هل ستظهر أم لا؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الجميع في أنحاء العالم الفني حول اللوحة التي تحمل اسم "سلفاتور مُندي" [مخلّص العالم] –أول لوحة رسمها ليوناردو دافنشي تُكتشف منذ أكثر من قرن- في الوقت الذي يستعد متحف اللوفر لمعرضه الاستثنائي عن دافنشي ولوحاته.
مع مرور أقل من أسبوعين على بدء العرض، هناك الآن شكوك جدية حول ما إذا كانت نجمة المعرض ستظهر، كما كان يأمل متحف باريس.
اللوحة الأغلى في العالم، التي تعرض رسماً ليسوع المسيح في ثوب عصر النهضة، وبيعت في مزاد علني في عام 2017 مقابل 450 مليون دولار، من المتوقع أن تجتذب حشوداً ضخمة. توصف اللوحة بأنها لا تقل إلهاماً عن "الموناليزا"، أشهر أعمال ليوناردو، ويقال إن لها "هالةَ حضورٍ تواصلي، غير عادي".
هل ستظهر قريباً؟
لكن عالم الفنون تغمره شائعات بأن ظهورها يبدو مستبعداً. وتذهب صحيفة The Art Newspaper إلى أبعد من ذلك، وتؤكد أن اللوحة لن تحظى بظهور خاص. وقالت متحدثة باسم متحف اللوفر لصحيفة The Observer: "أوكد أن متحف اللوفر طلب استعارة لوحة "سلفاتور مُندي". لكن لم نتلق الجواب حتى الآن، ومن ثم فليس لدينا أي تعليق إضافي".
سيُمثل عدم عرضها أحدثَ تطورٍ في القصة الاستثنائية للوحة التي ما انفكت تجذب الكثير من الجدل والمؤامرات والانقسامات حولها، بقدر ما حظيت بإشادة النقاد وتقديرهم لها. فقد ظلت الأسئلة والخلافات حول أصالتها ونسبها مشتعلةً بين مؤرخي الفن لأكثر من عقد من الزمان.
ونُسبت اللوحة ذات مرة إلى "مدرسة جيوفاني بولترافيو"، رسام عصر النهضة المبكر الذي كان تلميذاً لدافنشي، ثم رُقيت لتصبح "عملاً لبوترافيو"، عندما بيعت مقابل 45 جنيهاً إسترلينياً في عام 1958 في مزادٍ علني في لندن.
ثم اشتراها روبرت ب. سايمون، وهو مؤرخ فني وتاجر من نيويورك، في أحد مزادات دور بيع اللوحات في نيو أورليانز مقابل 1.175 فقط، في عام 2005، لتنسب بعدها بسنوات إلى ليوناردو دافنشي في عام 2011.
وقال سايمون لصحيفة The Observer: "لديّ حشد من الأسباب التي تجعلني أومن بنسبة 100 % في أن ملكية ليوناردو للوحة "سلفاتور مُندي"، وأهمها ذلك الأسلوب الذي لا يُضاهي، ونمط الأيقنة الفريد، والمستوى المعجز من الجودة الذي تبلغه اللوحة. ويمكن أن أضيف إلى ذلك، حضور الخصائص الفنية لليوناردو، ونسب اللوحة لتوقيعه، والدليل على انتماء العمل إلى تلك الفترة التاريخية. ومع ذلك، فإن السبب الأكثر إقناعاً للاعتقاد في نسب اللوحة لليوناردو ليس أكاديمياً ولا علمياً: بل يأتي من شعور الروحانية العميق الذي تبعثه فيك، شعورٌ أخذ ينتقل من فنانٍ إلى الرائي للوحاته على مدى أكثر من 500 عام".
في قصور أبوظبي أم على يخت بن سلمان؟
ومع ذلك، فإنه إلى اليوم، لا يزال البعض يشكك في إسناد اللوحة إلى دافنشي، وفقاً لسيمون، الذي قال أيضاً: "أعرف أن اللوحة طُلبت للعرض في معرض اللوفر، وبوصفها عملاً لليوناردو. لكن لا شك أن القرار بشأن ما إذا كانت اللوحة ستُستعار أم لا هو قرار المالك. وأنا ليس لدي علم بقراره".
