مفاجأة فجّرتها حركة النهضة باشتراطها أن يكون رئيس الحكومة التونسية القادمة من أعضاء حزبها، وتلميحها إلى أن زعيم الحركة راشد الغنوشي هو مرشحها للمنصب الأول فعلياً في السلطة التنفيذية التونسية.
انطلقت حركة النهضة في مشاورات حثيثة وعسيرة لتشكيل الحكومة، منذ فوزها في الانتخابات التشريعية، غير أن إصرارها على أن يكون رئيس الحكومة من صلب الحركة أصبح نقطة خلافية تهدد بتعطيل المشاورات مع حلفائها المحتملين.
وبعد تأكد قبول ائتلاف الكرامة (ائتلاف إسلامي يوصف بأنه أكثر محافظة من النهضة) بالمشاركة في تكوين الحكومة المقبلة، واستبعاد حزب قلب تونس، والحزب الدستوري الحر من المفاوصات، فتحت النهضة قنوات الاتصال مع بقية الأحزاب ذات الكتل البرلمانية الوازنة، خاصة التيار الديمقراطي (يسار وسط)، وحركة الشعب (عروبيون)، للتفاوض حول شكل الحكومة وبرنامجها خلال السنوات الخمس المقبلة.
شورى النهضة يؤجل الحسم
عقد مجلس شورى حركة النهضة، نهاية الأسبوع الماضي، اجتماعاً امتدَّ ليومين لمناقشة مواصفات رئيس الحكومة المقبل، وتحديد الأحزاب التي من المنتظر أن تكون جزءاً من التحالف الحكومي.
ولم يخرج من هذا الاجتماع حتى الآن رؤية واضحة للطريقة التي ستحكم بها النهضة البلاد، انطلاقاً من القصبة (قصر الحكومة).
غير أن رئيس مجلس شورى الحركة عبدالكريم الهاروني أوضح أن هناك إجماعاً كبيراً داخل الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية، يذهب في اتجاه اختيار رئيس حكومة من داخل النهضة، وأن رئيس الحركة راشد الغنوشي هو الأقرب لتولي هذا المنصب.
النهضة لا تخشى الانتخابات المبكرة
من جهته أكد القيادي في حركة النهضة، الحبيب خضر، أن اجتماع مجلس شورى حركة النهضة حسم مسألتين فقط، أولاهما أن رئيس الحكومة سيكون من داخل حركة النهضة وليس من خارجها.
وقال إنه لم يتم بعد حسم هوية رئيس الحكومة، رغم أن النظام الداخلي للحركة والدستور يمنح الأولوية لرئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي لتولي هذا المنصب.
أما ثاني المسائل التي حسم فيها هذا الاجتماع فيتعلق بشكل الحكومة المقبلة، التي لن تخضع للمحاصصة الحزبية، ولا لمبدأ التوافق، مثلما كان عليه الأمر سنة 2014، بل ستكون وفق تعبيره أقرب إلى وصفها بحكومة برنامج، أي أن تكون الحكومة مبنية على برنامج اقتصادي وسياسي، يتم تحديد ملامحه مع شركاء الحركة المحتملين.
وأوضح خضر أن الشيخ راشد الغنوشي لم يقدم بعد أي رد حول ترشيحه لرئاسة الحكومة، مؤكداً أن هذه المسألة سيتم حسمها في اجتماع ثانٍ لمجلس شورى الحركة، خلال الأيام المقبلة.
وشدَّد القيادي في حركة النهضة على أنه لا يمكن لأحد أن ينازع حركة النهضة في الشخص الذي ستقترحه رئيساً للحكومة، بما أنها صاحبة الحزب الفائز بالانتخابات، مستنكراً بعض الدعوات لتعيين شخصية من خارج الحركة لرئاسة الحكومة.
وحول معارضة بعض الأحزاب التي من المنتظر أن تتحالف معها النهضة، أن يكون رئيس الحكومة من داخل الحركة، أوضح خضر أن "الدستور والانتخابات منحت النهضة الحق في اختيار رئيس الحكومة وتشكيلها، لذلك فالحركة لن تتنازل عن حقها وواجبها تجاه مَن صوّت لها".
وقال: "لا نتمنى من شركائنا المحتملين أن يجلسوا على أريكة المعارضة، ولكننا سنقوم فقط بما يمليه علينا واجبنا تجاه الشعب الذي ترجمت هذه الانتخابات خياراته".
