلال الحضارة الخصيب في الشرق الأوسط.

وقال: "نحن أغنى بلد في العالم، لكننا أفقرها. هذه الحكومة ليست من بلادنا، إنها من دولة مجاورة"، في إشارة إلى نفوذ إيران. وقال: "أنا أبكي على بلدي".

تحميل المزيد