مباراة كرة القدم التي لعبها اليوم الثلاثاء 15 أكتوبر/تشرين الأول، المنتخب السعودي أمام ضيفه المنتخب الفلسطيني في ملعب فيصل الحسيني بالرام في الضفة الغربية، أثارت عاصفةً من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تساؤلات عن السِّر الذي دفع السعودية لتغيير موقفها، فما القصة؟
ماذا حدث اليوم؟
المباراة أقيمت في إطار التصفيات المزدوجة لكأس العالم 2022 وكأس آسيا 2023، ضمن المجموعة الرابعة، التي تضم إلى جانب المنتخبين السعودي والفلسطيني منتخبات اليمن وأوزبكستان وسنغافورة.
وعلى الرغم من أنّها ليست المرة الأولى التي يقع فيها فريقا السعودية وفلسطين في مجموعة واحدة في مثل تلك التصفيات، فإن هذه هي المرة الأولى التي يوافق فيها المنتخب السعودي على اللعب في الضفة الغربية المحتلة، وهو تغيير ضخم لا بد من وجود أسباب تُبرِّره.
السعودية رفضت قبل أربع سنوات
الموقف نفسه كان قائماً في تصفيات كأس العالم الماضية التي استضافتها روسيا عام 2018، ورفضت السعودية لعب المباراة، وتسبَّب ذلك في مشكلة كبيرة، حينما أصرَّ الجانب الفلسطيني على لعب المباراة على ملعبه، ورفض الجانب السعودي، ثم توصَّل الجانبان لأن تُلعب المباراة في الرياض، على أن تقام المباراة الثانية بينهما في ملعب المنتخب الفلسطيني.
ولكن حينما حَلَّ موعد المباراة، وكان في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2015، أُجريت المباراة في الأردن، الذي يلعب به المنتخب الفلسطيني مبارياته في الغالب، وأصرَّ الجانب السعودي على عدم اللعب في الضفة الغربية، على أساس أن ذلك يعني بالضرورة التعامل مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي.
ماذا تغيّر الآن؟
اللافت هنا في الموقف السعودي أنه عملياً لم يتغير أي شيء على الأرض، بمعنى أن نفس الظروف التي كان يتم فيها الرفض من الجانب السعودي مواجهة المنتخب الفلسطيني في الضفة الغربية، على أساس أن ذلك نوع من أنواع التطبيع مع إسرائيل، لا تزال قائمة.
وكان الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" قد أعطى الضوءَ الأخضر للمنتخب الفلسطيني بخوض مبارياته على الأراضي الفلسطينية في 2008، ومنذ ذلك الحين يطالب الاتحاد الفلسطيني الفرق والمنتخبات العربية باللعب في الأراضي الفلسطينية، لكن الجميع كانوا يرفضون، وعلى رأسهم السعودية.
منسقة الحملة الأكاديمية والثقافية للمقاطعة في فلسطين والوطن العربي ندى حسين، عبّرت عن نفس الفكرة، عندما قالت لوكالة فرانس برس: "لا تتعارض زيارة المنتخب السعودي مع معايير المقاطعة التي أقرّتها اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة من العام 2007، بشرط ألا تكون خلال هذه الزيارات أي علاقة مع دولة الاحتلال أو مؤسساتها".
المنسقة تساءلت، رغم ذلك، عن سبب قبول اللعب الآن في الأراضي الفلسطينية، بعد أن رفض المنتخب السعودي هذا الأمر عام 2015، خشية "شبهة التطبيع"، وتساءلت الحملة "لماذا تغيّر موقفه الآن وأعلن عن موافقته على خوض المباراة هذا العام؟".
آلية الدخول ليست جديدة
كان الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم توصّل إلى اتفاق مع الاتحاد الدولي لكرة القدم، حول آلية دخول الفرق والمنتخبات العربية إلى الأراضي الفلسطينية عبر المعبر الإسرائيلي، ووفقاً لهذه الآلية يتم إصدار تصاريح خاصة لهم، ولكن عن طريق السلطة الفلسطينية، وليس مباشرة ما بين إدارة هذه المنتخبات وإسرائيل، وهذه الآلية ليست جديدة، بل موجودة منذ السماح للمنتخب الفلسطيني باستضافة لقاءات على ملعبه.
ما هو الموقف السعودي الرسمي؟
الهيئة العامة للرياضة في السعودية أكدت في بيان رسمي أنّ خوض المباراة في الضفة الغربية المحتلة "يأتي تلبية لطلب الاتحاد الفلسطيني ورغبته في استضافة المباراة، وحرصاً على ألا يُحرم المنتخب الفلسطيني من لعب المباراة على أرضه وبين جمهوره، أسوة بالدول الأخرى".
وهذا البيان في حد ذاته لا يقدم تفسيراً لسبب تغير الموقف السعودي، فالجانب الفلسطيني طالب بنفس الأمر عام 2015، بل وأصرّ عليه، وتم تصعيد الموقف للاتحاد الدولي، وفي النهاية أصرّت السعودية على موقفها "وحرمت المنتخب الفلسطيني من لعب مباراته على أرضه وبين جمهوره، أسوة بالدول الأخرى".
السر يكمن في التطبيع
في ظل غياب أي منطق وراء التغير في الموقف السعودي، تطلّ علينا التقارير الإعلامية الإسرائيلية حول "حملة التطبيع" التي تم نشر بنودها مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، حيث إن مباراة كرة القدم التي لعبها المنتخب السعودي ستفتح الباب أمام باقي الفرق، سواء أندية أو منتخبات للعب في الضفة الغربية أمام الأندية الفلسطينية، وليس فقط المنتخب.
بنود خطة الاتفاق بين تل أبيب ودول الخليج التي تم نشرها تدعو لـ"عدم الاقتتال"، وأكد وزير خارجية إسرائيل أنه طرح فعلاً المبادرة التي وصفها بالتاريخية لتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية، وفق ما نقله موقع "سي إن إن عربي"، إنها علمت أنه تم الاتفاق مع دول الخليج على تشكيل طواقم مشتركة لدفع المبادرة قدماً. ونشرت بنود المبادرة التي قالت إنها تتألف من 12 بنداً.
المباراة إذن تأتي كخطوة أولى ضخمة في طريق التطبيع بين السعودية وإسرائيل من بوابة كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في العالم، وهو ما رفضته "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، معتبرة أن إسرائيل تحرم الفلسطينيين أنفسهم من مزاولة كرة القدم بحرية على أراضيهم، مذكرة برفض تل أبيب في الأسابيع الماضية منح تصاريح للاعبي فريق "خدمات رفح" للانتقال من قطاع غزة إلى الضفة الغربية لخوض إياب نهائي كأس فلسطين ضد شباب "بلاطة".
كما أكدت حركة مقاطعة إسرائيل "بي دي إس" في بيان، أنه رغم أنّ الزيارة لا تتعارض مع معايير مناهضة التطبيع، إلا أنه "لا يمكن أن نقرأ قدوم المنتخب السعودي إلى فلسطين المحتلة في هذا الوقت تحديداً (…) إلا في سياق التطبيع الرسميّ الخطير للنظام السعودي" مع إسرائيل.