خلافات نشبت داخل أوساط عرب إسرائيل بعد الإعلان عن أن القائمة العربية المشتركة ستدعى لمباحثات تشكيل الحكومة الإسرائيلية بقيادة الجنرال بيني غانتس دون أي وعود بمشاركتها.
فقد أعلن حزب "أزرق أبيض" الإسرائيلي بزعامة الجنرال بيني غانتس، أنه سيدعو القائمة العربية المشتركة لمشاورات تشكيل الحكومة الإسرائيلية، عقب تلقيه كتاب تكليف رسمي من الرئيس الإسرائيلي، بالمهمة الجديدة التي فشل فيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وأكد مساعدو غانتس أن القائمة المشتركة ستُدعى لمفاوضات الائتلاف، لكنهم رفضوا التعهد بأن أعضاءها سيكونون بالفعل جزءاً من الحكومة.
في المقابل، حذر نتنياهو من تشكيل حكومة أقلية بمشاركة عربية، فإن دعوة غانتس للقائمة للمشاركة بمشاورات تشكيل الحكومة قد تثير بدورها انقساماً عربياً داخلياً.
وجددت هذه الدعوة المنتظرة الخلافات حول جدوى دعم حكومة يقودها جنرال إسرائيلي يتفاخر بقصفه لغزة، ويعلن أنه يسعى لترميم منظومة الردع الإسرائيلية أمام المقاومة الفلسطينية.
الأهم ما مصداقية هذه الدعوة للمشاركة في مشاورات تشكيل الحكومة، وكيف تنعكس على واقع فلسطيني إسرائيل.
وهل يتوافر توافق عربي حولها، أم تسبب انقساماً في الساحة العربية؟ وما موقف السلطة الفلسطينية من هذا التطور، وقد أعلنت أنها تدعم الإطاحة بنتنياهو بكل ثمن؟
نقاشات حادة داخل القائمة العربية المشتركة ، ولا قرار نهائياً بعد
عضو الكنيست العربي من القائمة المشتركة، أخفى هويته، أبلغ "عربي بوست" بأن "القائمة تشهد نقاشات جادة حول طبيعة التعامل مع دعوة متوقعة من غانتس للدخول بمشاورات لتشكيل الحكومة، ولم نصل بعد لقرار نهائي، مع أن غانتس بدوننا لن يستطيع تشكيل حكومته، سواء بدعمنا له من داخلها أم خارجها، صحيح أنه لم يصلنا بعد مقترح رسمي من حزب أزرق-أبيض، لكن كل خياراتنا على الطاولة".
وأضاف أننا "ندير نقاشاتنا ونجري اتصالاتنا والتوجه الإيجابي يقضي بدعم غانتس، لكنه مرهون بما قد يعرضه علينا، هناك اتصالات مكثفة تجري بين الجانبين، القائمة المشتركة وأزرق-أبيض".
وأضاف: "نحن مطالبون بالتأثير على الحلبة السياسية في إسرائيل، وسبق أن أبلغنا الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين بتوصيتنا لغانتس بتشكيل الحكومة، صحيح أن هناك خلافات داخل القائمة، لكننا نجري حواراتنا الداخلية بصورة ديمقراطية".
آخر مرة دُعي فيها النواب العرب لمفاوضات الائتلاف الإسرائيلية عام 1999، حين ترأس الحكومة إيهود باراك، وفي 1993 منحوا شبكة أمان لحكومة إسحاق رابين، برئاسة عضو الكنيست العربي توفيق زياد.
وقد أعلن أيمن عودة أنه في حال ذهب غانتس في طريق رابين في السلام مع الفلسطينيين والعرب، فسأكون سعيداً بمنحه شبكة أمان، أما أحمد الطيبي فأكد أن القائمة تجري نقاشات معمقة داخل القائمة، وسنتوقف ملياً أمام الخطوط العامة للحكومة التي يسعى غانتس لتشكيلها، وحينها سنقرر موقفنا النهائي.
هناك من يدفع العرب تجاه غانتس ولهذه الأسباب المشاورات لن تكون جدية
سعيد بشارات، رئيس تحرير شبكة الهدهد للشؤون الإسرائيلية، قال لـ "عربي بوست": "إنني لا أعتقد أن العرب سيشاركون بحكومة غانتس، أو حتى التشاور جدياً معه، خاصة إذا كان يطمح لتشكيل حكومة مع أفيغدور ليبرمان، لذلك فإن الدعوات الصادرة عن أوساط غانتس يمكن اعتبارها فقاعة إعلامية يريد منها عرض نفسه أنه أجرى مشاورات مع العرب، لكن ليبرمان لن يقبل بحكومة يكونون فيها، إن قلنا بخيار حكومة الأقلية".