الواقع أن حقيقة من يملك اللوحة بالفعل هي مصدر خلاف آخر. فقد شاع أن اللوحة أصبحت في يد العائلة المالكة في أبو ظبي. غير أنه في الآونة الأخيرة، دارت أنباء عن أنها في يخت محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية الذي اضطر مؤخراً إلى إنكار تورطه في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي.
المالك السابق المعروف للوحة هو الملياردير الروسي ذو النفوذ السياسي الهائل، دميتري ريبولوفليف، الذي اشتراها في 3 مايو/أيار 2013 مقابل 127.5 مليون دولار، بعد عملية ترميم كبيرة خضعت لها. وثار غضب ريبولوفليف لاحقاً عندما علم أن مستشاره الفني، رجل الأعمال السويسري، إيف بوفييه، كان قد حصل على حقوق اللوحة قانونياً في 2 مايو/أيار 2013 في اتفاق خاص بتنسيق من سيمون في عملية بيع خاصة توسطت فيه شركة Sotheby's. وتزعم وثائق المحكمة أن بوفييه دفع 83 مليون دولار لشركة Sotheby's مقابل اللوحة، قبل أن يحوّل وجهة البيع إلى ريبولوفليف مقابل ربح يزيد على 50 %.
يزعم ريبولوفليف أن بوفييه كرر نفس الخدعة مع ما لا يقل عن 38 من الأعمال الفنية التي حصل عليها، ومنها لوحات رسمها بيكاسو، وبول غوغان، وكليمت، ورويكو، وموديلياني. ويدّعي ريبولوفليف، في دعوى قضائية رفعها ضد Sotheby's لدورها فيما يزعم أنه "أكبر عملية احتيال في عمل فني في التاريخ"، أنه تعرض للاحتيال في مبلغ يزيد على مليار دولار.
وترفض شركة Sotheby's، التي لم تستجب لطلبات صحيفة The Guardian البريطانية بالتعليق، الإقرار بتلك المزاعم، وكذلك بوفييه.
اللوحة الأغلى في التاريخ
وقد دفعت القفزة الهائلة التي شهدها الارتفاع في ثمن اللوحة، والظروف الغامضة المحيطة ببيعها وملكيتها، إلى دعوات لتنظيم سوق الأعمال الفنية بدرجة أكبر.
ومع ذلك، فإن سيمون الذي نشر هذا الأسبوع كتاباً جديداً شارك في تأليفه عن اللوحة، بعنوان Leonardo's Salvator Mundi and the Collecting of Leonardo in the Stuart Courts، ويتناول فيه أدلةً على أن المالكين السابقين للوحة شملوا أفراداً من العائلة الملكية الإنجليزية، عبّر عن شكوكه في هذه الدعوات وجدواها.
"لا أرى كيف سيكون لأي تنظيم يجري لسوق تجارة الأعمال الفنية، تأثير على الجدل الدائر حول عملية بيع اللوحة. يخضع بيع أي عمل فني قيم، مثل لوحة ليوناردو، للقوانين الحالية المماثلة وعادةً القوانين ذاتها التي تخضع لها عمليات بيع الممتلكات القيمة الأخرى، سواء أكانت أعمالاً فنية أم ذهباً أو جواهر أو قطعة أرض أو عقاراً أو يختاً أو طائرة حتى".
كان من المقرر أن تظهر لوحة "سالفاتور مُندي" في متحف اللوفر في أبوظبي العام الماضي. لكن، بعد ذلك، وكما هو الحال الآن، أدّى عدم ظهورها إلى إثارة التكهنات حول ملكيتها والمكان الذي تعلق فيه حقاً. وقد تكون الحقيقة أن اللوحة الأغلى في التاريخ –والأكثر إثارة للجدل- ليست معروضة في أي مكان.
يقول سيمون: "لا أعرف على وجه التحديد مكان اللوحة. ومع ذلك، فقد سمعت قبل أنها نقلت قبل بضعة أشهر، للاحتفاظ بها في منشأة آمنة لحماية الأعمال الفنية في سويسرا".