في 10 أكتوبر/تشرين الأوّل 2019، كان عبدالوهاب فرساوي، رئيس الجمعية الوطنية للشباب "راج"، وهي إحدى منظّمات المجتمع المدني التي تشارك بقوّة في احتجاجات الحراك الجزائري، من بين الحاضرين في أحد الاعتصامات الأسبوعية أمام محكمة سيدي محمد تضامناً مع سجناء الرأي الجزائريين. وقبل وقتٍ قصير من نهاية التجمّع، ألقت مجموعة من رجال الشرطة بملابس مدنية القبض على فرساوي الذي ظهر بعد اختفاء دام يومين في سجن الحراش يوم 12 أكتوبر/تشرين الأوّل 2019.
وقال عضو في المجلس التنفيذي لراج، في حديث أجراه مع موقع Al-Monitor الأمريكي، شريطة عدم الكشف عن هويّته في أعقاب اعتقال فرساوي: "إننا ضحايا حملة اعتقالات، لأننا منظمة استثمرت وأسهمت كثيراً في الحراك. ومع ذلك، فإن راج ليست هي المُستهدَف الوحيد لتلك الاعتقالات التعسفية، بل المجتمع المدني ككل".
استهداف منظمات المجتمع المدني
يأتي اعتقال الفرساوي وسط تصاعد القمع ضد الزعماء البارزين وغيرهم من الناشطين في الحِراك، بما يشمل الاعتقالات التعسفية واسعة النطاق. وقد شجبت جماعات حقوق الإنسان والمحامون الإجراءات التي تتخذها الدولة بحقّ المشاركين في الحركة الشعبية التي اندلعت في فبراير/شباط الماضي إثر قرار الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة المبدئي بالترشح لولاية خامسة. ويأتي التصعيد قبل شهرين من انعقاد الانتخابات الرئاسية التي دعا إلى عقدها الرئيس المؤقت، عبدالقادر بن صالح، في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، والتي دعا إليها الجيش. تولى بن صالح منصب الرئيس بالنيابة في أبريل/نيسان بعدما قرر بوتفليقة الاستقالة في نهاية المطاف تحت وطأة الضغط الذي تعرض له.
وبحسب اللجنة الوطنية للإفراج عن الموقوفين، اعتقلت السلطات الجزائرية 91 سجين رأي على الأقل بين 21 يونيو/حزيران و15 أكتوبر/تشرين الأوّل 2019 في العاصمة الجزائر وحدها، ويُحتجز هؤلاء في سجني الحراش والقليعة بالعاصمة. وتشير تقارير اللجنة إلى احتجاز أكثر من 110 أشخاص حالياً في جميع أنحاء البلاد. وقالت مجموعة محامين من أجل التغيير والكرامة، التي تتألّف من محامين يمثّلون بعض المحتجزين، في حديث مع موقع Al-Monitor، إن العدد الإجمالي للمحتجزين يبلغ حوالي 170.
أبرز الناشطين المعتقلين
يأتي لخضر بورقعة من بين الشخصيات البارزة المحتجزة، وهو أحد العسكريين القدامى الذي شارك في حرب تحرير الجزائر، وهو عضو مؤسس في حزب جبهة القوى الاشتراكية، وكذلك كريم طابو، المتحدث الرسمي باسم حزب الاتحاد الاجتماعي الديمقراطي؛ وفضيل بومالة وسمير بلعربي، وكلاهما ناشط معروف.
وقال قاسي تانساوت، منسق اللجنة الوطنية للإفراج عن الموقوفين، لكن في تصريحات أدلى بها لموقع Al-Monitor: "منذ يوم الجمعة 13 سبتمبر/أيلول 2019، لم يعد الأمر يوصف بأنه اعتقالات، بل هو عمليات اختطاف أشخاص معروفين ومُحددين، إما قبل مسيرة أو في نهاية اعتصام يدعم الموقوفين".