وأضاف: "إنني لا أرى توافقاً داخل القائمة حول حكومة غانتس، بل تتفاوت في دعمها للتشاور معه، وإن وجد من يرغب بالمشاركة فهو أيمن عودة بدرجة كبيرة، الانقسام موجود داخل القائمة، وإذا تم الدخول أو التشاور العميق لتشكيل حكومة مع غانتس، فقد تتشظى القائمة مرة أخرى، مع أن السلطة الفلسطينية متماهية مع من يخلصها من مأزقها السياسي، لذلك تتشبث بأي قشة في ظل وضعها الحالي الذي وصل منتهاه".
القائمة العربية قد تعود بخفي غانتس بسبب هذا الرجل رغم الصفقات التي تبرم خلف الكواليس
الغريب أنه في حال منحت القائمة كل أصواتها الـ13 لإعطاء غانتس شبكة أمان برلمانية، فلن يستطيع تشكيل الحكومة إلا في حال انضم ليبرمان إليه، وهذا الأخير يرفض الدخول في حكومة تحظى بدعم العرب، وهنا قد تعود القائمة بخفي حنين، فلا هي حققت مشاركتها الفاعلة، ولا ألزمت غانتس بتطبيق مطالبها.
عوض عبدالفتاح، الرئيس السابق للتجمع الوطني الديمقراطي، قال لـ "عربي بوست" إن "هناك ترتيبات لإعداد صفقات خلف الكواليس بين غانتس وبعض أقطاب القائمة المشتركة خاصة أحمد الطيبي وأيمن عودة، للحصول على بعض الفتات ومقايضة بحقوق وطنية ومبادئ سياسية"، حسب قوله.
وأضاف: "إننا رفضنا سابقاً التوصية لغانتس بتشكيل الحكومة، واليوم نجدد رفضنا لإشراكنا بأي مشاورات لتشكيل حكومته".
وقال: "الخطورة في كلام الطيبي وعودة أنهما قد يدعمان حكومة غانتس في حال رأت النور، سواء كانوا داخلها أم خارجها، ما يثير نقاشاً حاداً داخل الأوساط العربية، واللافت أن هناك دعماً من الطبقة الوسطى بين العرب لهذا التوجه الخطير، لكن ما يحصل سلوك غير أخلاقي، ولا وطني، وليس سياسي"، حسب وصفه.
القائمة المشتركة أخطأت مرتين، في الأولى حين استبقت الأمور بإعلانها الرغبة الشاملة بإسقاط نتنياهو بأي ثمن، ولو بالتحالف مع غانتس، وفي الثانية حين منحت توصيتها لغانتس بتشكيل الحكومة، رغم وجود رفض عربي واسع في الداخل الإسرائيلي لهذا السلوك، ما يفتح نقاشاً جاداً حول مدى جدية وفائدة المشاركة العربية في انتخابات الكنيست، وتأثيرهم في منع صدور القوانين العنصرية.
إنهم يمنحون قصف غزة شرعية.. والسلطة تؤيدهم
علاء الريماوي، مدير مركز القدس لدراسات الشأن الفلسطيني والإسرائيلي، قال لـ "عربي بوست" إن "شبكة الأمان التي قد يمنحها النواب العرب لحكومة إسرائيلية برئاسة غانتس تعطي شرعية لقصف غزة، لأن مشروع غانتس يتمثل بإعادة هيبة إسرائيل في مواجهة قوى المقاومة، وترميم الردع من خلال مهاجمة غزة ولبنان، نحن أمام مشكلة حقيقية تعيد إلى الأذهان السلوك الذي ينتهجه الطيبي عادة بالتقارب مع الإسرائيليين".
وأكد أن "وجود تباينات في الأطروحات بين أعضاء القائمة، وهم محرجون من سلوك الطيبي وعودة، مع أن المعلومات المتوفرة بين يدي تشير إلى أن السلطة الفلسطينية على أعلى مستوياتها تضغط على القائمة لإسقاط نتنياهو بأي ثمن، ولو بمنح غانتس شبكة أمان".
يرى كثيرون من عرب 48 أن أي دعم عربي متوقع لحكومة الجنرالات الإسرائيليين، سواء من داخل الائتلاف الحكومي بأن يكون من بينهم وزراء، وهذا مستبعد، أو من خارجه وهذا متوقع، يعتبر شرعنة للجرائم التي اقترفها هؤلاء الجنرالات ضد الفلسطينيين والعرب.
كما أن هذا الانضمام العربي لحكومة غانتس في حال حدوثه، يتجاهل أن أحد ركائز الائتلاف إن تشكل، سيكون ليبرمان، الذي لا يتردد بإطلاق تصريحات معادية للعرب، ووصفهم بداعمي الإرهاب، ويدعو إلى ترحيل العرب بسحب مواطنة عشرات الآلاف منهم.
كما أن تجربة شبكة الأمان التي يسعى بعض أعضاء القائمة منحها لحكومة غانتس، أسوة بما حصل مع رابين، مختلفة كلياً، لأنها كانت ضمن التوجه نحو التسوية التاريخية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما ليس موجوداً اليوم بين الجانبين.