أعلنت الولايات المتحدة الجمعة الماضي 11 أكتوبر/تشرين الأول أنَّها تزوِّد المملكة العربية السعودية بمزيدٍ من أنظمة الدفاع الصاروخي والقوات، مما يُعزِّز احتمالية نشوب مواجهة مع إيران، التي حذَّرت من أنَّ أي هجوم عليها سيؤدي إلى "حرب شاملة".
تقول صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، إنه في حالة نشوب حرب، ستكون الجمهورية الإسلامية خصماً مختلفاً تماماً عمَّا كانت عليه في آخر مرة استهدفتها فيها الولايات المتحدة مباشرةً في عام 1988. إذ صارت إيران الآن تمتلك آلاف الصواريخ، والكثير منها قادر على الوصول إلى إسرائيل والبحر الأبيض المتوسط، بل ويستطيع بعضها الهروب من الأنظمة الدفاعية السعودية، وفقاً لما ذكرته الولايات المتحدة. ولديها كذلك قواتٌ أو ميليشيات موالية لها قادرة على إطلاق صواريخ من اليمن والعراق وسوريا ولبنان. ولديها أكثر من مليونَي شخص في القوات النظامية والخاصة والاحتياطية وشبه العسكرية تحت تصرُّفها.
وتقول إيران إنَّ هذا يضع مجموعة من المواقع العسكرية الأمريكية تحت التهديد؛ إذ نقلت وكالة فارس الإيرانية شبه الرسمية على لسان الجنرال الإيراني أمير علي حاجي زاده وهو يقول متحدثاً عن الأمريكيين في الشهر الماضي سبتمبر/أيلول: "إنهم يعتقدون أنهم سيكونون آمنين ما داموا بعيدين عنَّا بمسافة 400 كيلومتر. ولكن فور اندلاع الحرب، سنضرب سفنهم أينما كانت".
ترسانة الصواريخ الإيرانية
يُذكَر أنَّ إيران نفت تورطها في الهجمات الصاروخية التي ضربت البنية التحتية النفطية السعودية في 14 سبتمبر/أيلول الماضي، في حين أعلنت قوات الحوثيين المتحالفة معها في اليمن مسؤوليتها عن الهجمات. ولكن إذا كانت واشنطن والرياض على حق في أنَّ إيران هي المسؤولة وقامتا بمهاجمتها، فقد أظهرت هذه الأخيرة، الواقعة تحت ضغط العقوبات الأمريكية، أنها مستعدة للرد وقادرة عليه.
إذ أصبحت ترسانة الصواريخ الإيرانية الآن حجر الزاوية في استراتيجيتها الدفاعية. ويتحكم الحرس الثوري الإسلامي، المسؤول عن الدفاع عن إيران من الأعداء الأجانب، في معظم هذه الترسانة.
ويقول بعض خبراء الأسلحة إنَّ الصواريخ المستخدمة في الهجمات التي وقعت على المنشآت النفطية السعودية تشبه صاروخ سومار الذي يعد أكثر الصواريخ الإيرانية تطوراً. وهو صاروخ كروز كشفت عنه إيران في عام 2015، ويعد هو الأطول مدى في ترسانة إيران الصاروخي، إذ يستطيع ضرب أهدافٍ على بُعد 1900 كيلومتر أو 2900 كيلومتر، إذا كانت مزاعم إيران صحيحة.
ويعد هذا الصاروخ مجرِّد واحدٍ من التطورات التي أجرتها إيران في جيشها منذ عام 1988، حين أغرقت قوات البحرية الأمريكية سفينتين حربيتين إيرانيتين ودمَّرت منصةً نفطية إيرانية انتقاماً من انفجار سفينةٍ أمريكية بلَغمٍ في الخليج.
فمنذ ذلك الحين، طوَّرت إيران جيشها الذي أصبح يضم أكثر من 500 ألف جندي، من بينهم 125 ألفاً من قوات الحرس الثوري، التي تضم قواتٍ برية وجوية وبحرية. وكذلك تستطيع إيران استدعاء جنود الاحتياط الذين يبلغ عددهم حوالي 350 ألف جندي وتعبئة القوات شبه العسكرية التي يُقدَّر عدد أفرادها بحوالي 1.5 مليون شخص، وفقاً لما ذكره محللون أمنيون أمريكيون مثل أنتوني كوردسمان، خبير الدفاع البارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.
القوة البشرية الإيرانية
تقول "وول ستريت جورنال": صحيحٌ أنَّ جيش إيران التقليدي لا يواكب التحديثات التي أجراها منافسوها الإقليميون، لكنَّ قوته البشرية الواسعة ومهاراته في الحرب غير المتكافئة ستجعل غزو إيران مكلفاً وصعباً.
وبالإضافة إلى ذلك، فمشاركة القوات الإيرانية في قتالٍ مستمر في سوريا منذ سنوات دفاعاً عن بشار الأسد قد منحها تدريباً فعلياً في ميدان المعركة، وعزز التعاون الوثيق بين الجيش النظامي والحرس الثوري.
وفي هذا الصدد، قال ستيف وارد المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ومؤلِّف كتابٍ عن تاريخ إيران العسكري: "صحيحٌ أنَّ إيران ليس لديها إمكانات لوجيستية تُمكِّنها من نشر قواتها خارج الحدود الإيرانية. لكنَّها تتمركز في إيران، وإذا اضطرَّت إحدى الدول إلى مهاجمتها، فستكون على أهبة الاستعداد".