وأضاف: "رئيس الحكومة سيكون من داخل الحركة، هذا أمر مؤكد تم حسمه، ونتمنى من شركائنا المحتملين أن يقبلوا بهذا الأمر، وأن نضع معهم ملامح برنامج الحكومة المقبلة، لكننا في الآن ذاته لا نخشى سيناريو عدم التصويت على الحكومة واللجوء إلى انتخابات تشريعية مبكرة".
حكومة الرئيس في مواجهة حكومة الغنوشي
من جهته، أكد أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي، أن حركة الشعب ترفض رفضاً قاطعاً الدخول في حكومة يكون رئيسها من داخل حركة النهضة، لاسيما رئيس الحركة راشد الغنوشي، لعدة اعتبارات، أبرزها أن الرأي العام المحلي والدولي لن يقبل بهذا المعطى، وبأن المرحلة الحالية تستوجب حكومة قادرة على تجميع التونسيين وتحقيق آمالهم.
واعتبر المغزاوي أن ترشيح رئيس الحركة، الشيخ راشد الغنوشي، لرئيس الحكومة، هو مناورة من الحزب الفائز في الانتخابات، ليقدم اسماً آخر من داخل الحركة (غير الغنوشي) على أنه تنازل.
وقال المغزاوي إن حركة الشعب اقترحت على حركة النهضة أن تكون الحكومة القادمة "حكومة الرئيس"، أي أن يختار رئيس الجمهورية المنتخب قيس سعيد، الذي حظي بإجماع كبير من كل فئات الشعب التونسي وكل الأطياف السياسية، رئيساً للحكومة.
ورأى أن اختيار رئيس الجمهورية لرئيس حكومة من خارج حركة النهضة سيدفع كل الأحزاب والكتل البرلمانية للتصويت لحكومته، انسجاماً مع حالة المساندة والدعم الشعبي والسياسي الكبير لأستاذ القانون الدستوري.
مناورة من النهضة
وفي سياق متصل أكد القيادي في حزب التيار الديمقراطي محمد الحامدي، أن ترشيح حركة النهضة للشيخ راشد الغنوشي لرئاسة الحكومة لا يعدو أن يكون تكتيكاً سياسياً ومناورة ذكية من النهضة، لتظهر بأنها تنازلت فيما بعد حين تطرح اسماً آخر من داخل الحركة لرئاسة الحكومة.
ويقود محمد عبو حزب "التيار الديمقراطي" (يسار الوسط) المعارض، وهو حقوقي شاب كان قيادياً في حزب "المؤتمر" (يسار الوسط)، بزعامة الرئيس السابق الدكتور المنصف المرزوقي، ودخل حكومة "الترويكا" عام 2012، لكنه سرعان ما استقال منها، بعد أن اتهمها بالتسامح مع المتورّطين في الفساد والاستبداد.
ودعا الحامدي حركة النهضة إلى تقديم مرشحها الفعلي لرئاسة الحكومة كسباً للوقت، عوضاً عن الاستمرار في سياسة المناورة، مرجحاً أن تكون ورقة راشد الغنوشي كمرشح أولي لرئاسة الحكومة مناورةً لتبرير تحالف النهضة، غير مستبعدة مع حزب قلب تونس، في حالة فشلها في تكوين حكومة مع التيار الديمقراطي وحركة الشعب.
حسابياً، لو افترضنا أن حركة النهضة تحالفت مع ائتلاف الكرامة (21 مقعداً) وحزب الرحمة (3 مقاعد) وحركة الشعب (16 مقعداً) ستجمع 92 مقعداً، وستكون أمام مأزق حقيقي خلال عملية تشكيل الحكومة، ولن ينقذها من هذه المعضلة إلا التيار الديمقراطي (22 مقعداً)، الذي وضع شروطه للدخول للحكومة، وهي الحصول على وزارتي الداخلية والقضاء وحقيبة الإصلاح الإداري، من أجل مقاومة الفساد وتنفيذ برنامج الحزب.
وهنا، قد تضطر حركة النهضة لقبول هذه المطالب أو التفاوض بشأنها من أجل الخروج من المأزق.
وفي حال فشل البرلمان في تشكيل حكومة، فمن حق الرئيس حل البرلمان والدعوة لانتخابات نيابية جديدة.
فحسب الدستور التونسي، إذا فشل البرلمان الجديد طوال شهرين في المصادقة على تشكيلة حكومية تتزعمها شخصية يرشحها الحزب الفائز بالمرتبة الأولى، فعندها يكلف رئيس الدولة شخصية ثانية من خارج هذا الحزب، وإن فشل في الفوز بثقة أغلبية النواب في ظرف شهرين يحل البرلمان، وتتم الدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة.