تثير الفوضى المتصاعدة في شمال سوريا مع تقدم تركيا في حملتها على التنظيمات الكردية، الحليفة السابقة للولايات المتحدة، مخاوفَ بشأن مصير الآلاف من معتقلي تنظيم "الدولة الإسلامية" وعائلاتهم، الذين يحتجزهم الأكراد في سجون مؤقتة كأسرى حرب.
عند إعلانه أنه قد أفسح الطريق أمام العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا، أصرّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أن تركيا عليها أن تتحمل مسؤولية مقاتلي داعش الأسرى وعائلاتهم، ثم قال إن الولايات المتحدة تولّت احتجاز أخطرهم. غير أنه في الوقت الذي يستعد فيه البنتاغون لسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، يبدو كلا المطمَحين أبعد بكثير من أن يتحققا، كما تقول صحيفة The New York Times الأمريكية.
ماذا يجري في شمال سوريا؟
يقول تشارلي سافاج، وهو صحفي أمريكي حاصل على جائزة بوليتزر، ومراسل في لصحيفة "واشنطن بوست": الوضع معقد للغاية. فقد شنّت تركيا عملية عسكرية على تنظيم "سوريا الديمقراطية" الكردي، والذي كان الحليف الأمريكي الأساسي في سوريا في القتال ضد تنظيم الدولة، وهم يسيطرون على منطقة واسعة شمال شرق سوريا. غير أن تركيا تعتبر أن هذه التنظيمات إرهابية وتهدد أمنها القومي، لارتباطها بتنظيم حزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابياً في تركيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
في هذه الأثناء، يسيطر بشار الأسد، المدعوم من روسيا، على الجزء الجنوبي من البلاد، التي يريد استعادتها بالكامل. ويبدو أن الأكراد عقدوا صفقة مفاجئة مع الحكومة السورية، الأحد، لكن تفاصيلها –وماذا تعني فيما يتعلق بالمحتجزين الدواعش- ليست واضحة بعد.
من هم معتقلو داعش وكم عددهم وأين أماكن تواجدهم؟
يقول الصحفي الأمريكي إن تنظيم "قسد" أدار مجموعةً تضم نحو 6 مواقع احتجاز مؤقتة لأسرى الحرب من مقاتلي داعش، تشمل مقرات مدارس سابقة في مدن مثل عين عيسى وكوباني إلى سجن حكومي سوري سابق في الحسكة.
استوعبت تلك السجون قرابة 11 ألف شخص، منهم 9 آلاف تقريباً من المحليين –سوريين أو عراقيين- ونحو 2000 من 50 دولة أخرى، كانت حكوماتهم المحلية أبدت تردداً بشأن إعادتهم إلى أوطانهم وبعضها رفض ذلك بالكامل. عشرات من هؤلاء الرجال هم أوروبيون، من دول مثل بلجيكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، لكن أكثر من ذلك بكثير أتوا من دول أخرى مثل مصر وتونس واليمن.
يدير الأكراد أيضاً أكثر من عشرة مخيمات لعائلات نزحت على إثر النزاع، وتضم عشرات الآلاف من الناس، كثير منهم زوجات وأطفال غير سوريين من أسر مقاتلي داعش. ويشمل ذلك مخيماً ضخماً على بعد 25 ميلاً جنوب شرق الحسكة، حيث يعيش نحو 70 ألف شخص في ظروف مزرية للغاية، إضافة إلى مخيمٍ في عين عيسى.
هل أطلق الأكراد سراح مقاتلي داعش في خضم هذه الحرب؟
يقول سافاج، كان أحد أهم المخاوف بالنسبة لواشنطن بهذا الشأن، أن الأكراد يعيدون نشر حراسهم من السجون والمخيمات ويستدعونهم للمساعدة في مواجهة الأتراك، وهو ما قد يسهل على أعضاء داعش الهروب. ويوم الأحد، سمح الأكراد لمئات من نساء وأطفال مقاتلي داعش بمغادرة قسم من مخيم النازحين في عين عيسى، حيث كانوا محتجزين. وليس من الواضح ما إذا كان أي مقاتل قد فر من السجون بعد.
يقول مدير سابق بوحدة مكافحة الإرهاب في "مجلس الأمن القومي" في عهد ترامب والرئيس الحالي لـ"متحف الجاسوسية الدولي" في واشنطن، كريستوفر بي كوستا، إن "السيناريو الأسوأ" هو أن الأكراد يشعرون بخيبة أمل وغضب كبيرين مما فعلته الولايات المتحدة لدرجة أنهم "قرروا إطلاق سراح بعض المعتقلين الدواعش بالجملة".
هل يمكن أن تتولى تركيا أو نظام الأسد أمرَ احتجاز سجناء داعش؟
يقول البيت الأبيض إن تركيا "ستكون مسؤولة الآن عن جميع مقاتلي داعش في المنطقة التي تمت السيطرة عليها خلال العامين الماضيين". لكن تركيا لم تعط أي إشارة علنية بأنها وافقت على تولي أمر مثل هذه "الورطة".
وقال جوشوا جليتزر، المدير السابق للجنة مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي في عهد أوباما، إنه "من الصعب تخيل أن تركيا لديها القدرة على التعامل بشكل مناسب مع المعتقلين الذين كانت القوات الكردية هي مَن تتولى احتجازهم منذ فترة طويلة، وهذا بفرض أن تركيا تنوي حقاً المحاولة"، حسب تعبيره.
من الممكن أيضاً أن ينتهي الأمر إلى تولي النظام السوري السيطرة على بعض السجون باتفاق بين الأكراد والأسد. لكن ليس واضحاً ما إذا كانت هناك أي خطة لنقل السلطة والمسؤوليات بشكل منظم وسط هذه الوتيرة السريعة للأحداث.
ألم يقل ترامب إنه أخرج بالفعل أخطر معتقلي داعش من سوريا؟
يقول الصحفي الأمريكي: بلى، لكن ما قاله غير صحيح إلى حد كبير.
فمع اشتداد الفوضى في شمال سوريا، يوم الأربعاء، أدلى ترامب بتصريحات مهدّئة للصحفيين، كشف فيها عن أن الولايات المتحدة كانت قد تولت نقل أسوأ معتقلي داعش وأخطرهم، لضمان عدم هروبهم.
وقال ترامب: "نحن ننقل بعض أخطر مقاتلي داعش. لقد نقلناهم واحتجزناهم في أماكن مختلفة، حيث الأوضاع آمنة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأكراد يراقبونهم. وإذا لم يراقبهم الأكراد فإن تركيا ستراقبهم؛ لأنها لا تريد أن يخرج هؤلاء الأشخاص خارج السجون أكثر مما نفعل".
وأضاف: "ومع ذلك، نقلنا عدداً معيناً من مقاتلي داعش السيئين للغاية. فقد أردنا التأكد من عدم حدوث تغير فيما يخصّهم، وفيما يتعلق بخروجهم خارج السجون. وأعتقد أننا نقوم بعمل رائع".
لكن على الرغم من أن ترامب تحدث بصيغة الماضي، كما لو أن العملية قد نُفذت، لكن ذلك التصور كان طموحاً إلى حد كبير، ويبدو مستبعداً الآن على نحو متزايد.
ما حقيقة ما حدث إذاً، أين هؤلاء السجناء الخطيرين؟
يقول سافاج: أخرجت الولايات المتحدة اثنين فقط من المعتقلين ذوي القيمة العالية، وهذا دون أهدافها بكثير. كان الجيش الأمريكي قد أعدّ خططاً طارئة لنقل قائمة تضم نحو 25 معتقلاً من ذوي الأولوية العليا في تلك المجموعة من المحتجزين، من شمال سوريا منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما أعلن ترامب لأول مرة أنه سيسحب قواته من البلاد قبل أن تبطِّئ إدارته وتيرة تنفيذ تلك الخطة، وفقاً لما قاله مسؤول.
بعد الضوء الأخضر المفاجئ الذي منحه ترامب لتركيا كي تبدأ حملتها، حاول الجيش تنفيذ الخطة التي كان قد طمح إلى تنفيذها. وتمكنت وحدات من القوات الخاصة يوم الأربعاء من نقل رجلين بريطانيين يُعتقد أنهما نصف عدد أفراد خلية داعش التي تولت تعذيب وقتل رهائن غربيين، وهم محتجزون الآن في قاعدة أمريكية في العراق.
لكن بعد قبول الأكراد نقل هذين الرجلين، أوقفوا تعاونهم مع الولايات المتحدة ساخطين على ما اعتبروه خيانة لهم من ترامب، وفقاً لمسؤولين أمريكيين. ويقول المسؤولون إن قرار البنتاغون يوم الأحد بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، يعني أن فرصةَ نقل أماكن احتجاز سجناء آخرين من معتقلي داعش –حتى لو قرر الأكراد استئناف التعاون مرة أخرى- تتلاشى بسرعة.
من هما البريطانيان اللذان تمكنت أمريكا من نقلهما وتولي مسألة احتجازهما؟
الرجلان هما الشافعي الشيخ وأليكساندا كوتي، وهما من ضمن عناصر ما يُعرف بـ "بيتلز داعش"، وهي خلية مكونة من أربعة عناصر بريطانيين منتمين لداعش اشتهروا بدورهم في تعذيب الرهائن الغربيين، ومنهم جيمس فولي، الصحفي البريطاني الذي قطعت رأسه في أغسطس/آب 2014، في مقطع فيديو دعائي لداعش. ويُعتقد أن عضواً آخر في الخلية، سبق أن قُتل في غارة جوية لطائرة بدون طيار، هو من قتل فولي.
تعتزم وزارة العدل الأمريكية إحضار الرجلين إلى المقاطعة الشرقية في ولاية فرجينيا، للمثول للمحاكمة، غير أن صراعاً قانونياً في بريطانيا أخّر عملية النقل. وتدور الدعوى حول ما إذا كان مسموحاً للحكومة البريطانية بأن تشارك أدلة مع الولايات المتحدة، دون ضمانات أن النيابة الأمريكية لن تطالب بعقوبة إعدام بحق المتهمين.