وصحيحٌ أنَّ الولايات المتحدة ستتفوق على إيران تفوقاً كاسحاً في حال نشوب حربٍ تقليدية بينما، لكنَّ إيران أصبحت بارعةً في حروب العصابات غير المتكافئة. ولعل أحد الأجزاء الأساسية من استراتيجيتها الدفاعية، التي تؤدي فيها الصواريخ دوراً حيوياً، هو ردع هجمات الأعداء بإبقاء تهديدٍ دائم ضدهم.
وتحاول إدارة ترامب، بعد انسحابها من الاتفاق النووي الذي أبرِم في عام 2015 مع إيران، الضغط على إيران لإبرام اتفاق نووي جديد من شأنه كبح برنامجها الصاروخي وما تعتبره الولايات المتحدة عدوان طهران على خصومها الإقليميين.
هل تحمي "الباتريوت" أمريكا وحلفاءها؟
هذا وتشتمل المعدات الأمريكية التي تُنشَر حالياً في المملكة العربية السعودية على أنظمة صواريخ باتريوت -المصممة لتغطية قاعدة أو منشأة معينة- ومنظومة ثاد الدفاعية الصاروخية التي تغطي مساحةً أوسع ضد الصواريخ الباليستية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ العديد من أنظمة باتريوت فشلت بالفعل في حماية المنشآت النفطية السعودية من هجوم سبتمبر/أيلول الماضي، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنَّها مصممة لاعتراض الصواريخ التي تطير على ارتفاع أعلى وتذهب إلى مدًى أطول من صواريخ كروز التي تطير على ارتفاعاتٍ منخفضة والتي استُخدِمَت في هذا الهجوم. ليس من الواضح ما إذا كانت منظومة ثاد، التي لا تملكها المملكة العربية السعودية في الوقت الحالي، ستوفر حماية أفضل ضد أي هجماتٍ مماثلة. فهذه المنظومة مصممة لاعتراض الصواريخ التي تطير في الغلاف الجوي قبل أن تصل إلى أهدافها، وليس بالضرورة صواريخ كروز التي تطير على ارتفاعاتٍ منخفضة.
يُذكَر أنَّ برنامج طهران الصاروخي بدأ في عهد الشاه قبل ثورة 1979 وبدأ تسريع وتيرته في عام 1985 حين تلقت إيران أول صواريخ من طراز Scud-B من ليبيا. ومع اشتداد حربها مع العراق، تلقت إيران المزيد من صواريخ Scud-B من كوريا الشمالية وصواريخ كروز مضادة للطائرات من الصين استخدمتها لتطوير صواريخ مُنتَجة محلياً.
وقد استخدمت إيران معظم صواريخها في هذه الحرب. وفي عام 1990، أبرمت اتفاقية مدتها 10 سنوات مع الصين لنقل تكنولوجيا الصواريخ، في ظل عزمها على الدفاع عن نفسها ضد المعتدين في المستقبل.
واليوم، أصبحت الدعامة الأساسية في ترسانة إيران من الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى هي سلسلة شهاب -3، التي من المحتمل أن تكون نسخةً مُعدَّلة من صواريخ دونج -1 الكورية الشمالية، ويبلغ مداها 965 كيلومتراً. ومنذ عرض سلسلة شهاب-3 لأول مرة في عام 1998، أنتِج منها نُسخٌ معدلة أخرى مثل سجيل وعماد وغادر، بمدى يصل إلى 1930 كيلومتر، وفقاً لمركز أبحاث الكونغرس.
ومن المرجح أن يكون صاروخ سومار الأرض-أرض نسخةً معدلة من صاروخ KH-55 جو-أرض الروسي، وفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
هذا وتدعي وزارة الخزانة الأمريكية أنَّ بعض الشركات الصينية ساعدت إيران كذلك على تطوير صواريخ باليستية.
المخاطر العسكرية لدخول حرب مع إيران
وتمتلك إيران أيضاً عدة مئات من الصواريخ الباليستية والصواريخ قصيرة المدى، التي تقول الولايات المتحدة إنَّ إيران نقلت بعضها إلى حزب الله في سوريا ولبنان وإلى الميليشيات الشيعية في العراق وإلى قوات الحوثيين في اليمن.
وقد أظهر الحوثيون، على وجه الخصوص، درايتهم بمواضع الألم لدى أعداء إيران، إذ ضربوا عدة منشآتٍ سعودية في الأشهر الأخيرة، من بينها محطة لتحلية المياه ومحطات كهرباء.
ومن ثَمَّ، يمكن القول إنَّ ترسانة الصواريخ المتوسعة تؤجِّج مخاطر المواجهة العسكرية مع إيران في ظل وضع عدة أهداف تحت التهديد، من بينها أماكن تحميل الناقلات والموانئ المدنية والبنية التحتية للنفط والغاز وأنظمة الرادار الأمريكية والطائرات الأمريكية بدون طيار والسفن القتالية الأمريكية.
وفي هذا الصدد، قال إريك بروير، خبير انتشار الأسلحة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "سيكون هدف إيران هو إظهار أنها لن ترضخ لإملاءاتٍ خارجية. ولا أعتقد أنَّ إيران قد قررت إلى أي مدى تريد أن تصل. ربما يحاولون تخمين أقصى مدى يُمكن الوصول إليه في أثناء وقوع هذه الأحداث".