وفي ظل القلق بشأن الاستهداف المتزايد للنشطاء، عقدت مجموعة من المحامين الذين يمثلون معتقلي الحراك الجزائري مؤتمراً صحفياً يوم 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2019 في الجزائر العاصمة للتنديد باستخدام النظام القضائي بوصفه أداة في أيدي النخبة الحاكمة وارتكاب هؤلاء عدداً من المخالفات القانونية. وسلط المحامون الضوء على عمليات الاعتقال خارج إطار القانون، وإساءة استخدام الاحتجاز السابق للمحاكمة، والتركيز غير المتناسب للاعتقالات في العاصمة، وحرمان المحتجزين من حق التواصل مع ذويهم أو مُحامٍ يمثّلهم. وقال عيسى رحمون، نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان وعضو مجموعة محامين من أجل التغيير والكرامة، في حديثه مع موقع Al-Monitor: "إن هذه العملية مسيئة".
دستة من الاتهامات الجاهزة
وتحتجز السلطات المعتقلين في الأصل على أساس مزاعم انتهاكهم المواد 75، و79، و96 من قانون العقوبات، التي تتعلّق على الترتيب بتقويض الروح المعنوية للجيش، وتقويض سلامة الأراضي الوطنية، ونشر محتوى يقوض المصلحة الوطنية. فعلى سبيل المثال، اتُهِم فرساوي بانتهاك المادتين الأوليين. وعلى الجانب الآخر، ينكر المحتجزون التهم الموجّهة لهم، ويشددون على أنها ذات دوافع سياسية.
وقال تانساوت: "هذه كلّها اعتقالات تعسفية وحالات احتجاز احتياطي". وأوضح أنه حتى الآن، تؤكّد اللجنة الوطنية للإفراج عن الموقوفين على وجود ست قضايا تتراوح الأحكام فيها بين ثلاثة أشهر إلى سنة. كانت أولها قضية سماني أمازيغ، الذي حُكم عليه بالسجن لمدة عام في 9 أكتوبر/تشرين الأول بتهمة "تدنيس العلم الوطني" إذ لم يُلق القبض عليه أثناء فعالية احتجاجية، بل بعدما التقط صورة بعلم أمازيغي حين كان في رحلة سياحية.
وأُلقي القبض على عديد من المحتجزين لحملهم العلم الأمازيغي أثناء الاحتجاجات واتُهموا في وقت لاحق بتقويض سلامة الأراضي الوطنية، وهو انتهاك يعاقب عليه القانون بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وعشر سنوات وغرامة تتراوح بين 3000 و 70000 دينار جزائري (ما يعادل 25 إلى 600 دولار أمريكي) .
ظروف اعتقال سيئة
ويقال إن المعتقلين محتجزون في ظروف سيئة، وإن واحداً منهم على الأقل، وهو كريم طابو، يقبع في زنزانة انفرادية، وهذا بحسب ما أوردته جماعات حقوق الإنسان. وقالت أمينة حدّاد، وهي عضوة في شبكة مناهضة القمع، التي تتولّى الدفاع عن معتقلي الرأي والحريّات الديمقراطية، في حديث أجرته مع موقع Al-Monitor: "إن المعلومات التي قدمها محامو معتقلي الرأي تقول إن ظروف السجن محفوفة بالمخاطر على نحو بالغ، بل ويمكن وصفها بالمُهينة".
وأوضحت أمينة حداد: "ينام البعض على الأرض، بينما يشكو آخرون من حصص المياه المحدودة، وتشير تقارير أخرى إلى أنه لا يُستوفى الحد الأدنى من الظروف الصحية، بينما يزعم البعض أنهم كانوا ضحايا للإهمال الطبي".
ويؤكّد عيسى رحمون على تلك الرواية قائلاً: "إن ظروف السجن تفتقر إلى الإنسانية، والحالة الصحيّة للعديد من المحتجزين تتدهور".
