خطوات التغيير المتسارعة التي يتخذها ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان تثير الكثير من علامات الاستفهام على أكثر من مستوى، الأول يتعلق بالمدى الذي يمكن أن تصل إليه موجة "التغيير"، والثاني يتعلق بمدى تقبل المجتمع المحافظ لذلك التغيير، وأخيراً مدى قدرة ولي العهد على مواصلة تلك الخطوات المتسارعة.
ماذا تعني تأشيرة السياحة؟
كان قرار فتح السعودية أبوابها للسياح الأجانب، الأسبوع الماضي، خبراً ضخماً تناولته العديد من محطات التلفزيون العالمية وكبريات الصحف ووكالات الأنباء والمواقع ووسائل التواصل، حيث إن ذلك يعني عدة متغيرات كبرى في المملكة المحافظة.
تأشيرة السياحة أصبحت متاحة أمام مواطني 49 دولة، تشمل معظم الدول الأوروبية وأمريكا وأستراليا، ولا يستغرق الحصول عليها أكثر من نصف ساعة، أو حتى الحصول عليها عند الوصول للمطارات السعودية، وتكلف نحو 120 دولاراً.
إلغاء المَحرم وشرط القرابة
تأشيرة السياحة فتحت الباب أمام عدة إجراءات، كانت تعتبر من المستحيل مجرد التفكير فيها قبل ذلك، ومنها مثلاً أن تقيم امرأة في فندق دون وجود محرم معها، أو أن يقيم رجل وسيدة في غرفة واحدة دون تقديم عقد الزواج، وهذا ينطبق على السائحين الأجانب فقط.
مسألة الزي بالنسبة للمرأة تم أيضاً إلغاؤها، ويتم التنبيه فقط على السائحات والسائحين بارتداء ملابس محتشمة في الأماكن العامة، وبالطبع وصف "ملابس محتشمة" يخضع لتفسيرات مختلفة، بحسب كل ثقافة.
ماذا يريد أن يُحقق ولي العهد؟
فتح السعودية المحافظة جداً أبوابَها أمام السياح للمرة الأولى، وتخفيف القيود المفروضة على الزوار الأجانب، يأتي في إطار مبادرة ولي العهد لتنويع الاقتصاد المعتمد على النفط، أو ما يُعرف برؤية 2030، وقد كانت التأشيرات محصورةً على الحجاج المسلمين والزوار من رجال الأعمال والدبلوماسيين.
وقال مسؤولون سعوديون لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، إن الهدف هو أن تساهم السياحة بنسبة تصل إلى 10% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد بحلول عام 2030، مقارنة بنسبة 3% الآن.
وفي هذا الإطار، تقوم هيئة الترفيه السعودية بإقامة حفلات لمطربين ومطربات عالميين، وتستضيف فعاليات فنية ورياضية، من أجل تقديم صورة جديدة للمملكة في أعين العالم خارجياً.
مقصد سياحي تقليدي
السياحة الدينية في المملكة العربية السعودية، حيث يوجد بيت الله الحرام والكعبة المشرفة في مكة والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، تستقبل الملايين كل عام في موسم الحج ومواسم العمرة المستمرة على مدار العام، لكن السياحة بمفهومها العام تختلف بشكل جذري عن السياحة الدينية.
وقد نشرت وكالة بلومبيرغ الأمريكية تقريراً عن أبرز ستة مزارات سياحية يمكن أن يقصدها السائح الأجنبي، جاء في مقدمته: "المملكة الإسلامية المحافظة تحظر الكحول، وتعتقل المعارضين المحليين، ومؤخراً فقط سمحت للرجل والمرأة أن يقيما في غرفة فندقية، دون إثبات أنهما زوجان طالما أنهما أجانب، ولكن بالنسبة لمن لا يهمهم أمر عدم وجود فنادق فخمة خارج المدن الرئيسية، توجد أطلال قديمة تضاهي مثيلاتها في الأردن وثقافة غنية ومتنوعة تتحدى الصور النمطية".
ولي العهد داخلياً وخارجياً
تحويل المملكة لمقصد سياحي تقليدي في إطار محاولات ولي العهد المستمرة لتقديم نفسه أمام العالم الغربي على أنه قائد شاب يغير المملكة الإسلامية المحافظة إلى دولة حديثة، تصطدم بأسلوبه في التعامل مع منتقديه، وتُلقي بظلال كثيفة من الشكوك حول مدى قدرته على تحقيق رؤية 2030 التي يتبناها.
فرغم اتخاذ إجراءات غير مسبوقة مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة، وإلغاء ولاية الرجل على المرأة، لا تزال الناشطات اللائي طالبن بتلك الحقوق قيد الاعتقال منذ أكثر من عام، ولجين الهذلول أبرز مثال، وجاء اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي، العام الماضي، والذي توجهت أصابع الاتهام وراء الجريمة لولي العهد نفسه، لتجعل صورته خارجياً تحتاج لمعجزة حتى يقتنع العالم بأنه قائد شاب يؤمن بالتغيير والحداثة، وليس زعيماً سلطوياً يحكم بالحديد والنار ويتخلص من معارضيه.
ولا يمكن الحكم على مدى تقبل المجتمع السعودي المحافظ لتلك الإجراءات التي يتخذها ولي العهد ومسألة تقبل كون المملكة مقصداً سياحياً تقليدياً من عدمه، في ظل السيطرة المطلقة لولي العهد وفريقه على وسائل الإعلام من ناحية، وخوف السعوديين من التعبير عن رأيهم من ناحية أخرى، حتى لا يتعرضوا لبطش الأمير.
لكن من الصعب إن لم يكن من المستحيل الجمع بين كون المملكة مقصداً سياحياً تقليدياً مع الحفاظ على القبضة الحديدية الموجودة حالياً، فمع تدفق السائحين -إن حدث- على الأرجح ستكون السيطرة على رد الفعل الاجتماعي أمراً صعباً بالفعل.