أجرى رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في الآونة الأخيرة زيارةً إلى إيران والسعودية وسط تقارير تفيد بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طلب منه التوسُّط بين الدولتين الغريمتين في منطقة الخليج، وبين إيران والولايات المتحدة. ولفهم دور خان المحتمل وتأثير ذلك في باكستان ومنطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، أجرى موقع Lobe log الأمريكي حواراً صحفياً مع فاطمة أمان الخبيرة في شؤون جنوب آسيا لمعرفة رأيها في هذا الأمر.
س) وردت تقارير تفيد بأن مسؤولين سعوديين وأمريكيين طلبوا من رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان التوسط بين إدارة ترامب وإيران. فإذا كان هذا صحيحاً، هل تظنين أنَّ خان في وضعٍ جيد يُمكِّنه من التوسط بين إيران والولايات المتحدة؟
ج) يبدو أن التقارير موثوقة. فحسب ما ذكر خان، لقد طلب منه دونالد ترامب أن "يحاول التوسط بين إيران والولايات المتحدة". وثمة احتمالان هنا: إما أنَّ اقتراح ترامب يُعد واحداً من تلك القرارات الاندفاعية التي يتخذها ثم يتراجع عنها في كثيرٍ من الأحيان، أو أنَّه كان يعني ذلك بصدق. وفي كلتا الحالتين، لا أعتقد أنَّه يريد من خان أن يكون وسيطاً مُتعقلاً. فالعلاقات بين إيران والولايات المتحدة معقدة للغاية، ولكن يمكن تحسينها بسهولة. والحملة التي يشنها ترامب على إيران تحت اسم "أقصى ضغط"، والتي تفرض عقوباتٍ مُعجِزة على الاقتصاد الإيراني، أتت بنتائج عكسية تماماً. إذ فاقمت سوء سلوك إيران، وجعلت المنطقة بأكملها على حافة كارثة. وأسفرت كذلك عن تطرُّف بعض المواقف الإيرانية التي كانت معتدلة، وعززت مكانة المتشددين في طهران. وقد أظهر استطلاعٌ جديد أنَّ الحرس الثوري الإيراني أصبح أكثر شعبيةً من ذي قبل، وأنَّ المتشددين صاروا يتمتعون بقبولٍ أكبر لدى الشعب الإيراني.
وكان هناك حلٌّ واضح للأزمة بين إيران والولايات المتحدة، لكنَّ إدارة ترامب قضت عليه مع الأسف. وأقصد هنا الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرم في عام 2015 (أو خطة العمل الشاملة المشتركة). ولكن بالعودة إلى جهود الوساطة التي قد يبذلها خان بين إيران والولايات المتحدة، فأعتقد أن ما يدور في رأس ترامب هو أن يجعل خان يُرتِّب له لقاءً مع القادة الإيرانيين، على غرار محاولة إحضار وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى البيت الأبيض لأغراضٍ دعائية، وهو ما رفضه ظريف بوضوح.
س) في الوقت نفسه، هناك تلميحاتٌ متزايدة إلى أنَّ الأزمة بين المملكة العربية السعودية وإيران تتجه نحو انفراجةٍ ما. ومن المفترض أن تكون باكستان وسيطاً في هذه الحالة أيضاً. فهل هناك أي دليل على أن باكستان تؤدي دوراً في ذلك، إذا كانت هذه الجهود الرامية إلى الانفراجة جاريةً بالفعل؟ وهل خان يستطيع تسهيل هذه العملية؟ لماذا، ولماذا لا؟
ج) الهند أو باكستان مناسبة جداً لأداء دور الوساطة. لكنَّ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اختار عدم التدخُّل. وهو بذلك يُكرِّر المواقف السابقة لرؤساء الوزراء الباكستانيين، الذين اختاروا كذلك عدم التوسط بين الرياض وطهران. لكنَّ خان مختلف. فهو محبوبٌ في كلٍّ من إيران والسعودية، وربما يكون الشخص الأنسب للوساطة بينهما. وكذلك فهو يتحدث عن الحاجة إلى تحسين العلاقات الإيرانية السعودية منذ بداية ولايته في أغسطس/آب الماضي. وعارض هو وحزبه، حركة الإنصاف الباكستانية، حرب اليمن ومشاركة باكستان فيها. بل وعارض الحزب تعيين الجنرال الباكستاني المتقاعد رحيل شريف لقيادة التحالف الإسلامي العسكري الذي تقوده السعودية لمكافحة الإرهاب.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ التنافس بين إيران والسعودية أثَّر في جيران البلدين. إذ غذَّى صعود التطرف العنيف، وتراجع التسامح، وحروباً بالوكالة، وهذه كلها عوامل زعزعت استقرار الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وطالت هذه الصراعات جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة. ووجدت المزيد والمزيد من البلدان نفسها عالقةً في التنافس بين طهران والرياض. فعلى سبيل المثال، تؤمن إيران إيماناً راسخاً بأنَّ السعوديين يمولون جماعاتٍ سُنية متطرفة في باكستان وأفغانستان. لكنَّ لجوء إيران إلى نشر ميليشياتٍ شيعية باكستانية وأفغانية في سوريا عمَّق الانقسام الديني في تلك البلدان وجعلها على حافة الصراع الداخلي. ولا أقول هنا إنَّ هذه الانقسامات بدأت بسبب نشر إيران ميليشياتها في سوريا، فالتنافسات الشيعية السنية أقدم من ذلك بكثير، ولكن بسبب الأفعال الإيرانية والسعودية، اشتدت حدة هذه التنافسات وأصبحت أوضح.
س) من الواضح أنَّ باكستان كانت طرفاً فاعلاً مهماً في جهود واشنطن للتوصل إلى تسويةٍ مع طالبان في أفغانستان كذلك. فكيف حدث ذلك، وكيف سيؤثر ذلك في أي جهودٍ للتوسُّط بين إيران والولايات المتحدة إذا حدثت من الأساس؟
المحادثات مع طالبان مُعلَّقة. لا أعتقد أنَّ عملية السلام قد انتهت، لكنَّها بالتأكيد ليست على رأس جدول أعمال ترامب في الوقت الراهن. وأعتقد أنَّ ما يحدث الآن بين الأكراد وتركيا في سوريا سيدفع الإدارة الأمريكية إلى إبطاء سعيها إلى الانسحاب من أفغانستان بسرعة. وصحيحٌ أنَّ خان أدَّى دوراً رئيسياً في محادثات السلام مع طالبان، لكنني أعتقد أنَّه غفل عن ميل ترامب إلى التصرف بعفويةٍ دون تخطيط. إذ كانت السرية التي تحيط بقرار ترامب دعوة مسؤولي طالبان إلى كامب ديفيد غير متوقعة، بل والأغرب كان إعلان إلغاء ذلك الاجتماع على تويتر.
ولا شك في أنَّ المفاوضات العقلانية بين الولايات المتحدة وإيران ستفيد المنطقة بأسرها، لكنها ستعود على أفغانستان بنفعٍ خاص. إذ كان تعاون إيران أساسياً في مؤتمر بون في عام 2001 الذي أسفر عن إنشاء أول حكومةٍ أفغانية بعد طالبان. وفي العقود التي أعقبت نشأة الجمهورية الإسلامية، دائماً ما تركت إيران والولايات المتحدة بعض قنوات الاتصال. لكنَّ إدارة ترامب قطعت كل تلك القنوات مع الأسف، وهذا أمر مقلق للغاية. فاستبعاد إيران من المفاوضات حول مستقبل أفغانستان، لا سيما في ظل مشاركة دول أخرى، ليس قراراً حكيماً، وربما لن يؤدي إلى أي حل دائم.
س) لا شك في أنَّ الجيش الباكستاني يمارس نفوذاً قوياً على سياسة البلاد الخارجية. فهل تعتقدين أنَّه مختلفٌ مع آراء خان بشأن الوساطة المحتملة بين إيران والولايات المتحدة، وإيران والسعودية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما المصالح التي يمكن أن يسعى الجيش إلى حمايتها من دبلوماسية خان في كلتا الحالتين؟ أم سيكون متفقاً معها بالكامل؟
ج) في زيارته إلى إيران أبريل/نيسان من العام الجاري 2019، اصطحب خان الجنرال عاصم منير، مدير وكالة الاستخبارات الباكستانية، معه. وكان ذلك لطمأنة طهران بأنَّه يحظى بمباركة الجيش لزيادة التعاون مع إيران. لذا أعتقد أنَّ الجيش الباكستاني يدعمه في جهود الوساطة. وأحد الأسباب وراء ذلك هو أنَّ تركيز الجيش في الوقت الراهن مُنصَبٌّ على كشمير، ربما أكثر من أي وقت مضى، وأنَّ نزع فتيل التوترات في دول الجوار، وتحسين صورة باكستان سيكون مفيداً.
س) كيف يؤثر الوضع في كشمير في دور الوساطة الذي من المحتمل أن تؤديه باكستان، إن وُجِد؟
ج) سياسة خان الخارجية ليست فعالة في لفت الانتباه إلى الأحداث في كشمير، وحشد الدول الإسلامية لمعارضة قرار الهند إلغاء الحكم الذاتي في كشمير. ومن ثَمَّ، فإذا تولى خان دور الوسيط بين إيران والسعودية، و/أو إيران والولايات المتحدة، فسوف يعزز ذلك من مكانته الدولية، وربما يساعد باكستان على جذب مزيدٍ من التركيز تجاه قضية كشمير.
س) كيف يمكن لجهود الوساطة أن تؤثِّر في خان من الناحية السياسية؟
ج) يواجه خان تحدياتٍ داخلية عميقة، مثل اقتصاد بلاده الضعيف للغاية الذي ورثه من سابقيه، لكنَّه لم يتمكن من تحسينه منذ توليه منصبه. وكذلك فالنظام الضريبي الذي طبَّقه على الشعب الباكستاني، الذي لم يعتد دفع الضرائب، لا يحظى بشعبيةٍ كبيرة، وقد يجعله يخسر دعم أنصاره المنتمين إلى الطبقة المتوسطة.
غير أنَّ خان لديه الآن فرصةٌ لفعل شيء استثنائي لم يفعله أي رئيس وزراء باكستاني. فإذا تمكن من التقريب بين الغريمتين إيران والسعودية وتخفيف التوترات بينهما، سيكون ذلك إرثاً رائعاً، وقد يُحسِّن صورة باكستان وصورته أمام العالم إلى حدٍّ كبير.
س) كيف يؤثر سحب ترامب المفاجئ للقوات الأمريكية في شمال شرق سوريا في جهود الوساطة الباكستانية، إن وجدت؟
ج) لن يؤثر ذلك في جهود الوساطة الباكستانية. فعلى الصعيد التاريخي، تربط بين تركيا وباكستان علاقاتٌ وثيقة منذ عدة عقود. فتركيا تدعم موقف باكستان من كشمير بوجهٍ عام، فيما أعربت باكستان عن "دعمها وتضامنها" مع تركيا. لذا لن تكون الأحداث في شمال شرق سوريا مصدر قلق لباكستان ولن تؤثر في أي جهودٍ للوساطة.