وقد أعلنت مجموعة من المعتقلين المحتجزين في سجن الحراش إضرابها عن الطعام في 4 أكتوبر/تشرين الأول ضد ما نصحهم به المحامون الذين قالوا إن موتهم لن يُحرّك ساكناً بالنظام، ويُعتقد أن مجموعة من سبعة محتجزين بدأوا إضراباً عن الطعام اعتباراً من 14 أكتوبر/تشرين الأوّل 2019. في غضون ذلك، علم موقع Al-Monitor أن هناك معتقلين آخرين يفكرون في بدء إضراب عن الطعام اعتباراً من 1 نوفمبر/تشرين الثاني إذا جددت السلطات قرار الاحتجاز الاحتياطي على ذمّة المحاكمة بحق الذين اعتقلتهم في 21 و 28 يونيو/حزيران، وهو الموقف الذي سيحدد بعد ذلك وضع معظم السجناء. وسوف يتزامن 1 نوفمبر/تشرين الثاني مع الذكرى السنوية لبدء حرب تحرير الجزائر.
المواصلة حتى "سقوط النظام"
يقول المقربون من المعتقلين إن ذويهم يحافظون على معنوياتهم ويحافظون على دعمهم للحراك، إذ يقول تانساوت: "في كل زيارة يقوم بها المحامون، يبعث المعتقلون برسائل تطلب منا مواصلة الكفاح حتى سقوط النظام".
وصرّح ناشط في راج قائلاً: "نحن في راج متأثرون تأثراً مباشراً بالاعتقالات، لأن لدينا بالفعل تسعة نشطاء وراء القضبان، ولكن أولئك القابعين في السجن يطلبون منا دائماً أن نظل محتشدين، وأن نواصل الكفاح، وألّا نقلق بشأنهم. هذا هو ما يعطينا الشجاعة والتصميم على المثابرة".
وتعدّ زيادة عدد المحتجزين جزءاً من حملة يشنّها -على نطاق أوسع- النظامُ الذي تحول تدريجياً من التزام الموقف السلبي إلى حد ما خلال ذروة الاحتجاجات في الربيع، إلى نهج أكثر بطشاً.
وتقول أمينة حدّاد: "بعد 34 أسبوعاً من الاحتجاجات الشعبية الهائلة في جميع أنحاء البلاد، تنتهج الحكومة استراتيجية واسعة للتصدي للثورة السلمية، بما يتضمّن التخويف ومنع حرية الحركة، ويتم ذلك أيضاً وبشكل أساسي من خلال استغلال القضاء أداة من أدوات القمع. ومن بين المناورات الأخرى التي تمارسها الحكومة لمحاولة إضعاف أو إيقاف الحركة الشعبية، تتجلّى ممارسة الضغط على مكاتب التحرير بوسائل الإعلام العامة والخاصة، بما يتضمّن التغطية الإعلامية للمظاهرات الشعبية".
إحكام القبضة على السلطة
ويفسر كثيرون تصاعد القمع على أنه وسيلة ينتهجها النظام للحفاظ على قبضته على السلطة، إلى جانب تقسيم أو سحق الحركة الشعبية بعد وضع خريطة طريق تتضمّن إجراء انتخابات ديسمبر/كانون الأوّل، التي يرفضها الحراك الجزائري في ظل الظروف الحالية.
وقال رشيد تلمساني، أستاذ السياسة الدولية والأمن الإقليمي بجامعة الجزائر، في حديث أجراه مع موقع Al-Monitor: "خلال الأسابيع الماضية، وبشكل أكثر تحديداً منذ الدعوة إلى الانتخابات، زادت القيادة العسكرية العليا من قمع الناشطين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية والطلاب والمستقلين. باختصار، إنهم يقمعون القيادة الشابة الجديدة التي يُرجّح تولّيها زمام السلطة في الجزائر الجديدة".
وبالرغم من القمع المتزايد، تستمر حركة الاحتجاجات الجزائرية في تنظيم مظاهرات أسبوعية ضد النخبة الحاكمة. ففي 11 أكتوبر/تشرين الأوّل، شارك عشرات الآلاف في مسيرات طافت الجزائر العاصمة منادين بمطالب رئيسية من بينها إطلاق سراح المحتجزين.
وقالت أمينة: "اليوم، صار إطلاق سراح سجناء الرأي أمراً جوهرياً تتمركز حَوله مطالب الحركة الشعبية، التي تُكرر في كل احتجاج تضامنها غير المشروط مع المحتجزين وعائلاتهم".